الاحتلال يستخدم المياه سلاحاً في حربه على غزة منذ 7 أكتوبر
فادي عبد الغني: تخفيض وتذبذب في حصة المياه وهناك حلول عدة لكن الاحتلال يمنعنا
د. عبد الرحمن التميمي: إسرإئيل تستخدم المياه أداة سياسية للضغط على الفلسطينيين
مواطنون يشكون وصول المياه إليهم مرة واحدة في الأسبوع وآخرون لم تصلهم منذ أسبوعين
دعوات إلى إجبار أصحاب الصهاريج على تقديم أسعار مقبولة تراعي الأوضاع الصعبة للمواطنين
تسبّب الإجراء الإسرائيلي بتخفيض حصة المياه المخصصة لعدد من محافظات الضفة الغربية بنسبة 50% لمدة يومين بحالة من الإرباك في عملية التوزيع على الأحياء السكنية، الأمر الذي خلق أزمة مياه حادة لم تنته بانتهاء الإجراء الإسرائيلي، وعودة النسبة إلى ما كانت عليه في الأعوام الماضية، خاصة أن كمية المياه التي تخصصها شركات التوزيع الإسرائيلية للمناطق الفلسطينية هي أقل بكثير من حاجاتها الحقيقية.
أما في قطاع غزة الذي يعاني أصلا قبل الحرب من من أزمة خانقة بسبب شح المياه وملوحتها، فالأمر بات كارثياً بكل معنى الكلمة في ظل حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال مستخدمة كل أدوات القتل والموت دون أن تستثني حتى الماء والغذاء، فعمدت منذ البداية إلى تدمير شبكات الماء ومحطات التحلية.
وتبرز أزمة المياه بشكل حاد في الضفة الغربية سنويا مع حلول فصل الصيف، في ظل شح المياه وسيطرة سلطات الاحتلال على معظم مصادرها وارتفاع درجات الحرارة، ما أجبر الجهات الفلسطينية المختصة للتعامل مع الواقع الصعب من خلال وضع برامج لتوزيع المياه بين الأحياء والمناطق بنوع من العدل والإنصاف، رغم صعوبة المهمة وبسبب التعقيدات الطوبوغرافية، ما يثقل على كاهل المواطنين ويزيد معاناتهم وأعباءهم الاقتصادية.
أزمة قديمة تتجدد
في حي الطيرة بمدينة رام الله، لم يتأثر المواطن محمد نوح حتى الآن من أزمة المياه، فهي كما في كل عام، ومع ذلك، لفت في حديثه لـ"ے" إلى أن جيرانه بدأوا بشراء خزانات مياه إضافية تحسبًا لأية أزمة قادمة، وربما سيفعل مثلهم قريبًا لتجنب أي نقص محتمل، إذ إن أي خلل في فصل الصيف سيزيد معاناته.
المواطنة علا عبد الحميد، تسكن بالقرب من مجمع فلسطين الطبي في رام الله، أكدت في حديث لـ"القدس" دوت كوم، أن المياه تصلها مرة واحدة في الأسبوع، وهذا أمر اعتادت عليه في فصل الصيف، لكنها تخشى من أنه في حال تطبيق تقليص المياه، ستزداد معاناة عائلتها.
وقالت عبد الحميد إنها ستعمل على شراء خزان مياه إضافي بجانب خزانيها الحاليين استعدادا لأي ضائقة محتملة سواء انقطاع الماء من مصدرها أو صعوبة وصولها في اليوم المخصص لذلك. ونبهت إلى مشكلة المضخات التي يتم تركيبها بعد عدادات المياه، ما يؤثر على وصول المياه بشكل متساوٍ وعادل.
المواطن علام صادق من مخيم الجلزون، شمال رام الله، قال في حديث لـ"القدس" دوت كوم: إن المياه لم تصلهم منذ أسبوعين، وهذا حال يتكرر في السنوات الأخيرة، وإن وصلت فإنها تستمر لبضع ساعات فقط، وعبر عن قلقه من تفاقم أزمة المياه، التي تعد صعبة للغاية في فصل الصيف.
