المبادرات الأمريكية للتهدئة.. وصفات غير مجدية لتنفيس الاعتراضات الدولية

سبتمبر 29, 2024 - 16:25
المبادرات الأمريكية للتهدئة.. وصفات غير مجدية لتنفيس الاعتراضات الدولية

ثمة الكثير من المخاوف والشكوك حول طبيعة وأهداف المبادرة التي تعتزم الولايات المتحدة طرحها لوقف القتال في لبنان واستئناف مفاوضات غزة، حيث حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من خطورة التصعيد في الشرق الأوسط، زاعماً أن واشنطن وحلفاءها يعملون دون كلل لتجنب اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله.

 وتأتي هذه المخاوف في ضوء التجربة الطويلة للجهود الأمريكية لوقف الحرب الإسرائيلية الإجرامية على قطاع غزة، والتي اتسمت بعدم الجدية على أقل تقدير، إن لم يكن تواطؤاً كاملاً وهو التوصيف الدقيق للحالة، وإلا فكيف يمكن تفسير تنازل الولايات المتحدة عن ما طرحه رئيسها جو بايدن بنفسه في مبادرته التي قبلت بها حركة حماس، فقط لأن هذه المقترحات قوبلت بالرفض الإسرائيلي. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل ذهب بالمسؤولين الأمريكيين إلى تحمل حركة حماس المسؤولية عن إفشال المبادرة؟ 

وقال كتاب ومحللون سياسيون، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، إن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على دعمها الاستراتيجي لإسرائيل، وبين تفادي اتساع رقعة الحرب الحالية إلى حرب إقليمية واسعة، فيما يُطرح سؤال حول مدى جدية المبادرات الدولية لوقف القتال، وسط تشكيك واسع في النوايا الأمريكية.

ووفق الكتاب والمحللين، فإن واشنطن تظهر في هذه المرحلة كداعم رئيسي لإسرائيل، حيث تزودها بالمعدات العسكرية، والغطاء السياسي والدبلوماسي في المؤسسات الدولية، ومع ذلك لا تنفك تتحدث عن جهود وقف إطلاق النار، ما دفع البعض يوجه أصابع الاتهام للولايات المتحدة بأنها تستغل عامل الوقت لمنح إسرائيل مزيدًا من الفرص لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.

 

هزيمة إسرائيل تعني هزيمة أميركا

 

ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. عبد المجيد سويلم أن ما تعلن عنه الولايات المتحدة من مبادرات هادفة لإنهاء الحرب في غزة ولبنان مردّه إدراك الولايات المتحدة أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة سيُعد هزيمة لإسرائيل، وبالتالي هزيمة لها.

 وأشار سويلم إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نجح خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن في إقناع الإدارة الأمريكية والكونغرس بعدم التسرع في وقف إطلاق النار، مؤكداً لهم أن ذلك سيؤدي إلى هزيمتهم هم أيضاً، وأنه بحاجة إلى وقت إضافي لتجنب هزيمته العسكرية في غزة.

وحسب سويلم، فإن نتنياهو يعتقد أن نجاحه في غزة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تدمير قوة حزب الله في لبنان، إذ يعتبر أن الانتصار على محور المقاومة يتطلب القضاء على حزب الله لتقديم أي إنجاز في إطار مشروع "الشرق الأوسط الجديد". 

وقال: "من هذا المنطلق، يتبنى الموقف الأمريكي "التأييد الخلفي" للحرب، معتبراً ذلك تواطؤًا من واشنطن في دعم نتنياهو وجرائمه في لبنان وغزة، حيث ترغب الولايات المتحدة في منحه فرصة أخرى حتى لا يظهر بمظهر المهزوم، وحتى يتمكن لاحقاً من الدخول في أي اتفاق مستقبلي من موقع القوة.

ويرى سويلم أن المبادرات الأمريكية لوقف إطلاق النار ليست سوى غطاء لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وأنها تهدف فقط لإعطاء نتنياهو المزيد من الوقت. 

ولفت إلى أن وقف إطلاق النار في لبنان لن يتحقق إلا بتلازم محكم بين جبهتي غزة ولبنان، وهو ما يصر عليه حزب الله ومحور المقاومة.

