الذكاء الاصطناعي: أداة تطور أم وسيلة للسيطرة على الشرق الأوسط؟

ديسمبر 15, 2024 - 10:31
الذكاء الاصطناعي: أداة تطور أم وسيلة للسيطرة على الشرق الأوسط؟

يشهد العالم اليوم تحولاً جذرياً في مختلف القطاعات بفعل الثورة التقنية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي. ورغم ما يبدو أنه مستقبل مشرق، تحمل هذه التقنيات أبعاداً أكثر خطورة، خصوصاً على مناطق مثل الشرق الأوسط، التي أصبحت مختبراً مفتوحاً لتجربة تطبيقات الذكاء الاصطناعي واختبار قدراتها. في هذا المقال، نستعرض كيف يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي سلاحاً ذا حدين، نافعاً للبعض وخطراً على الآخرين.

الشرق الأوسط... حقل تجارب بلا رقابة

تُعتبر منطقة الشرق الأوسط بيئة مثالية للشركات التقنية الكبرى والحكومات لاختبار نماذج الذكاء الاصطناعي، نظراً لضعف الأطر القانونية والتشريعية لحماية البيانات الشخصية. فبينما تفرض الدول المتقدمة قيوداً صارمة على جمع البيانات واستخدامها، تعاني دول الشرق الأوسط من غياب الرقابة الفعّالة، مما يفتح الباب أمام استغلال البيانات الضخمة التي تُجمع عن سكان المنطقة دون علمهم أو موافقتهم.

وفقاً لدراسة منشورة في Brookings Institution، فإن العديد من الحكومات والشركات التقنية في الشرق الأوسط تستغل هذه الفجوة لاختبار أدوات مراقبة جماعية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يُسهم في جمع بيانات الأفراد وتحليلها بطرق لا تخضع لرقابة قانونية كافية.

النتيجة؟

  • استغلال البيانات لتطوير خوارزميات قادرة على التلاعب بالسلوك الإنساني.
  • توجيه الرأي العام عبر محتوى موجه يعتمد على تحليلات دقيقة لسلوك المستخدمين.

وسائل سيطرة لا أدوات تطور

التكنولوجيا ليست مجرد أداة محايدة، بل تعكس أهداف وأجندات مُصمِّميها. في الشرق الأوسط، يتخذ الذكاء الاصطناعي شكلاً مختلفاً:

  • المراقبة الجماعية: تُستخدم أنظمة التعرف على الوجه والذكاء الاصطناعي لتتبع الأفراد والمجموعات، مما يعزز القمع السياسي ويحد من الحريات. وفقاً لتقرير Carnegie Endowment for International Peace، فإن هذه التقنيات تُستخدم في مناطق النزاع لتعزيز السيطرة الأمنية وتحديد الأهداف بدقة.
  • التضليل الإعلامي: يتم استخدام تقنيات إنشاء الأخبار الزائفة ونشرها لتوجيه الرأي العام والسيطرة على السرديات الإعلامية.

تهديد الهوية الثقافية والاجتماعية

البيانات التي تُستخدم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي غالباً ما تأتي من سياقات غربية، مما يؤدي إلى انحياز ثقافي يظهر في:

  • تجاهل المحتوى العربي: ضعف تمثيل اللغة والثقافة العربية في خوارزميات الذكاء الاصطناعي. تقرير MIT Technology Review يشير إلى أن أغلب الخوارزميات تعتمد على مصادر بيانات غربية، مما يؤدي إلى تجاهل الخصوصية الثقافية للمنطقة.
  • تشويه القيم: تقديم أنماط تفكير غريبة عن السياق الاجتماعي، مما يُهدد الهوية المحلية ويُحدث صداماً بين الثقافات.

فجوة اقتصادية متزايدة

يُعمِّق الذكاء الاصطناعي الفجوة الاقتصادية بين الدول المتقدمة والنامية.

  • الدول المتقدمة: تستفيد من البيانات وتوظفها لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي تعزز اقتصادها.
  • الدول النامية: تُستنزف مواردها وبياناتها دون تحقيق عوائد اقتصادية تُذكر.

على سبيل المثال، وفقاً لتحليل منشور على موقع IAPP، فإن الشركات الكبرى مثل "ميتا" و"غوغل" تستغل سوق الشرق الأوسط لاختبار منتجاتها في بيئة منخفضة المخاطر، بينما تبيعها لاحقاً بأسعار باهظة للدول المتقدمة، مما يضع دول المنطقة في موقع التبعية الاقتصادية.

تجارب على المجتمعات الهشة

مع استمرار الأزمات في العديد من دول الشرق الأوسط، أصبحت هذه المناطق مختبراً لتجارب تقنيات الذكاء الاصطناعي.

  • الأسلحة الذكية: وفقاً لتقرير الأمم المتحدة عن الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان، تُستخدم هذه الأسلحة في مناطق النزاع لاختبار فعاليتها، مما يؤدي إلى أضرار إنسانية كبيرة.
  • التقنيات الإعلامية المتقدمة: تُستخدم استراتيجيات التضليل ونشر الأخبار الزائفة لتوجيه الرأي العام خلال الحروب والنزاعات.

كيف نواجه هذا التحدي؟

للحد من الأضرار المحتملة لهذه الظاهرة، يجب اتخاذ خطوات جادة، منها:

  • تعزيز الوعي العام: من خلال حملات توعية حول خطورة استغلال البيانات.
  • سن تشريعات صارمة: لحماية البيانات الشخصية ومنع استغلالها.
  • تشجيع الابتكار المحلي: لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي تعكس احتياجات وقيم المنطقة.
  • التعاون الإقليمي: لإنشاء منصات عربية قادرة على مواجهة الهيمنة التقنية العالمية.
  • المشاركة في الحوار العالمي: للضغط على الشركات العالمية لاحترام القوانين المحلية.

خلاصة القول

بينما يحمل الذكاء الاصطناعي وعوداً بمستقبل مشرق، يبقى الوجه الآخر لهذه التقنية خطيراً، خاصة في منطقة مثل الشرق الأوسط التي تفتقر إلى الحماية التشريعية والوعي الكافي. إذا لم يتم التعامل مع هذا التحدي بوعي وجهود جماعية، فقد نجد أنفسنا رهائن لنظم ذكاء اصطناعي لا تخدم مصالحنا بل تكرّس السيطرة علينا. المستقبل ليس بعيداً، والتحدي يبدأ الآن.