أما المواطن غالب أبو الوفا من مدينة رام الله، فيشدد في حديثه لـ"القدس" دوت كوم، على ضرورة دعم الجهات المختصة للمياه، وإجبار أصحاب الصهاريج على تقديم أسعار مقبولة تراعي أوضاع المواطنين.
وأكد أبو الوفا ضرورة حل الأزمة المتكررة كل عام، محذرًا من أن أي إجراءات جديدة ستؤدي إلى أزمة مضاعفة في الصيف، مضيفاً أنه "مع بداية الصيف بدأنا في المنزل باستخدام الأطباق والملاعق البلاستيكية لتجنب استهلاك المياه في غسل الأواني".
من جانبه، قال مدير عام محطات المياه في سلطة المياه الفلسطينية فادي عبد الغني، في حديث لـ"القدس" دوت كوم،: إن إسرائيل خفضت حصة المياه في محافظات: رام الله والبيرة والخليل وبيت لحم لمدة يومين، ثم أعادت النسبة تدريجياً مع تذبذب، علمًا أن الوضع السابق، قبل ذلك القرار، لضخ المياه كان بين 1450 و1500 متر مكعب في الساعة، ولكن بعد التخفيض الإسرائيلي انخفضت الكمية إلى النصف، ما تطلب أيامًا لتعويض النقص الحاصل.
وأشار عبد الغني إلى أن المواطنين يحتاجون فترة للشعور بتعويض الفرق في كمية المياه الواصلة، خاصة في فصل الصيف، حيث يتأثر نظام التوزيع، لافتاً إلى أنه في السنوات الماضية، كان هناك تخفيض مفاجئ وتذبذب في الكميات، ما أثر على عملية التوزيع، خصوصًا في المناطق التي تحتاج لضغط مياه قوي بسبب طبيعتها الطوبوغرافية.
وعن الحلول الممكنة لتجاوز أزمة المياه خاصة في فصل الصيف، أكد عبد الغني أن هناك العديد من الحلول، أهمها حفر الآبار الارتوازية، لكن الجانب الإسرائيلي يمنع ذلك، مشيرًا إلى أن مصادر المياه في شمال الضفة تعتمد بنسبة 80% على مصادر إسرائيلية و20% على مصادر فلسطينية، بينما تعتمد منطقة الوسط بشكل أساسي على المصادر الإسرائيلية، وفي جنوب الضفة تكون المصادر مقسمة بالتساوي بين المصادر الفلسطينية والإسرائيلية.
اعتماد على محطات التحلية في غزة
وفيما يتعلق بقطاع غزة، يوضح عبد الغني أن غزة كانت تعاني قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من تخفيض مشابه لما يحدث في الضفة، لكنها تعتمد بشكل أكبر على محطات التحلية.
ويذكر عبد الغني أن حصة الإسرائيلي من المياه تبلغ سبعة أضعاف حصة الفلسطيني، حيث يحصل الإسرائيلي يوميًا على 350 إلى 400 لتر من الماء، بينما يحصل الفلسطيني على 50 إلى 55 لترًا.
وأكد عبد الغني أن انقطاع المياه في فصل الصيف له تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة في ظل الأزمة المالية الخانقة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.
وبالنسبة لبيع المياه بالصهاريج، أشار عبد الغني إلى وجود رقابة، لكن الأسعار ترتفع بحجة تكاليف النقل والضخ، حيث يتراوح سعر 3 أكواب من المياه ما بين 250 و300 شيكل، بينما في الوضع الطبيعي تباع المياه من 5 إلى7 شواكل لكل كوب من قبل مصالح المياه.
من جانبه، يؤكد مدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين د. عبد الرحمن التميمي، في حديثه لـ"القدس" دوت كوم، أن السياسة الإسرائيلية المتكررة تجاه المياه تعد أداة سياسية للضغط على الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن العلاقة التجارية مع شركة "ميكوروت" الإسرائيلية تُستغل كأداة سياسية، ما يتيح لإسرائيل فرصة لزيادة أسعار المياه بشكل غير عادل، واصفًا ذلك بالقرصنة.
وأشار التميمي إلى أنه منذ أكثر من 20 عامًا، لم يتم توقيع اتفاقيات مياه جديدة، وكان الأصل بالاتفاقيات الموجودة حاليًا أن تكون سياسية وإنسانية وليست تجارية، مؤكدًا أن الحل الوحيد هو أن يدير الفلسطينيون قضية المياه كقضية حقوق إنسان وكقضية سياسية.
