وثيقة القدوة- أولمرت.. شيك بدون رصيد!

سبتمبر 4, 2024 - 14:45
وثيقة القدوة- أولمرت.. شيك بدون رصيد!

د. أحمد جميل عزم: أفكار ليست بالجديدة تُطرح لتحريك عجلة المفاوضات لكن قيمتها محدودة حتى تتبناها جهات رسمية

د. مصطفى البرغوثي: كل المشروع غلط وأفكاره غلط وتوقيته غلط واقتطاع أراضٍ من الضفة مرفوض جملةً وتفصيلاً

نهاد أبو غوش: مشروع لا يستند إلى حركة جماهيرية فلسطينية أو إسرائيلية وأولمرت شخص مدان جنائياً وبلا وزن

كُشف مؤخراً عن وثيقة سياسية وقعّها وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق ناصر القدوة ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، تتضمن خطة لحل شامل للصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، وذلك على غرار مبادرات ياسر عبد ربه- يوسي بيلين، وسري نسيبه- عامي أيالون، وكذلك مبادرة أبو مازن- بيلين، وجميعها مبادرات ظلّت هامشية، ولم تفرض نفسها على مسار الحياة السياسية، أو تترك أثراً على مجرى الصراع.

فراغ سياسي ودبلوماسي

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعتي بيرزيت وقطر د. أحمد جميل عزم في تصريح خاص بـ"القدس": "إن الأفكار التي طرحها القدوة وأولمرت يمكن النظر إليها من زاويتين، الأولى: فكرة أن يضعها القدوة وأولمرت، والثانية: هي مضمون هذه الأفكار.

وأضاف: "باعتقادي فإن القدوة معروف بأنه شخص لديه طموح لأن يلعب دوراً سياسياً وقيادياً، وأن يكون مقبولاً فلسطينياً وإقليمياً ودولياً، وأولمرت ربما يختلف عن هذا، فمن المستبعد أنه يبحث عن دور سياسي، لكنه يبحث عن تكريس إرثٍ ما كان في الماضي، وربما أيضاً من باب الاحتجاج على القيادة الإسرائيلية الحالية".

وتابع: من ناحية طرح الجانبين للخطة فهذا يعني القول إن هناك فراغاً سياسياً ودبلوماسياً يمكن ملؤه، سواء على صعيد الأشخاص، أو على صعيد الأفكار، خاصة في ظل الحديث عن أن هناك أفقاً لعملية سلام، وكذلك للتذكير بعملية السلام. أمّا من زاوية مضمون هذه الأفكار فهي في غالبيتها، كما هو واضح من النص ليست جديدة، والشيء الجديد الوحيد هو ما يتعلق بالقوات، والوصاية في قطاع غزة، وبعض التحديد للقدس القديمة".

وأوضح عزم أن هذه الأفكار تبقى حتى الآن في إطار التمرين السياسي، بحيث إنها مجرد أفكار تطرح لمحاولة تحريك عجلة المفاوضات، ولمحاولة إيجاد زخم باتجاه هذه الأفكار، لكن قيمتها الرسمية ستبقى محدودة جداً، إلى أن تتبناها جهات رسمية معينة.

بالونات اختبار

ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية أن تكون هناك أطراف إقليمية تسعى إلى تبني مثل هذه الخطط وطرحها، مضيفاً: "من المعروف أحياناً أنه تُطرح بعض الأفكار على ألسنة بعض الشخصيات، وبعض الصحفيين كنوع من بالونات الاختبار، أو كنوع من مجرد طرح لفكرة ما، دون أن يتم الكشف عن صاحبها الحقيقي، وهذا لا يعني بالضرورة أن هناك طرفاً آخر تبنّى هذه الأفكار، ولكن من الممكن أن تتبناها أطراف إقليمية، ويمكن أن يكون هذا هدفاً للطرفين اللذين أطلقا هذه الأفكار، في محاولة لإيجاد حراك إقليمي حول هذه النقاط".

وختم عزم بالقول: "لكن تبقى هذه النقاط كما قلت ليست بالجديدة في أغلبها، وإن كانت تضع غزة في إطار أوسع، وأعتقد أن هذه الأفكار من ناحية الجوهر هي مقبولة من قبل القيادة الفلسطينية، وربما من ناحية أن تأتي عبر ناصر القدوة ليست كذلك، ولكن من ناحية الجوهر هي مقبولة من القيادة الفلسطينية، لكنها غير مقبولة من الحكومة الإسرائيلية أبداً".

مشروع يتناقض مع القانون الدولي

أمّا أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية د. مصطفى البرغوثي، فعقب في حديث خاص لـ "القدس" على فكرة الوثيقة، بالقول: "كل المشروع غلط، وكل أفكاره غلط، وتوقيته غلط".

وأكد البرغوثي أن مضمون الوثيقة سيئ، ومليء بالأخطاء. وأضاف: "إن فكرة اقتطاع أراضٍ من الضفة الغربية، كما جاء في الوثيقة مرفوض جملةً وتفصيلاً، وموضوع القدس المطروح في المشروع غير مقبول، والقدس العربية يجب أن تكون عاصمة لفلسطين، دون أي حق لإسرائيل بأن تتواجد فيها"، مؤكداً أنه مشروع يتناقض مع القانون الدولي.

وأكد البرغوثي أن أخطر ما في مشروع القدوة- أولمرت هو فكرة إنشاء الوصاية في قطاع غزة، وهذه هي الفكرة الأساسية في المشروع، وهذا غير مقبول.

وفي نهاية حديثه قال أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية: "المطلوب حكومة وفاق وطني تحافظ على وحدة غزة والضفة الغربية".

توافق عابر بين شخصيتين سابقتين في المسؤولية

بدوره، قال نهاد أبو غوش الخبير في الشؤون الإسرائيلية لـ"القدس": "إن أثر المشروع محدود جداً، فهو أولاً لا يستند إلى حركة جماهيرية، لا فلسطينية ولا إسرائيلية، إنما هو توافق عابر بين شخصيتين سابقتين في المسؤولية. والمشكلة أن أولمرت هو شخص مدان جنائياً، ولا يمثل أي وزنٍ في إسرائيل، وإذا كانت له اتجاهات سلامية فلماذا لم نلمسها حين كان رئيساً للوزراء، ولماذا لم يظهر حينها أن لديه اتجاهات مخالفة للإجماع الصهيوني؟!

وأضاف أبو غوش: أعتقد أن هذا جهد بلا طائل، والشيء الرئيسي الذي يجب أن يركز عليه الساسة الفلسطينيون هو إعادة توحيد الموقف الفلسطيني لتمكين الشعب الفلسطيني من التصدي للمخاطر التي تحيط بمصيره الوطني ووجوده على أرضه".

تفكيك الاستيطان أسهل من تدمير قطاع غزة

ولفت أبو غوش إلى الصراع الدموي الجاري على الأراضي الفلسطينية، وحملة الإبادة التي يواجهها شعبنا في غزة، والتهجير القسري، والجرائم اليومية، ومحاولات تصفية قضيته وحقوقه الوطنية، مضيفاً: "الأولوية هي لتمكين شعبنا من الصمود على أرضه، وتوحيد قواه السياسية، ولملمة شتاته، وإسعاف جرحاه، وإنقاذ غزة من مصيرها الذي يريده نتنياهو، وإنقاذ الضفة الغربية أيضاً".

وتابع أبو غوش: "بالنسبة لبند السيطرة الإسرائيلية على المستوطنات في القدس، كما جاء في المقترح، هذا يعني أن الأحياء اليهودية تضاف للدولة العبرية، وأن يكون هناك تبادل أراضٍ بنسب معينة، وهذا كله لا أساس قانونياً أو شرعياً له".

وأشار إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي دمّر مدينة غزة العريقة وعمرها ٥٠٠٠ سنة، وبالتالي لو توفرت إرادة لدى المجتمع الدولي فإنه من السهل جداً تفكيك الاستيطان، أو تفكيك مستوطنة "معاليه أدوميم"، وهذا أسهل من تدمير غزة، لماذا نمرر تدمير قطاع غزة، بينما نعتبر تفكيك الاستيطان أمراً مستحيلاً، وبالتالي نقر به".

وأضاف: "إذا توفرت ظروف محلية وإقليمية ودولية، وإذا أدركت إسرائيل أن مصلحتها هي في السلام، فسوف تفكك الاستيطان".

وخلص أبو غوش إلى القول: "محكمة العدل الدولية في لاهاي وهي أعلى هيئة قضائية في العالم اعتبرت كل الاستيطان غير شرعي، وكل إجراءات إسرائيل غير شرعية، ثم يأتي من يسلّم بالاستيطان، ويعتبر أن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون منزوعة السلاح. لماذا نقدم تنازلات من هذا القبيل، وكأن الشعب الفلسطيني أقل أهلية للسيادة من غيره، وهو صاحب الأرض التاريخي والحقيقي؟ الفكرة برمتها تشوش الوعي الوطني، وتشتته بدل توحيده في مواجهة الاحتلال ومشاريعه".

