نتنياهو وإنتاج النسخة الثانية من إسرائيل
اللواء المتقاعد: أحمد عيسى
باحث متخصص في أبحاث الأمن القومي الفلسطيني والإسرائيلي
لم يعد خافياً على المراقبين لتطورات حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين منذ أكثر من عشرة أشهر، أنه ليس بوارد نتنياهو وحكومته التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب على غزة ويحرر الأسرى من قبضة المقاومة، لأن الاتفاق يستلزم وجود طرف ثانٍ مقابل، أي طرفاً فلسطينياً، سواء أكانت حماس أم منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي يعني تسليم إسرائيل بالفشل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة، التي يقف على رأسها إنهاء وجود حركة حماس حكومة ومقاومة، واستبدال السلطة الفلسطينية بأُخرى متجددة.
أجادل في هذه المقالة بأن الغاية النهائية لنتنياهو من حرب الإبادة هذه هي إنتاج النسخة الثانية لإسرائيل، ليس لأنه رئيس الوزراء وزعيم الإئتلاف الحاكم في إسرائيل وحسب، بل لأنه يؤمن أنه الوريث الشرعي لجابوتنسكي، والمؤتمن على امتلاك التفسير الأمين والمخلص للحركة الصهيونية وأهدافها في فلسطين.
في الواقع لم يبدأ نتنياهو التأسيس لإنتاج النسخة الثانية لإسرائيل المختلفة عن النسخة الأولى بعد السابع من أكتوبر الماضي، بل شرع في التأسيس لذلك منذ توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية العام 1993.
ويظهر خطاب نتنياهو أن التيار الصهيوني الكلاسيكي (العمالي) الذي أسس وقاد الدولة ومؤسساتها العام 1948، ارتكب خطأين استراتيجيين في الصراع مع الفلسطينيين أصحاب البلاد الأصلانيين، الأول كان في عدم إكماله التحول الديموغرافي، وسمح لأقلية من الفلسطينيين بالبقاء على أرضهم في المناطق التي قامت عليها دولة إسرائيل، إذ تشكل هذه الأقلية الآن 21% من سكان الدولة وما زالت تعلن أن هويتها فلسطينية.
والخطأ الثاني تمثّلَ في احتلال مناطق العام 1967 دون تهجير سكانها، إذ علاوة على أن عددهم إذا أضيف لعدد الفلسطينيين داخل مناطق العام 1948 يفوق عدد المستوطنيين اليهود.
أما الخطأ الثالث الذي ارتكبه هذا التيار من الصهيونية فقد تجلى في توقيع اتفاقية أوسلو التي أظهرت استعداد هذا التيار إلى التنازل عن جزء من "أرض إسرائيل" في سياق تسوية تعالج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويضيف نتنياهو أن الخطأ الرابع تمثل في انسحاب شارون من غزة من جانب واحد العام 2005، متأثراً برؤية كونه جنرالاً برؤية الجيش الذي يحمل رؤى وقناعات الصهيونية العمالية.
وفي السياق ذاته، يرى نتنياهو دون اعتراف منه أنه شخصياً ارتكب الخطأ الخامس بموافقته على صفقة شاليط التي جرى بموجبها تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين العام 2011.
يؤمن نتنياهو بأن هذه الأخطاء الخمسة مجتمعة أنتجت زلزال السابع من أكتوبر، الأمر الذي جعل من تصحيح هذه الأخطاء ضرورة للحفاظ على وجود الدولة، لا سيما إذا اقترن ذلك بما آل إليه الحال إقليمياً، خاصة في ما يتعلق بتمكن فصائل محور المقاومة من تطوير قدراتها العسكرية ووصولها إلى درجة ردع إسرائيل عسكرياً.
يعتقد نتنياهو أن المشهد الدولي والإقليمي في هذه اللحظة من الزمن يوفر لإسرائيل فرصة لحسم الصراع مع الفلسطينيين، كل الفلسطينيين على أرض فلسطين الانتدابية وفق رؤيته، بما في ذلك إعادة إنتاج الأسس التي قامت عليها أوسلو وما أعقبها من اتفاقات تتعلق بمعبر رفح وممر صلاح الدين (فيلادلفيا).
في الواقع نتنياهو ليس الوحيد في أطماعه هذه، إذ تحيط به مجموعةٌ ليست صغيرةً من الحاخامات والسياسيين وخبراء الأمن القومي أفراداً ومؤسسات تفكير، كمعهد القدس للأمن القومي والاستراتيجية الذي يقف على رأسه افرايم عمبر، ويعقوب عمدرور، ومعهد مسجاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية الذي يقف على رأسه مئير بن شابات، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، ونشر هذا الأخير تقريراً في بداية العام الجاري حمل عنوان (إسرائيل 2) للباحثَين الجنرال المتقاعد (جابي سيبوني، والبروفيسور كوبي ميخائيل) أكدا فيه أن إسرائيل بعد السابع من أكتوبر ليست كما كانت قبل هذا التاريخ، وقدما عدداً من التوصيات التي يتوجب عدم التنازل عنها كأهداف لحرب الإبادة غير المنتهية حتى تاريخه:
1- عدم التراجع عن إبادة حماس وتهجير الفلسطينيين، خاصة من غزة.
2- تحويل غزة إلى كومة من الخراب.
3- نقل مسؤولية الأمن في غزة لإسرائيل لفترة طويلة.
4- هدم النظام الإقليمي القائم والتأسيس لنظام جديد، بحيث يكون التطبيع مع إسرائيل هو سمته الأساسية.
5- إتمام التطبيع مع السعودية لبناء محور مضاد لمحور المقاومة.
6- عدم إنجاز أي صفقة تبادل للأسرى مع حماس.
7 - تغيير السلطة الفلسطينية القائمة بشكل جذري وإنتاج سلطة متجددة.
8- اعتبار نهاية الحرب على غزة بتحقيق إنجاز لا لبس فيه، لا يتم فيه ردع محور المقاومة (ايران) وحسب، بل اعتباره مقدمة لتفكيك حزب الله.
أجزم في هذه المقالة بأن الفشل هو نصيب نتنياهو في إنتاج النسخة الثانية لإسرائيل، لا سيما أن كل شروط انتصار إسرائيل غير متوفرة، بل على العكس من ذلك كل شروط هزيمتها في بيئتها الاستراتيجية متوفرة، الأمر الذي يجعل من المشروع التساؤل إذا كانت هذه غاية إسرائيل ومقاصدها في هذه اللحظة من الزمن، فما هي غاية الفلسطينيين؟