ووفق التميمي، فإن إسرائيل لديها فائض من المياه يبلغ 300 مليون متر مكعب، حيث تستخدم محطات التنقية للزراعة والمياه المحلاة للشرب، ما يوفر لها فائضًا، حيث إن حصة الإسرائيلي من المياه سنويًا تصل إلى 600 متر مكعب، بينما يحصل الفلسطيني على 140 متر مكعب فقط، ما يظهر عمق الأزمة بشكل واضح.
ومنذ سنوات تسعى إسرائيل بشكل متواصل لإقامة 12 محطة تحلية للمياه منها مدشن ومنها قيد التشغيل، وهي موزعة في عدة مناطق بالداخل، من أجل توفير المياه الصالحة للشرب، لتسويقها للفلسطينيين، وما يحصل من أزمة للمياه في المناطق الفلسطينية، هي أزمة مفتعلة إسرائيليًا، ليتم الضغط باتجاه رفع سعر المياه على الفلسطينيين، من قبل شركات المياه الإسرائيلية، وفق التميمي.
إسرائيل تسيطر على أكثر من 80% من المياه
وتبلغ كمية المياه الفلسطينية على مساحة فلسطين التاريخية 560 مليون متر مكعب، تسيطر إسرائيل على أكثر من 80% منها، والبقية تعطي الفلسطينيين منها، لكنها بحاجة إلى تنسيق مع الجانب الإسرائيلي من أجل الحصول عليها.
الإحصاء الفلسطيني: إسرائيل استخدمت المياه كسلاح ضد أبناء غزة منذ 7 أكتوبر
وحسب بيان سابق، للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة المياه الفلسطينية لمناسبة يوم المياه العالمي والذي يصادف 22 آذار، ونشرت فيه بيانات تشمل قطاع غزة والضفة الغربية دون القدس، فقد استخدم الاحتلال الإسرائيلي المياه كسلاح موجة ضد الشعب الفلسطيني، خصوصًا منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث قامت بقطع المياه بشكل كامل عن قطاع غزة.
ويعاني قطاع غزة من أزمة حادة في الحصول على المياه، حيث أنه وفي ظل الظروف الطبيعية في فترة ما قبل عدوان أكتوبر 2023، كان معدل استهلاك الفرد من المياه في القطاع يقدر بحوالي 84.6 لتر/فرد/يوم خلال العام 2022، ومع اندلاع العدوان، أشارت التقديرات إلى أن أهالي قطاع غزة يكاد يستطيعون الوصول الى ما بين 3-15 لتراً/فرد/يوم فقط، وذلك حسب تقديرات سلطة المياه الفلسطينية.
كما أن كميات المياه التي تصل المواطن تتباين بشكل كبير حسب الموقع الجغرافي والمياه المزودة والدمار الحاصل في البنية التحتية وعمليات النزوح المستمرة، حيث أن الحد الأدنى من المياه للبقاء على الحياة يقدر بنحو 15 لتر للفرد في اليوم، ويُقدر اجمالي المياه المتوفرة حالياً بحوالي 10-20% من مجمل المياه المتاحة في قطاع غزة قبل العدوان، وهذه الكمية غير ثابتة وتخضع لتوفر الوقود، بالتوازي مع آثار كارثية خلفها العدوان على البنية التحتية للمياه، وشبكات المياه ومصادر إمدادات المياه بشكل عام.
وتشير البيانات إلى أن 4% فقط من أهالي قطاع غزة كان لديهم وصول إلى مياه مدارة بشكل آمن وخالية من التلوث في فترة ما قبل العدوان الإسرائيلي الحالي على القطاع، لكن بعد العدوان، فإن أهالي غزة بالكاد يحصلون على مياه للشرب وبمجملها تكون غير آمنة، وفق معطات سلطة المياه والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
اعتماد على المياه الجوفية والسطحية
وتعتمد فلسطين بشكل أساسي على المياه المستخرجة من المصادر الجوفية والسطحية، والتي تبلغ نسبتها 75.7% من مجمل المياه المتاحة، وقد بلغت كمية المياه التي تم ضخها من آبار الأحواض الجوفية (الحوض الشرقي، والحوض الغربي، والحوض الشمالي الشرقي) في الضفة الغربية للعام 2022، نحو 116.6 ملايين متر مكعب.