 

مجرد مناورات سياسية

وأشار سويلم إلى أن الإدارة الأمريكية وفرنسا اللتين طرحتا مبادرة لوقف إطلاق النار في لبنان، تدركان جيداً أن الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب على لبنان أمر بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلاً، وأن هذه المبادرات ليست سوى مناورات سياسية.

وأكد سويلم أن الخوف الحقيقي للولايات المتحدة يتمثل في فقدان السيطرة على مجريات الحرب، ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية أوسع لا تستطيع واشنطن التحكم فيها.

وحسب سويلم، فإن هذا الخوف يزداد مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو ما يفسر تردد الإدارة الأمريكية في السماح لإسرائيل بتوسيع نطاق الحرب، مشدداً على أن الولايات المتحدة لن تتردد في دعم إسرائيل إذا ما اندلعت حرب إقليمية.

وأكد سويلم أن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إن وجد، لا يتعدى الاختلافات التكتيكية مع بعض القيادات الإسرائيلية مثل نتنياهو، لكنه لا يمس جوهر العلاقة الاستراتيجية بين تل أبيب وواشنطن، فالولايات المتحدة ملتزمة بضمان بقاء إسرائيل قوية ومهيمنة، سواء كان نتنياهو في السلطة أم لا، وتعمل على حماية إسرائيل من أي تهديد وجودي خاصة مع الخشية الأمريكية من زوال اسرائيل عن خارطة الشرق الأوسط.

وفي ما يتعلق بالمعركة الحالية في لبنان، قال سويلم هناك احتمالان، إما أن إسرائيل قد تحاول تسريع عملية تدمير البنية التحتية والمنازل في لبنان، لكن رد حزب الله قد يوقفها عن هذا التصعيد. والاحتمال الثاني، أن إسرائيل قد تحاول الدخول في مناورة برية محدودة، وليس اجتياحًا واسع النطاق، إذ إن الجيش الإسرائيلي يدرك أن الحرب على لبنان لن تحقق أهدافه الاستراتيجية التي طرحها بإعادة سكان مستوطنات الشمال.

 

حزب الله تعرض لضربة كبيرة جداً

 

على صعيد آخر، اعتبر سويلم أن حزب الله تعرض لأكبر ضربة في تاريخ الحروب الحديثة بعد استهداف شبكة اتصالاته وتفجير اجهزتها واغتيال عدد من قياداته، لكنه نجح في احتواء الصدمة والتعافي منها، مشيراً إلى أنه لو تعرضت أي دولة أخرى لمثل هذه الهجمة، لكانت انهارت، لكن حزب الله أثبت قوته وقدرته على الصمود.

وقال سويلم "إن إسرائيل وجدت نفسها في مأزق نتيجة لقرارها خوض الحرب في لبنان، مشبهاً ما يحدث الآن بسياسة النازيين الذين كانوا يلجأون إلى المغامرة عندما يفشلون.

ولفت سويلم إلى أن حزب الله نجح في جر إسرائيل إلى هذا المأزق، وأنه من غير الواضح كيف سيتمكن نتنياهو أو حتى الولايات المتحدة من إخراجه منه.

ويرى سويلم أن الأوضاع في الشرق الأوسط لن تجد طريقها إلى الحل إلا من خلال إدارة أمريكية جديدة توقف الحرب، إذ أن استمرار الحرب سيفضي إلى خسائر استراتيجية للولايات المتحدة. ورجح سويلم أن تتصاعد الأمور في الشرق الأوسط، وربما يؤدي التدهور إلى دخول الصين وروسيا كلاعبين رئيسيين في المنطقة على المستويات الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية.

 

الولايات المتحدة شريك مباشر في الحرب

 

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله إن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة لا يمكن فصلها عن الدور الأمريكي الداعم، حيث زودت الولايات المتحدة إسرائيل بالمال والسلاح، بما في ذلك القنابل والصواريخ والطائرات، بالإضافة إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن لصالح إسرائيل، ما يؤكد أن الولايات المتحدة شريك مباشر في الحرب على غزة. 

