وردة الأحياء و الأموات

وردة الاحياء والاموات
نحن أحوج إلى وردة ونحن أحياء
أما الذين يقدمون الموت على الحياة...فهم أموات
محمد قاروط أبو رحمه
المتعثرون بفهم معنى الحياة من الناس، يقدمون الموت على الحياة.
إنهم يعبرون بكثافة مبهرة عن ذلك في كل لحظة. تراهم يسيرون في الطرقات، مثل السائر حاملًا نعشه في جنازته. ويمكننا سماع ذلك بوضوح تام عندما يقال في المناسبات عن الميت قصائد بهية، ويسردون عنه قصصا بهيجة، هم انفسهم لم يكلفوا انفسهم بكتابتها أو قولها له وهو على قيد الحياة.
إننا نشاهد ذلك بوضوح تام، في أكاليل الورود التي تزيّن الجنازات والقبور. كان هو نفس الميت بحاجة الى وردة وهو حيّ.
وهم أنفسهم الذين يقدّمون أكاليل الورد للميت، لم يقدموا له وردةً وهو حيّ. هذا كرم للأموات وبخلٌ على الاحياء. إنه نشرٌ وتعزيز لثقافة الموت.
وكل ذلك لا ينفع الأموات. لكنه ينفع ثقافة الموت وينشرها، ويعزز وينشر الخوف من البوح والعمل في لحظة الحياة الحالية.
نحن أحوج إلى وردة ونحن أحياء، نتأملها... نزهُوا بها.. نستنشق عبيرها.
أحسبُ أن الإنسان الحيّ بحاجة لأن يسمع كلامًا جميلا... وهو حيّ، وهو بحاجة لأن يسمع كلامًا يصوّب فيه حياته، فالكلام لتصويب مسار الحياة...حياة.
كلُ كلام يحيي الروح ويعيننا على الاستمرار أحياء...في الحياة، لا يصدر إلا من حيّ.
قراءة ما يكتب عنّا تسرّ وتبهج.
إن قراءة نص كُتب خصيصا لنا ونحن على قيد الحياة أمر بهيّ ومنعش، وهو بلا شك من ناحية القيمة أكبر من مجلدات يقرأها غيرنا عنا ونحن أموات.
المتعثرون بالحياة، أشباهُ الأموات، الجالسون يتفرجون على الموت، ويعيشونه، الغارقون أحيانا في الجهل أو أطرافه، يعتبرون الكتابةَ عن إنسان يقرأه عن نفسه من غيره... أمر جللٌ... فيه تسحيج ودجل.
العلاقات الإنسانية أكثر قيمة من التسحيج والدجل المفترض.
وجهُ العلاقات الإنسانية وعمودها الفقري...مبنيةٌ على الاحترام والثقة المتبادلة.
قوة الفعالية عند الأحياء في فهم مقصد الخالق من تقديم الموت على الحياة في سورة تبارك الاية (2) (ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ)، تقديم الموت على الحياة في هذه الآية، من أجل عمل أحسن وليس من أجل موت أحسن. والعمل الأحسن من أجل الحياة بحاجة إلى أن يكون الإنسان:
دائمُ المراجعة لمعارفه
وضد التحجّر الفكري
التريث في إصدار الأحكام
الإقرار باللاعصمة
السير منفردين إذا اقتضى العمل الأحسن ذلك.
الذين يعملون الأحسن في الحياة، هم الذين يعملون الأحسن في الحياة ليستمر حسن عملهم بعد موتهم.
إنهم من يتركون ذرية تدعوا لهم بالخير أو علم ينتفع به، او صدقة جارية.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: إذا مات ابن آدم؛ انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له .رواه مسلم.
إذا ربيت أبناءك على الأحسن عملاً فأنت قدمت للمجتمع أسرة منتجة وجيلا ينفع نفسه ومجتمعه، فيدعوا المجتمع لمن رباهم. وان تركت علما يُنتفع به، فأنت خدمت المجتمع وأنت حي واستمر تأثير خدمتك بعد موتك، وان تصدقت بصدقة جارية مثل المساهمة في بناء مستشفى او مدرسة او وفّرت أدوات عمل لعائلة فأنت خدمت مجتمعك بأحسن عمل في الدنيا واستمر حُسنه بعد موتك.
ثقافة الحياة تحتاج إلى التفاعل مع الناس والبيئة، وثقافة الموت ابتعاد عن الناس والبيئة.
لقد خصني بعض الاخوة منهم أ.د.سعيد أبوعلي الامين المساعد لجامعة الدول العربية بتقديم كتابي (قيادة الذات وقيادة الذات ضمن ذات الجماعة). وخصني الأخ بكر أبو بكر رئيس اكاديمية فتح الفكرية، بأكثر من نص منشور، وواحد منها بعنوان: (المبدعُ يرسم الحُب). وخصني الأخ د.المتوكل طه بنص بهيّ تقديم لكتابي (أنا والطبيب والحياة). لقد فعلت هذه النصوص فعلها العميق في نفسي وروحي وذاتي. كما انني أحسستُ بمعنى أن تكرّم وتقدر الآخرين وهم أحياء من خلال ردّات فعل من كرّمناهم بندوات وهم أحياء..
لقد تعلمتُ بالتجربة معنى الحياة، ومعنى تقديم احترامنا للحياة والاحياء، ومدى التاثير الايجابي الكبير على الفرد وأسرته عندما يقرأ نصًا كتب له، أو يسمع كلاما ايجابيًا عن ما قام به.
الكلامُ والكتابة لمن نحترمهم، ونقدر جهودهم، ومواقفهم، وهم أحياء ينعشهم ويحفزهم على مزيد من العطاء.
لا تبخلوا بالكلمة الطيبة، كتابة او مشافهة لمن يستحقها وهو حيّ.
وأخيرًا:
بمناسبة مرور 46 على زواجنا كتبتُ لزوجتى على مجموعة عائلية خاصة على إحدى منصات التواصل الاجتماعي ما يلي:
٤٦ عامًا من الصراع في الحياة، من أجل حياة أجمل، أجود، أسهل، كنّا شركاء في الخيبات وفي الانجازات.
في الشدة والرخاء
كنا شركاء في السعادة وفي الحزن
في الغضب والفرح.
الحياة متقابلات
كنا دائما نتنقل بين المتقابلات فلا نحن اغنياء بالمال ولم نكن فقراء
كنا نتشاركُ بحب أحيانا وبغضب أحيانا.
وفي تربية (الأبناء والبنات).
كنتم صغارا تتكؤون علينا، أصبحتم كبارًا، ونحن لا زلنا قامات وهامات ليس فقط يُتكؤ علينا، بل صقلتنا التجربة وأصبح الاتكاء علينا يسرنا أكثر.
وِصال الغضب السريع، صاحبة الرأي السريع، صاحبة الصوت الصريع، هي كانت على مدى ال ٤٦ عامًا بمكانة أم وأخت وزوجة وصديقة وحبيبة وعشيقة. أخطأنا بحق بعضنا، وكنا نتجاوز سريعا.
نسامحُ ونمضي.
مررنا بأيام وسنوات رائعة سعيدة حنونة.
أعتقد ان ما انجزته في حياتي هي شريكة فيه.
شكرا لانك جزء مني
شكرا لك على ولادة ورعاية وتربية سبعة أقمار تتلألأ أمام أعيننا
كبروا وصار الأحفادُ أطول منا.
عمرٌ مديد يا سيدتي
كل ثانية
وأنتِ بخير
أنا المُحبّ، حبيبك.
محمد قاروط ابو وسام.
كانت أول ردة فعل لها...
انهمار دموع الفرح...
ومزيدًا من التواضع...
وأبناء سُرّوا بأن سمعوا من والدهم قولًا جميلًا عن والدتهم.
وعندما قرأها الأحفاد عانقونا بودّ وأدب واحترام.
فهل أنت شجاع لتكتب لزوجتك
أو لأستاذك
او لأخيك، اختك
أو لصديقك
في حياته
رسالة حب احترام وتقدير؟
رسالة عرفان واعتراف.
رسالة تنبيه.... أننا ما زلنا احياء،
ولنا رسالة،
ونهتم
ونحب الحياة.
محمد قاروط أبورحمه
أريحا-فلسطين في 28/11/2024م
تابعونا في منشورات مركز الانطلاقة ل
لدراسات
على منصة أكاديمية فتح الفكرية على تلغرام
https://t.me/fatahacad