«فيتو» أمريكي مُنفصل عن الواقع
«فيتو» أمريكي مُنفصل عن الواقع
«فيتو» أمريكي مُنفصل عن الواقع
الذراع المعارضة التي رُفعت عالياً في تحدٍ لوقف إطلاق النار الإنساني الفوري كانت أمريكية، أما الذراع المشلولة التي امتنعت عن التصويت لصالح راحة وسلام ملايين المدنيين العاجزين، فكانت بريطانية. وهز بقية الأعضاء رؤوسهم في خيبة أمل واضحة، ولكن لم تكن ملامح الدهشة حاضرة عند استماعهم إلى ممثل الشؤون السياسية الخاصة للولايات المتحدة روبرت أ. وود وهو يصف الطلب بأنه «منفصل عن الواقع». ومع ذلك، تبرز الحقيقة من خلال الأرقام المروعة الواردة من المنظمات الإنسانية في غزة، تلك الإحصاءات نفسها التي شكك فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن، متبعاً خطى الرئيس السابق جورج بوش الابن الذي أنكر حجم الضحايا المدنيين في حربه على «أسلحة الدمار الشامل» في العراق، والتي أدت إلى مقتل مليون عراقي، متعهداً بمستقبل أفضل للمنطقة على الرغم من الفظائع.
استمر روبرت وود في تجريد الشعب الفلسطيني من إنسانيته، باعثاً برسالة واضحة إلى بقية الأعضاء من خلال انشغاله بهاتفه أثناء خطاب الدبلوماسي الفلسطيني رياض منصور في الأمم المتحدة. بعد مرور أكثر من شهرين على القصف الإسرائيلي، والعالم لم يتلق بعد هدفاً واضحاً لمهمة إسرائيل في ما يتعلق بهذه الكارثة الفظيعة.
أصبح جلياً تماماً أن إسرائيل لم يكن لديها هدفاً واضحاً منذ البداية. فالقضاء على «الإرهاب» مهمة غامضة سمعناها مراراً وتكراراً في هذه المنطقة، لكن التاريخ أظهر أن أمريكا وحلفاءها الغربيين نجحوا في شن حروب باستخدام هذه الذريعة لكن من دون أن ينجزوا أبداً هذه المهمة المزعومة، فلم يتم القضاء على الإرهاب باستخدام هذا المنطق بل ساهموا فقط في تمكينه من خلال خلق بيئة أكثر فوضى وملائمة لتناميه.
موقف الولايات المتحدة جعل حلفاءها يدركون أنه ليس كل التحالفات على قدم المساواة، وأن دعمها وعلاقاتها السياسية مشروطة. لم يكن هذا مفاجئاً، حيث تخلت الولايات المتحدة عن أخلاقياتها في ما يتعلق بحقوق الإنسان والقوانين الدولية، وبذلك قدمت نفسها منافقة في أعين العالم الذي كانت تعظه. في كل مسعى سياسي، يكمن المسار الأكثر موثوقية لاستمرار الحكومات في تقديم نموذج قيادي قوي والتمسك الثابت بالمبادئ، بغض النظر عن التحالفات. ومع ذلك، غالباً ما يثبت هذا النهج المثالي أنه بعيد المنال في واقع عالمي معقد.
والآن، بعد أحداث غزة، حتى الحالمون والمتفائلون يبدو أنهم استفاقوا على قسوة الواقع. ثمة لحظات في التاريخ السياسي تعد محورية، وقد أصبحت هذه الإبادة الجماعية تحت شعار «الدفاع عن الدولة» واحدة منها، وسيسجل التاريخ هذه الحرب على المدنيين الفلسطينيين وتشريدهم كلحظة مفصلية استيقظ فيها العالم على خطط في الاحتلال والتوسع، ومن الآن فصاعداً، لن يكون الخطاب القديم نفسه كافياً لتفسير أو تبرير الفظائع التي ارتُكِبت سعياً لتحقيق هذه الأهداف. كما أظهرت الذراع المرفوعة لروبرت وود، عِناد الولايات المتحدة التي وقفت وحيدة في دعمها الأعمى لإسرائيل. فالعالم الآن يدرك أنه لو كانت أي دولة أخرى تقوم بممارسات الإرهاب التي يتم بثها عالمياً، لكانت أمريكا قد حشدت جميع قواتها لإنهاء هذه الجرائم الحربية، ولواجه بنيامين نتنياهو العدالة في لاهاي. لكن، هذه ليست أي دولة أخرى، بل هي إسرائيل، والولايات المتحدة مستعدة للمجازفة بكامل مكانتها السياسية الخارجية دفاعاً عنها.
تبدو الحكومات الأخرى كما لو أنها تفتقر إلى الخيارات، ويبقى الأمل في أن تتخذ موقفاً متحدياً وغير مبالٍ بالمنطق الأمريكي، وأن تقدِمَ على خطوات أكثر حزماً؛ لإجبار اليد التي تتحكم بالإرهاب على الاستسلام، بغض النظر عن الكلف المترتبة على ذلك.
وينبغي على الحكومات، كائناً ما كانت البلدان التي تمثلها، احترام القوانين الدولية ليس من أجل فلسطين فحسب، لكن أيضاً من أجل استعادة ثقة شعوب العالم وتطمينها بأن العدالة والحرية حق مشروع للجميع. بالاتفاق مع "الخليج"