ووصف عطا الله هذه المشاركة بأنها ليست مجرد دعم سياسي أو دبلوماسي، بل تدخل عسكري فعلي يساهم في استمرار الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

وفيما يتعلق بالمبادرات، أشار عطا الله إلى أن ما يجري الحديث عنه من مبادرات أمريكية وفرنسية لوقف إطلاق النار في لبنان ليس إلا محاولة لتهدئة الأمور، لكنه يشكك في جدية هذه المحاولات. 

وحسب عطا الله، فإن المرحلة المقبلة ستكون أكثر تعقيدًا، إذ ترفض إسرائيل وقف إطلاق النار في قطاع غزة كما يطالب حزب الله. 

وأوضح عطا الله أن الولايات المتحدة تسعى لخلق انطباع بأنها لا تريد التصعيد في لبنان، وذلك حفاظًا على مصالحها، التي قد تتضرر إذا امتدت الحرب هناك.

 

تداعيات محتملة على المصالح الأمريكية

 

ولفت عطا الله إلى أن واشنطن تمنح إسرائيل حرية العمل الكامل في قطاع غزة، بما في ذلك التمويل والتسليح، إلا أن الوضع في لبنان يختلف بشكل كبير بسبب التداعيات المحتملة على المصالح الأمريكية.

من ناحية أخرى، قال عطا الله إن إسرائيل قد تضطر في النهاية لقبول ما رفضته سابقًا فيما يتعلق بوقف الحرب في غزة، ويراها كأبرز سيناريو للمرحلة المقبلة. 

واعتبر عطا الله أن معركة حزب الله الحالية ليست سوى معركة تضامنية تهدف لدعم غزة، مستشهداً بما حدث خلال الهدنة الإنسانية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حينما توقف حزب الله عن إطلاق الصواريخ والقذائف لمدة ثمانية أيام بشكل تلقائي، حيث أن ردود حزب الله ليست سوى انعكاس للأحداث في غزة، وليست الدافع الرئيسي للحرب.

ويرى عطا الله أن الحل لإنهاء هذه الحرب معروف بوقف الحرب على قطاع غزة، لكنه غير متوقع من جانب إسرائيل التي ستظل متمسكة بمواقع استراتيجية مثل محوري نتساريم وفيلادلفيا، ما يعني إغلاق الباب أمام أية إمكانية لإبرام صفقة بين حركة حماس وإسرائيل. 

وخلص عطا الله إلى القول "إن هذا السيناريو سينسحب على لبنان أيضًا، إذ لا يمكن لحزب الله، بعد دفعه لتلك الأثمان الباهظة، القبول بفصل غزة عن لبنان أو التراجع عن دعم القطاع.

 

أميركا قادرة على وقف الحرب لو شاءت

 

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي سري سمور إن الحرب الحالية هي في جوهرها أمريكية، إذ أنه لو كانت الولايات المتحدة معنية حقًا بوقف الحرب على قطاع غزة أو لبنان أو أي منطقة فيها حرب تخوضها إسرائيل، لكانت قادرة على ذلك بسهولة. 

وأشار سمور إلى أن القول إن "واشنطن عاجزة عن كبح جماح إسرائيل" غير دقيق، حيث أن الولايات المتحدة هي التي تشجع إسرائيل، وتوجهها، وتحكم تصرفاتها، معتبرًا أن إسرائيل ليست سوى أداة من أدوات المشروع الاستعماري الغربي في المنطقة.

وفيما يتعلق بالمبادرات والمفاوضات الجارية، قال سمور: يجب التعامل معها بحذر، مشيرًا إلى أن إمكانية نجاح المبادرة الأمريكية لوقف الحرب ضئيلة للغاية. 

ويستند سمور في ذلك إلى التجربة السابقة، إذ شهدت غزة حربًا دامت عامًا كاملًا كانت مليئة بالمفاوضات العبثية، التي اعتبرها وسيلة إسرائيلية للخداع وارتكاب المزيد من الجرائم، وهو ما أثبتته التجربة العملية. 

ولفت سمور الى أن ما جُرّب في غزة تتم المحاولة لتطبيقه في لبنان من خلال مقترحات تبدو كمضيعة للوقت، وليست حلاً حقيقيًا للأزمة أو سبيلًا لوقف الحرب.

وأوضح سمور أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على وشك مغادرة البيت الأبيض، وفي حال جاءت إدارة ديمقراطية جديدة، قد لا تكون هي ذات الطاقم الموجود حاليًا وربما تتجه نحو الحل، لكن وهناك احتمال بعودة دونالد ترامب إلى السلطة والذي لا تعرف سياسته كيف ستكون بالضبط حتى الآن.

وأشار سمور إلى أن إدارة بايدن تسعى إلى محاولة تهدئة الأمور نسبيًا قبل رحيلها، مضيفاً "إن بعض الأصوات العقلانية في المؤسسات الأمريكية والغربية، رغم تأييدها لإسرائيل، تتدخل أحيانًا لإنقاذ إسرائيل من نفسها، بسبب سلوكها المتعجرف واستخدامها المفرط للقوة، الذي قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على وجودها، خصوصًا في ظل الوضع العربي والإسلامي.

 

ثلاثة سيناريوهات محتملة

 

وعن السيناريوهات المحتملة، وضع سمور عدة توقعات، الأول هو أن تموت المبادرات الحالية كما ماتت مبادرات سابقة، وتتسع دائرة الحرب لتشمل مزيدًا من العمليات والقصف المتبادل، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا.

وأضاف: أما السيناريو الثاني، فهو دخول إيران على خط المواجهة، مع احتمال توسيع إسرائيل نطاق عملياتها العسكرية إلى سوريا واحتلال بعض اراضيها، مستغلةً ضعف النظام السوري في سبيل تحقيق أهدافها الاستعمارية.

وتابع: السيناريو الثالث، رغم استبعاده، يتمثل في إمكانية الوصول إلى صفقة شاملة يتم من خلالها كبح جماح إسرائيل، خاصة بعد أن أدركت أن تدمير المنازل وقتل المدنيين والأطفال لن يؤدي إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني أو اللبناني أو الشعوب العربية والإسلامية. 

وفي هذا السيناريو، أشار سمور إلى أن إسرائيل قد تقبل بما هو متاح وتعيد النظر في خططها، لا سيما في ظل محاولتها إعادة مستوطنيها في الشمال والجنوب، وفي ظل التهديد المستمر للأمن الإسرائيلي في مناطق العمق، ولكن إذا لم يحدث هذا السيناريو، فإننا سنكون أمام حرب مستمرة.

تحالف سياسي عميق بين أميركا وإسرائيل

 

بدوره، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي حمادة فراعنة أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تمتد إلى تحالف سياسي عميق، ولكن في الجانب العسكري، يعتبر الجيش الإسرائيلي جزءًا لا يتجزأ من جيش الولايات المتحدة، وكأنه كتيبة من الجيش الأمريكي. 

وأوضح فراعنة أن القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة تُسخّر لدعم الجيش الإسرائيلي، ما يجعل التحالف بينهما استراتيجيًا، كما أن كل الحروب التي تشنها قوات الاحتلال الاسرائيلي تحظى بدعم وتوافق كامل من قبل الجيش الأمريكي، ومن هنا، يُفهم أن الحرب التي تشنها القوات الاسرائيلية حالياً ليست سوى حرباً مدعومة سلفاً عسكرياً ولوجستياً وتقنياً واستخبارياً من قبل الولايات المتحدة.

وعلى المستوى السياسي، لفت فراعنة إلى وجود تباينات في المواقف بين حكومتي الطرفين الإسرائيلي والأمريكي، خاصة فيما يتعلق بالحرب على قطاع غزة ولبنان.

 

نتنياهو وصدمة 7 أكتوبر

 

ويرى فراعنة أن الولايات المتحدة تسعى لتجنب توسيع نطاق الحرب في المنطقة، بينما رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض كافة المبادرات الأمريكية والدولية لوقف إطلاق النار في غزة.

وأرجع فراعنة رفض نتنياهو لهذه المبادرات إلى صدمته من هجوم 7 أكتوبر، وفشله في تحقيق أهدافه رغم احتلال كامل قطاع غزة، حيث فشل في إنهاء المقاومة الفلسطينية، وفشل في اكتشاف مواقع إخفاء المحتجزين الإسرائيليين وإطلاق سراحهم بدون عملية تبادل، كما أن نتنياهو يخشى أن يؤدي وقف الحرب إلى محاكمته وإلى نهايته السياسية، كما سبق وحصل مع  غولدا مائير عام 1973، ومناحيم بيغن عام 1982، ولهذا يسعى إلى الاستمرار في المعارك حتى لا يتحول فشله إلى هزيمة كاملة.

وفي إطار خياره لاستمرار تصعيد الصراع، أشار فراعنة إلى أن نتنياهو نقل الحرب إلى لبنان، بهدف إضعاف حزب الله باعتباره أحد أبرز رموز المقاومة في المنطقة العربية. 

وقال: على الرغم من أن الولايات المتحدة لا ترى مصلحة في توسيع الحرب إلى لبنان، إلا أنها تعتبر استهداف شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله واغتيال عدد من قياداته كافياً، لكن نتنياهو، يسعى إلى تحقيق أهداف اكبر، وهي القضاء التام على حزب الله.

 

مبادرة لفصل جبهتي غزة ولبنان

 

وفي سياق المبادرات السياسية، أوضح فراعنة أن إدارة بايدن قدمت مبادرة جديدة تركز على الحرب في لبنان منفصلة تماماً عن أي مبادرات متعلقة بقطاع غزة، وهذه المبادرة تأتي تماشياً مع الرغبة الإسرائيلية في فصل جبهة غزة عن جبهة لبنان، وهو ما يعكس استراتيجية إسرائيلية-أمريكية مشتركة تهدف إلى عدم توحيد جبهات القتال في المنطقة.

وطرح فراعنة عدة سيناريوهات محتملة لتطورات المرحلة المقبلة، السيناريو الأول يتوقع استمرار الاشتباكات دون أن يحقق أي طرف أي إنجاز يذكر، والسيناريو الثاني يفترض تصاعد الهجمات وصولاً إلى اجتياح بري إما من قبل حزب الله لشمال فلسطين أو من قبل الجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان. 

وأضاف فراعنة: أما السيناريو الثالث، فهو احتمال تدخل أطراف عربية من محور المقاومة لدعم حزب الله، ما قد يستدعي تدخل الولايات المتحدة لدعم إسرائيل بشكل غير مباشر.

وتابع: أما السيناريو الرابع، وهو الأقل ترجيحاً، فيتمثل في إمكانية التوصل إلى مبادرة لوقف الحرب، ورغم ذلك، يميل فراعنة إلى الاعتقاد ان الأوضاع ستشهد تصعيدًا أكبر، خصوصًا من قبل الأطراف العربية الداعمة لحزب الله.

 

إعطاء نتنياهو الفرصة لتدمير القرى اللبنانية وتهجيرها

 

ويرى الكاتب والمحلل السياسي عماد موسى أن الولايات المتحدة لم تعد تلعب دور الوسيط النزيه في اية مبادرات بشأن الحرب الإسرائيلية على لبنان أو قطاع غزة، بل أصبحت جزءًا من العدوان المستمر على لبنان وغزة. 

واستند موسى في رأيه إلى تجارب سابقة، حيث يعتقد أن الولايات المتحدة تستغل عامل الوقت لإعطاء الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، الفرصة لتدمير القرى اللبنانية الشيعية وتهجير سكانها.

وقال موسى إن الهدف من هذه الخطوات هو خلق أزمة إنسانية تتمثل في مشكلة إيواء آلاف المهجرين، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تأجيج الصراعات الداخلية ورفض السكان لوجود قوى يعتبرونها تمثل إيران.

واعتبر موسى أن هذه الأزمة ستتيح الفرصة لتحرك بعض القوى المدعومة من الغرب وأمريكا وإسرائيل إلى إشعال حرب أهلية في لبنان، تحت ذريعة رفض النفوذ الإيراني في البلاد. 

ونوه موسى إلى أن المخيمات الفلسطينية ستصبح هدفًا للتدمير كجزء من خطة القضاء على حق العودة للفلسطينيين.

