اضطراب القلق الوجودي الكارثي (ECA)
غسان عبد الله
كنا قد تناولنا في الحلقة الرابعة السابقة ، حالة متلازمة القلق، ومن خلال ردود فعل القراء والمهتمين الكثر، أفصح الغالبية منهم عن حالة اضطراب القلق الوجودي ECA لديهم/ لديهن.
يقصد ب ECA الشعورب حالة صحية عقلية حادة و بأنهم على وشك فقدان السيطرة، في ظل تهديدات داخلية أو خارجية،وبالتالي الشعور بالقلق والخوف والتوتر والرعب حيال الحياة والوجود.
من منا لم يشاهد تلك المرأة وهي تصرخ " وين نروح ، بنام خائفين ، بنحلم خائفين بنصحى خائفين، بنوكل خائفين ( اذا أكلنا )، وين نروح يا رب !! ما لنا غير باب الله مفتوح"،
أضف لذلك المشاهد المؤلمة والاحصائيات الصادمة المذهلة ، التي تبثها وسائل الاعلام ،الرسمية منها وغير الرسمية ، وبكافة مسمياتها، جميعها تكوّن أصدق تعبير عن القلق من الفناء والموت، يواكبه قلق الخوف من الدمار العقلي أو الجسدي، والذي يفصح عن حالة الإرهاق وفقدان السيطرة والاختناق والانفجار والانكماش والتدمير وفقدان التماسك الذاتي وبالتالي بدء حالة الانفصال عن العالم المحيط به، وقد يدفع الى التفكير بالاقدام على سلوكيات غير محمودة.
أيضا ينجم عن هذا بدء الرهاب الاجتماعي والذي يتضح من خلال مواقف عاطفية معينة مثل العجزعن القدرة للتعبير عن الغضب أو الحزن والتي هي أكثر لدى من يعانون من مشاكل صحية عقلية .
يعاني الغالبية ممن أصغيت لهم من قلق الخوف الشامل و تهديد لوجودهم، أو القلق من مخاوف الانصهار بالاّخر أو التفكك الاجتماعي ، علاوة على هيمنة المشاعر الحزينة وفي أحسن الحالات عدم معرفة ما يشعر به الفرد لدرجة انكار حاجة جسمه لأي شيء،وعدم القدرة على التمييز بين العواطف والمشاعرالمتناقضة ، ناهيك عن انعدام الرغبة بالظهور أمام الاّخرين وباالتالي العيش في مزيد من الفراغ والعزلة مما يفاقم من حالات العزلة والانطواء والتجنب لدرجة الانفصال عن الواقع، تجنبا لأي إثارة عاطفية إيجابية مريحة كانت أم سلبية غير مريحة.
أيضا، أبدى بعض هؤلاء ميلاً نحو تجنب زيادة منسوب المعرفة لديه/لديها خشية من تفاقم حالة الضيق النفسي الذي يعيشها/ تعيشها، مما يعزّز من فرص عملية الاغتراب والشعور بالوحدة الوجودية، جراء انخفاض درجة الوعي الناجم عن حالة الرهاب من احتمالات التأثير والتأثر، الأمر الذي يجعل من الشعور بالاغتراب أمر لا مفر منه .
للتخفيف من حدة النعكاسات هذه ، هناك حاجة ماسّة لبلورة برنامج وطني شامل لمواجهة حالات القلق الوجودي الكارثي هذا ، متجاوزين العلاجات التقليدية، والتركيز على نمط العلاج النفسي الاجتماعي .
يقصد بنمط العلاج النفسي الاجتماعي التعريض الأساسي (Basal exposure therapy BET-)، كونه قد يعتبر تدخلا ناجعا لمساعدة من يعاني من هذه الحالة، اذ يتدرب على التعامل مع الألم والتجارب الداخلية المخيفة بدلاً من تجنب المشكلة، الأمر الذي يقود الى تعزيز الاعتماد على الذات ومهارات تنظيم الذات وبالتالي الخروج من الحالة وبدء التعافي المنشود.
جدير التنويه الى أن هذا النمط من العلاج (BET) يلائم الأشخاص ممن لديهم مشاكل صحية عقلية شديدة ومركبة أولديهم تاريخ طويل من محاولات العلاج التقليدي المتبع للتعافي من الأمراض الصحية العقلية (المعاناة من اضطرابات مختلفة مثل: اضطراب طيف الفصام، واضطراب الانفصام، والاضطرابات ثنائية القطب)، أو الإفراط في تناول الأدوية، فتتضح عندهم / عندهن ضغوط ما بعد الصدمة (PTSD)، على سبيل المثال، لا الحصر، إضطرابات شخصية، مثل إلادمان على المخدرات واضطرابات في الأكل والنوم.
كما تتزايد لديهم/ لديهن تقبل العيش بالأوهام، وبدء الهلوسة، والانفصال عن الواقع، وتقلبات المزاج، حتى لو وصلت الحالة الى إيذاء الذات المتعمد ومحاولات الانتحار.
باختصار شديد ، يهدف هذا النمط من العلاج إلى مساعدة الأشخاص ممن يعانون من تحديات صحية عقلية شديدة على استبدال استراتيجيات التجنب بالقبول كاستراتيجية مواجهة، والتي تتضمن تعريض المريض إلى الشيء أو الكائن الذي يخشاه من أجل التغلب على هذا القلق. كما يحوي أهدافا أخرى مثل : تعزيز استقلالية الفرد self - hndependence و القدرة على تنظيم ذواتهم self -regulation كونه يعمل على استكشاف الرهاب الداخلي والتجارب اللاحقة للمريض، وتعبئة موارده الداخلية .
بعد الوقوف على أصل ومصدر القلق الوجودي لمثل هؤلاء ، وتقييم ما إذا كان القلق السلوكي المعرفي يحدد مشهداً أو حالة ذاتية فريدة، هي أقرب إلى القلق السلوكي المعرفي – قلق الإبادة، وانعدام الأمن الوجودي والرهاب الاجتماعي،يمكننا التقدم باقتراحات عملية مهنية غير مكلفة وغير صعبة التطبيق ، مثل دوام ممارسة الرياضة بشقيها الفسيولوجي والروحاني، الأمر الذي يعمل على كبح جماح الطاقة السلبية واستبدالها بالمزيد من مقومات الطاقة الايجابية، المفتاح الرئيس للتعافي ،
أيضا ، لا بد من خلق المزيد من فرص الاندماج الاجتماعي ، ولو قسريا، وتعزيز منسوب الايمان بالقضاء والقدر ، وجعل الصبر وتقوى الله زادا ونهجا " وبشر الصابرين"، دون التسليم باليأس والتقاعس والقنوط كبديل .