وثيقة القدوة- أولمرت

وكانت صحيفة "تايمز أوف اسرائيل" كشفت في تقرير لها مساء الجمعة (30-8-2024) مقترح وثيقة توصل إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، والعضو السابق للجنة المركزية لحركة فتح ناصر القدوة، تنص على حل شامل للصراع، يقوم على إعادة بناء قطاع غزة، ونشر قوة أمنية عربية مؤقتة بالتزامن مع انسحاب اسرائيلي من القطاع.

وحسب الصحيفة، فقد اتفق أولمرت والقدوة على "العمل معًا من أجل وضع حد سريع للحرب في قطاع غزة، وتحقيق وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين في غزة، والعدد المتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، وإنشاء كيان فلسطيني لإدارة وإعادة بناء قطاع غزة، في شكل مجلس مفوضين، يتألف من تكنوقراطيين محترفين وليس ممثلين سياسيين، وأنه يجب أن يرتبط هذا المجلس عضوياً بالسلطة الفلسطينية، ويجب أن يعمل مع مجلس الوزراء على إعداد كل من الضفة الغربية وقطاع غزة للانتخابات العامة في غضون 24 إلى 36 شهراً".

وتنص الوثيقة على ضرورة نشر قوة أمنية عربية مؤقتة بالتنسيق مع انسحاب القوات الإسرائيلية لتثبيت الوضع، بالتعاون مع قوة الأمن الفلسطينية التي ينبغي أن ينشئها مجلس المفوضين، وسيتم تفويض القوة الأمنية العربية المؤقتة لمنع الهجمات ضد إسرائيل من غزة".

وأعرب أولمرت والقدوة عن أملهما في أن يكون كل هذا مقبولاً من قبل الأطراف العربية المعنية، كما و"اتفقا على ضرورة عقد مؤتمر للمانحين لإعادة بناء قطاع غزة بمشاركة جادة من الدول الغنية".

واتفق الطرفان على "العمل معًا لتعزيز تحقيق السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي والسلام في الشرق الأوسط بشكل عام من خلال اتفاق ينص على قيام دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل على أساس حدود عام 1967 تعيشان بسلام وأمن على أساس الاعتراف المتبادل". كما اتفقا على "الحل الإقليمي الذي قدمه أولمرت أثناء ولايته، بما في ذلك ضم 4٫4٪ من إجمالي أراضي الضفة الغربية لإسرائيل في مناطق يتم الاتفاق عليها مع مراعاة القضايا الأمنية والعملية، مقابل أراضٍ بحجم متساوٍ من داخل دولة إسرائيل. وسوف يشمل التبادل ممراً يربط قطاع غزة بالضفة الغربية كجزء من التبادل بنسبة 4٫4٪ التي سيتم ضمها إلى دولة فلسطين".

يذكر أن اولمرت كان قدم هذا الاقتراح خلال فترة ولايته للرئيس محمود عباس الذي لم يرد عليه في حينه.

ووفقاً للصحيفة "ستشمل القدس، عاصمة دولة إسرائيل، جميع أجزاء القدس التي كانت في إسرائيل قبل 5 يونيو 1967، بالإضافة إلى الأحياء اليهودية التي بنيت بعد حزيران/ يونيو 1967 في القدس. وستدرج الأحياء اليهودية التي بنيت بعد حزيران/ يونيو 1967 في نسبة 4٫4٪ من مساحة القدس".

وستخضع البلدة القديمة في القدس لوصاية من خمس دول (تكون إسرائيل وفلسطين جزءاً منها)، وستكون للوصاية السلطة في جميع المناطق وفقاً للقواعد التي حددها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي هذا الصدد، يعترف الطرفان بالدور التاريخي الخاص بالوصاية الأردنية، ولن تكون هناك قيود على العبادة أو الحركة في "الحوض المقدس"- المسجد الاقصى-، وسيكون لليهود والمسلمين والمسيحيين حرية الوصول إلى أماكنهم المقدسة على التوالي، ولن يكون لأي دولة سيادة سياسية حصرية في "الحوض المقدس"- المسجد الاقصى-.

وستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح باستثناء احتياجات قوة الشرطة والأمن الداخلي. كما يجري التفاوض على عناصر إضافية مهمة للاتفاق النهائي، مثل وضع المستوطنات والمستوطنين واللاجئين وتدابير أمنية إضافية، بما في ذلك احتمال نشر قوة دولية على طول نهر الأردن. وينبغي أن يتم تبني هذه القضايا من قبل الممثلين الرسميين للأطراف نحو التوصل إلى اتفاق شامل.