 

استراتيجية أمريكية تهدف إلى تثبيت الوقائع على الأرض

 

وفيما يتعلق بالمبادرات الأمريكية المتكررة لوقف إطلاق النار سواء في غزة أو لبنان، قال موسى إن هذه المبادرات هي جزء من استراتيجية أمريكية ثابتة تهدف إلى تثبيت الوقائع على الأرض التي فرضتها إسرائيل عبر التدمير والإبادة. 

ويرى موسى أن الجيش الإسرائيلي يسعى لتحقيق إخضاع شامل من خلال استخدام القوة المفرطة، وأن هذه الحرب لن تتوقف في المستقبل القريب، بل يعتقد موسى أن نتنياهو يطمح إلى جر حلف الناتو إلى حرب أوسع تستهدف إيران بعد أن يتم الانتهاء من مواجهة حزب الله.

وأشار موسى إلى أن عمليات الإبادة في قطاع غزة مستمرة دون أن تلقى صدى إعلامي أو سياسي كبير على الصعيدين العربي والدولي، فيما يستمر الجيش الإسرائيلي في تدمير القرى الشيعية في لبنان، في محاولة لإخراج هذه القرى من دائرة التهديد الاستراتيجي الذي يشكله حزب الله على إسرائيل.

 

واشنطن تواصل تقديم الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل

 

أما الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل فيرى أن الولايات المتحدة شريك كامل مع إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب، سواء في الأهداف أو الأساليب المتبعة. 

وأوضح عوكل أن واشنطن تواصل تقديم الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، بما في ذلك تزويدها بالأسلحة وحشد قواتها في المنطقة لحمايتها. 

ومع ذلك، أشار عوكل إلى أن هناك خلافات تكتيكية بين إسرائيل وأمريكا حول كيفية إدارة الحرب ومدى استمراريتها، خاصة بعد مرور عام على الحرب دون تحقيق الأهداف الأساسية التي كانت تسعى إليها إسرائيل.

واعتبر عوكل أن التدخلات الدبلوماسية التي تقودها الإدارة الأمريكية تهدف بشكل أساسي إلى الحد من انتشار دائرة النار في المنطقة، وذلك للحفاظ على استقرار الأوضاع وعدم خلط الأوراق ومنع أي تصعيد قد يهدد مصالح الولايات المتحدة أو إسرائيل. 

وأكد عوكل أن هذه التدخلات لا تهدف بالضرورة إلى وقف الحرب، بل إلى احتوائها وعدم خروجها عن السيطرة.

 

المنطقة لا تقترب من أي وقف للحرب

 

ويرى عوكل أن المنطقة لا تقترب من أي وقف للحرب، مشيرًا إلى أن الأسبوع الأول من العدوان على لبنان يهدف إلى عزل ملف لبنان عن ملف غزة، كما يسعى إلى فصل حزب الله عن البيئة الشعبية اللبنانية المتعاطفة معه، لكن حزب الله نجح في إقناع الشعب اللبناني بأنه فعل كل ما في وسعه لتجنيب البلاد ويلات الحرب، وأنه يقاتل من أجل سيادة لبنان وحماية حقوق شعبه.

وفي هذا السياق، أشار عوكل إلى محاولات واشنطن وباريس لتحريض المعارضة اللبنانية والحكومة من أجل الضغط على حزب الله، معتبرًا أن هذه الجهود تأتي ضمن إطار الدوافع الأمريكية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، فالولايات المتحدة تسعى إلى كسب تأييد الناخبين، سواء كانوا من الداعمين لإسرائيل أو من المعارضين لها، من خلال هذه السياسات.

وعلى الرغم من هذه الجهود، لا يعتقد عوكل أن هناك إمكانية حقيقية لوقف الحرب قبل الانتخابات الأمريكية، مشيرا إلى أن إدارة بايدن، لو أرادت وقف الحرب، كان لديها القدرة على تحقيق ذلك. 

ويرى عوكل أن الحرب تتجه نحو مزيد من التوسع، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتمد على استمرار الدعم الأمريكي بكل أشكاله. ويؤكد عوكل انه ليس من الذين يستسلمون لفكرة الهزيمة، مشيرًا إلى أن كيفية استقرار الأوضاع في نهاية المطاف تبقى غير واضحة حتى الآن