وحسب سلطة المياه والجهاز المركزي للإحصاء، يعود السبب الرئيسي للضعف في استخدام المياه السطحية الى سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على مياه نهر الأردن، وتجدر الإشارة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي منع الفلسطينيين من الوصول إلى مياه نهر الأردن منذ عام 1967 والتي تقدر بنحو 250 مليون متر مكعب.
وأدت إجراءات الاحتلال الإسرائيلي إلى الحد من قدرة الفلسطينيين على استغلال مواردهم الطبيعية، خصوصاً المياه وإجبارهم على تعويض النقص بشراء المياه من شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت"، حيث وصلت كمية المياه المشتراة للاستخدام المنزلي 98.8 مليون متر مكعب عام 2022، والتي تشكل ما نسبته 22% من كمية المياه المتاحة التي بلغت 445.7 مليون متر مكعب، منها 38.8 مليون متر مكعب مياه متدفقة من الينابيع الفلسطينية، و298.5 مليون متر مكعب مياه يتم ضخها من الآبار الجوفية، و9.6 ملايين متر مكعب مياه شرب محلاة وتشكل 2.2% من المياه المتاحة.
ووفق سلطة المياه والجهاز المركزي للإحصاء، فإن نوعية المياه المتاحة للفلسطينيين بلغت كميات المياه الملوثة فيها وتصنف غير صالحة للاستخدام الآدمي 211 مليون م3 معظمها في قطاع غزة مقابل 234.7 مليون متر مكعب صالحة للاستخدام الآدمي والتي تشمل المياه المشتراة والمحلاة.
ووفق بيانات سلطة المياه، فقد بدأت فلسطين بإنتاج كميات من المياه المحلاة وصلت إلى 9.6 ملايين متر مكعب في العام 2022، نتيجة تشغيل محطات تحلية محدودة الكمية في قطاع غزة، ومن المتوقع زيادة إنتاج هذه الكميات بشكل كبير في الأعوام القادمة، مع تنفيذ برنامج محطة التحلية المركزية.
وبلغت كمية المياه المستخرجة من الحوض الساحلي في قطاع غزة 189.4 مليون متر مكعب خلال العام 2022، وتعتبر هذه الكمية ضخاً جائراً بسبب الحاجة للمياه وعدم توفر مصدر مياه آخر، حيث يتجاوز الضخ السنوي القدرة التخزينية للحوض الساحلي من المياه المتجددة والتي تقدر ب 50-60 مليون متر مكعب في السنة، الأمر الذي أدى إلى نضوب مخزون المياه ونزول مستوى المياه الجوفية إلى ما دون مستوى 19 متراً تحت مستوى سطح البحر، ما أدى إلى تداخل مياه البحر، وترشيح مياه الصرف الصحي إلى الخزان، الأمر الذي جعل أكثر من 97% من مياه الحوض الساحلي غير متوافقة مع معايير منظمة الصحة العالمية.
وخلال العام 2022، بلغ معدل استهلاك الفرد الفلسطيني اليومي 85.7 لتراً من المياه، (86.4 لتراً في اليوم في الضفة الغربية، مقابل 84.6 لتراً في قطاع غزة)، وإذا ما أخذنا بالاعتبار نسبة التلوث العالية للمياه في قطاع غزة، واحتساب كميات المياه الصالحة للاستخدام الآدمي من الكميات المتاحة، فإن حصة الفرد من المياه العذبة ستنخفض إلى 20.5 لتراً فقط في اليوم، وعند مقارنة هذا المعدل باستهلاك الفرد الإسرائيلي نلاحظ أن معدل استهلاك الفرد الإسرائيلي يزيد بثلاثة أضعاف الفرد الفلسطيني إذ بلغت حصة الفرد الإسرائيلي نحو 300 لتر في اليوم، ويتضاعف هذا المعدل للمستوطنين الإسرائيليين إلى أكثر من 7 أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني.