"دولة المستوطنين في الضفة".. رخصة للقتل والحرق والـمحو

أغسطس 18, 2024 - 15:24
"دولة المستوطنين في الضفة".. رخصة للقتل والحرق والـمحو

تصاعدت اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين وجرائمهم في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة، حيث شهدت العديد من القرى والمدن الفلسطينية هجمات عنيفة، كان آخرها الاعتداء الهمجي على قرية جيت، شرق قلقيلية، الذي أسفر عن استشهاد الشاب رشيد محمود عبد القادر سدة (٢٣ عاماً)، وإصابة آخر، وإحراق منازل ومركبات، في جريمةٍ أعادت إلى الأذهان الهجوم البربري على بلدة حوارة جنوب نابلس قبل نحو عام ونصف.


واعتبر كتاب ومحللون سياسيون ومسؤولون، في أحاديث منفصلة لـ"ے" و"القدس" دوت كوم، أن هذه الاعتداءات من قبل المستوطنين تجري وسط دعمَين سياسي وعسكري واضحين من الحكومة الإسرائيلية، التي تتغاضى عن هذه الجرائم، بل وتدعمها بشكل غير مباشر، ما يثير المخاوف من إمكانية حدوث مجازر جماعية في المستقبل.


ويرون أن هذه الاعتداءات ليست مجرد جرائم فردية أو ردود فعل على تطورات سياسية معينة، بل هي جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى إفراغ الأرض من سكانها الفلسطينيين وفرض واقع استيطاني جديد، وتعزيز الواقع الديمغرافي لصالح المستوطنين.


ووفق الكتاب والمحللين السياسين، ترتبط هذه السياسة بجذور المشروع الصهيوني الذي يسعى لتحقيق هدفه الأساسي بتطهير الأرض من السكان الأصليين، مستفيداً من الدعمَين السياسي والعسكري اللذين يحظى بهما المستوطنات والمستوطنون من دولة الاحتلال الإسرائيلي.


وأجمع الكتاب المحللون والمسؤولون على ضرورة التحرك لمواجهة هذه الهجمات المتصاعدة، سواء عبر تشكيل لجان حماية شعبية على الأرض، أو من خلال تعزيز الجهود الدبلوماسية والقانونية على الساحة الدولية.

جرائم المستوطنين تمر من دون عقاب

وقال مدير عام دائرة العمل الشعبي ودعم الصمود في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة: إن الفترة الحالية تشهد تكراراً لسياسة مستمرة ممنهجة من قبل ميليشيات المستوطنين في الضفة الغربية، حيث ينفذون اعتداءات دون أن يواجهوا أي رادع، بل يحظون بدعم سياسي مباشر.

وأشار أبو رحمة إلى أن الجرائم التي يرتكبها المستوطنون تمر دون عقاب، بينما يكتفي المجتمع الدولي بالشجب والاستنكار دون ممارسة أي ضغوطات فعلية على دولة الاحتلال الإسرائيلي، ما يعزز من شعور المستوطنين بالإفلات من العقاب ويشجعهم على الاستمرار في ارتكاب المزيد من الجرائم.

وأوضح أبو رحمة أن هذا التصعيد الممنهج من قبل المستوطنين أدى إلى وقوع هجمات عنيفة مروعة في مناطق مثل: حوارة ودوما والمغير وجيت وقصرة، مشيراً إلى أن هذه الجرائم مرشحة للتوسع في نطاقها ونوعيتها.

ولفت أبو رحمة إلى أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان قد رصدت 1833 اعتداء نفذها المستوطنون في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر، منها 1500 اعتداء منذ مطلع العام الجاري، ومن بين مجموع تلك الاعتداءات 273 عملية حرق استهدفت (ممتلكات ومنازل ومحلات تجارية ومركبات وحقولاً زراعية وحظائر).

استباحة الدم الفلسطيني

وأكد أبو رحمة أن هذه الاعتداءات من قبل المستوطنين لم يسبق لها مثيل من حيث كثافتها ونوعيتها، ما يجعل الدم الفلسطيني مستباحًا من قبل المستوطنين، محذراً من إمكانية وقوع مجازر في الفترة المقبلة.


وأكد أبو رحمة أن المستوطنين، بدعم من الجانب الرسمي الإسرائيلي، يهدفون إلى حسم الصراع من خلال التهجير القسري للفلسطينيين، وتفريغ الأرض من سكانها الأصليين، لفرض واقع استيطاني جديد.


ولفت أبو رحمة إلى أن هناك حاليًا 190 مستوطنة و200 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، بما فيها القدس، يعيش فيها نحو 750 ألف مستوطن، مع مساعٍ لزيادة هذا العدد إلى مليون مستوطن من خلال شرعنة البؤر الاستيطانية، وتوسيع المستوطنات القائمة، ما يعكس البعد الديمغرافي الحاسم في الصراع.


وشدد أبو رحمة على أن المستوطنين يعملون بشكل منظم وينتمون إلى أحزاب صهيونية دينية متطرفة، ويتلقون تدريبات عسكرية، ولهم نفوذ قوي داخل مؤسسات الدولة الإسرائيلية وجيشها.


وأوضح أبو رحمة أنه في حال حدوث هجوم من قبل المستوطنين، يجب على الأهالي التحرك بسرعة وبصورة جماعية، في إطار هبة شعبية للدفاع عن أنفسهم وصد المستوطنين.


وأكد ضرورة تفعيل لجان الحماية، خصوصًا في المناطق القريبة من المستوطنات والطرق الالتفافية، مشيرًا إلى أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه الفصائل في هذا السياق.


على الصعيد الدولي، دعا أبو رحمة الدول إلى تبني عقوبات ضد المستوطنين وميليشياتهم، وكذلك ضد الجانب الرسمي الإسرائيلي الذي يوفر لهم الحماية والرعاية.

هجمات المستوطنين تحظى برعاية رسمية

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش: إنه في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر، تصاعدت هجمات المستوطنين الإسرائيليين بشكل ملحوظ في الضفة الغربية، حيث تجاوزت 1800 اعتداء، وأسفرت عن استشهاد نحو 18 فلسطينيًا، وكل تلك الجرائم لم يتم محاسبة أحد منهم، ما يؤكد أنها تتم بدعم واسع.

وأوضح أبو غوش أن هذه الهجمات تحظى برعاية رسمية من الدولة الإسرائيلية ومؤسساتها، إلى جانب دعم من قوى سياسية منظمة، ما يشير إلى أن المستوطنين يتمتعون بحماية وتغطية رسمية.


ويرى أبو غوش أن عنف المستوطنين هو جزء لا يتجزأ من عنف دولة الاحتلال ومؤسساتها المختلفة، حيث يهدف الجميع إلى قمع الفلسطينيين وحسم الصراع معهم، إلا أن هجمات المستوطنين تأخذ طابعًا جماعيًا وعنيفًا بشكل خاص، مما يعزز خطورة التصعيد الحالي.

تفعيل لجان الحماية والحراسة بمشاركة الأمن الفلسطيني

وأشار أبو غوش إلى أن الهدف من هذه الهجمات هو السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، وقمع الحركة الوطنية الفلسطينية، وإجبار الفلسطينيين على العيش في مناطق محدودة.


وأكد أن هذه الهجمات منظمة وليست فردية، وتنفذ من قبل مجموعات صهيونية دينية متطرفة.


وقال أبو غوش: "طالما أن تلك الهجمات تحظى برعاية رسمية ودعم، فإنها سوف تتكثف خلال الفترة المقبلة، وسيكون كل شيء مستباح من قبل المستوطنين".


وشدد أبو غوش على ضرورة التصدي لهذه الهجمات عبر تحقيق وحدة وطنية وابتكار أنماط جديدة من لجان الحماية والحراسة، خاصة في القرى والأرياف.


كما شدد على أهمية انخراط عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية والفصائل في هذه اللجان بشكل شعبي، ودعمها من قبل المجتمع.


وعلى الصعيدَين الدبلوماسي والقانوني، لفت أبو غوش إلى أهمية توثيق جميع الجرائم التي يرتكبها المستوطنون، واستخدامها في المعارك القانونية الدولية، مشيراً إلى أن الجهود يجب أن تركز على إيجاد صيغة وطنية موحدة يتفق عليها جميع الفلسطينيين لمواجهة التحديات الراهنة.

استمرار أحداث النكبة بأدوات جديدة

أما الكاتبة والمحللة السياسية نور عودة، فاعتبرت أن الهجوم الأخير الذي شنّه المستوطنون على قرية جيت، شرق قلقيلية، له دلالات تتجاوز وحشية العنف المستخدم فيه، فهو يعكس حالة من الانفلات التام لدى المستوطنين، مدعومة بجو عام داخل إسرائيل يشجع على هذه الاعتداءات.


وأكدت عودة أن هذا المناخ السياسي يعتبر الهجمات على الفلسطينيين فرصة ذهبية لتحقيق أهداف التهجير وزرع الخوف، مشيرة إلى استمرار ما حدث في النكبة بأدوات جديدة.


وحذرت من أن هذه الجريمة ليست حادثة منفصلة، بل جزء من تصاعد في اعتداءات المستوطنين، وهو ما تراه مرتبطًا بوجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل تضم فئات من غلاة المستوطنين الفاشيين في مناصب حساسة ومؤثرة داخل دولة الاحتلال.


وأوضحت عودة أن هذه الهجمات تجد لها غطاءً أيديولوجيًا وسياسيًا داخل الحكومة الإسرائيلية، ما يمنحها شرعية ضمنية ويجعل من الصعب وقفها.

إلغاء إمكانية وجود كينونة فلسطينية

ولفتت عودة إلى أن الأهداف الكامنة وراء هذه الهجمات يمكن فهمها من خلال برنامج الائتلاف الحكومي الإسرائيلي وخطة بتسلئيل سموتريتش التي نُشرت عام 2017، ووفقًا لهذه الخطة، يسعى اليمين الصهيوني المتدين إلى استكمال ما لم تنجزه النكبة بالكامل، من خلال التطهير العرقي والاستيلاء على الأرض من النهر إلى البحر، بهدف سحق أي إمكانية لوجود كينونة فلسطينية سياسية أو ثقافية تمثل الفلسطينيين.


وأشارت عودة إلى أن هناك عملية تفكيك ممنهجة للوجود الفلسطيني على الأرض، سواء من خلال الهجوم على التجمعات السكانية البدوية والقرى والبلدات والمدن، أو من خلال تفكيك معنوي وسياسي يهدف إلى إضعاف السلطة الفلسطينية وعدم التعامل معها وقرصنة الأموال، وخلق تفرقة بين الفلسطينيين.


وترى عودة أن هذه السياسة تشمل أيضاً ما يحدث من إبادة جماعية في قطاع غزة، ولذا كل تلك السياسة جزء من الخطة الأكبر التي يسعى اليمين الإسرائيلي إلى تحقيقها.


وفي ما يتعلق بالرد الدولي على هذه الاعتداءات، قالت عودة إن الإدانات الدولية ليست كافية، بل ينبغي أن تتبعها خطوات عملية.


وأشارت إلى أن العمل يجب أن يكون من الخارج، إذ إنه من دون ضغط خارجي فإن هذا المشروع مستمر بقوة، ويدرك اليمين الإسرائيلي أنه ليس لديه وقت، وبالتالي هو يسابق الزمن لتحقيق أكبر قدر من الإنجازات.

تفكيك منظومة الاحتلال والاستعمار وتعويض الفلسطينيين

وأكدت عودة أنه يجب أن تُستثمر الفتوى القانونية التي أصدرتها محكمة العدل الدولية الشهر الماضي، واعتبرت أن الاحتلال الإسرائيلي برمته غير شرعي وغير قانوني، وعلى إسرائيل تفكيك منظومة الاحتلال والاستعمار وتعويض الفلسطينيين عن كل ما خسروه بسبب هذه المنظومة على مر العقود.


وشددت عودة على ضرورة استغلال هذه الفتوى في سياق تبني سياسات تبدأ بحظر الأسلحة، وحظر منتجات المستوطنات، وملاحقة الشركات التي تستثمر في منظومة الاستعمار، وحظر سفر المستوطنين.


وترى عودة أن الفتوى التي حصلت عليها فلسطين من محكمة العدل الدولية هي بمثابة "ثروة وطنية لا تُقدّر بثمن"، وتعتبرها أهم فرصة متاحة للفلسطينيين على المستوى الدولي لإنهاء الاحتلال، وإذا لم يتم استثمارها فسوف نكون قد خسرنا أهم فرصة قد أُتيحت لنا على المستوى الدولي للدفع باتجاه إنهاء الاحتلال، بغض النظر عن وجود مفاوضات أو أفق سياسي.


وأشارت عودة إلى أن إسرائيل لن تغير سلوكها ما لم يكن هناك ثمن باهظ لاستمرار منظومة الاحتلال، لافتة إلى أنه من المستحيل الفصل بين سلوك المستوطنين والدولة التي توفر الغطاء لهم.

انفلات للمستوطنين وبدعم مباشر من الحكومة

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي سري سمور: إن ما شهدته قرية جيت قبل أيام، من هجمة شرسة من قبل المستوطنين الإسرائيليين، وأسفرت عن استشهاد شاب فلسطيني وإصابة آخر، إضافة إلى حرق منازل ومركبات، تُذكر بالهجوم الذي شنّه المستوطنون على بلدة حوارة جنوب نابلس قبل نحو عام ونصف، والذي جاء قبل الحرب على قطاع غزة.


ويرى سمور أنه ورغم محاولة البعض تبرير هجمات المستوطنين كـ"ردة فعل" على أحداث السابع من أكتوبر، فإن الهجوم الأخير وغيره من الهجمات تشير بوضوح إلى أن المستوطنين يعملون بانفلات كامل وبدعم مباشر من الحكومة الإسرائيلية.


ووفق سمور، فإن هناك سبباً غير معلن وراء رفض النخب في المجتمع الإسرائيلي، أن يعيش المستوطنون في مدن مثل تل أبيب وهرتسيليا، خوفًا من غوغائيتهم وعنفهم، ولذلك، تم دفعهم نحو الاستيطان في الضفة الغربية، حيث يقومون باعتداءات متواصلة على الفلسطينيين.


وأشار سمور إلى أنه بالتزامن مع المجازر المستمرة في غزة، تصاعدت اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية مع تغاضٍ رسمي من الحكومة الإسرائيلية، وحتى لو كانت نتائج هذه الاعتداءات قتل عشرة فلسطينيين دفعة واحدة بهجمات المستوطنين، فإن المستوى الرسمي الإسرائيلي سيتغاضى عنها مقارنة بحجم الجرائم في قطاع غزة.

توقع تصاعد عنف وجرائم المستوطنين خلال الفترة القبلة

وتوقع سمور أن تزداد جرائم المستوطنين وهجماتهم عنفاً وشدة خلال الفترة المقبلة، حيث سيستهدف المستوطنون كل شيء من قتل وحرق وتدمير، ويصبح كل شيء مباحاً لديهم، في ظل دعم واضح من الجيش الإسرائيلي ووجود مستوطنين داخل صفوفه. ووفقًا لسمور، لن يوقف هذه الجرائم سوى انتصار المقاومة في قطاع غزة.


وقال سمور إن المستوطنين يمثلون "دولة داخل الدولة الإسرائيلية"، ويتمتعون بنفوذ غير متوقع على المؤسسات والقضاء الإسرائيليين.


ويرى أن اعتداءات المستوطنين المستمرة تعني عودة المشروع الصهيوني إلى أساسياته بشكل معلن، وهي إفراغ الأرض من سكانها الأصليين لتحقيق مبدأ "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".


وتسعى إسرائيل، حسب سمور، لحسم الصراع لصالح تفريغ الأرض من الفلسطينيين واستبدالهم بالمستوطنين، في محاولة لتغيير المعادلة الديموغرافية لصالح الإسرائيليين.


وشدد سمور على أن هناك ضرورة ملحة لصد هجمات المستوطنين، وذلك عبر تشكيل لجان حماية شعبية على الفور، ووضع مسألة إيقاف اعتداءات المستوطنين على أجندة المفاوضات الجارية في القاهرة والدوحة، بالإضافة إلى تصعيد الحراك الدبلوماسي والقانوني الفلسطيني دولياً.


ويعتقد سمور أن هذه الهجمات ستزيد من عنفوان المقاومة في الضفة الغربية، التي سترد على تلك الجرائم.

ليس الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة

وقال الكاتب والمحلل السياسي د. فوزي علي السمهوري، رئيس مركز جذور لحقوق الإنسان في عمان، لـ"ے" و"القدس" دوت كوم، إن ما حصل في قرية جيت ليس الجريمة الأولى، ولن تكون الأخيرة، لأن السياسة الإسرائيلية الإرهابية تقوم على ارتكاب المجازر، وهي تأتي في سياق حرب الإبادة والتطهير العرقي المخطط لها بحق الشعب الفلسطيني، ووجوده على أرضه ووطنه.


وأشار السمهوري إلى أن المستوطنين يقتحمون المنازل، ويحرقون المركبات، ويطلقون النار، ويتلقون الحماية من سلطات الاحتلال سواء السياسية أو الأمنية التي قامت بتمكينهم من الإفلات من المساءلة والعقاب.


وأضاف: "من أجل مواجهة المخطط الإسرائيلي، ينبغي تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، والتصدي للمستوطنين على اعتبار أن المناطق المستهدفة هي فلسطينية، وفقاً لاتفاق أوسلو وقرار محكمة العدل الدولية التي تمنح الحق لكل أبناء الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أنفسهم بكافة الوسائل المكفولة دولياً".

وقف الازدواجية والانتقائية في التعامل مع الجرائم

وأوضح السمهوري أن الجرائم التي تحدث في مدن وقرى الضفة الغربية تأتي ضمن الاستراتيجية التي بدأت بحرب الإبادة والتدمير الشامل في قطاع غزة، ويتم التمهيد لذلك في الضفة الغربية بوتيرةٍ وعنفٍ أقل، لكن صمود الشعب الفلسطيني وقيادته الممثلة بمنظمة التحرير، بدعمٍ من الأشقاء العرب وأحرار العالم سيُجهض هذا المخطط.


وطالب بمساءلة قادة الاحتلال، وفرض عقوبات عليهم والعمل على عزلهم، معرباً عن رفضه موقف بايدن الذي وصف الجريمة بغير المقبولة، متسائلاً: ماذا لو تمت الجريمة في مكان آخر، ماذا سيكون الموقف الأمريكي أو موقف الدول الأوروبية؟


وشدد السمهوري على أهمية وقف الازدواجية والانتقائية في التعامل مع الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ليس على مدار الأشهر الأخيرة، فحسب، وإنما على مدار العقود السابقة.

اعتداءات المستوطنين بمساندة جيش الاحتلال

وقال د. رفعت سيد أحمد، الخبير الاستراتيجي ومدير مركز يافا للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، لـ"ے" و"القدس" دوت كوم، إن المستوطنين لا ينفصلون عن الكيان الإسرائيلي ككل، باعتباره كياناً عدوانياً، وما يقومون به يعتبر فخراً لهذا الكيان، لأنه يقوم على فكرة الاعتداء والعدوان والقتل.


وأضاف: ما يقوم به المستوطنون من قتل وتخريب واستيطان في الضفة الغربية إجمالاً هو تعبير عن طبيعة الكيان، وهو كيان استيطاني عدواني قائم على القتل، وليست هناك غرابة في هذا الأمر لا الآن ولا في المستقبل.


وأشار أحمد إلى أن هؤلاء المستوطنين المسلحين يتلقون الحماية من جيش الاحتلال، لافتاً إلى أن عنف واعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية يجعل الفلسطينيين دائماً في خوف وقلق، وأنه آن الأوان للمجتمع الدولي أن يتدخل ويضع حداً لهم.

أهداف أُخرى في "الكريا" بتل أبيب

من جهته، قال منسق الحملة الدولية للدفاع عن القدس جودت مناع لـ"ے" و"القدس" دوت كوم، إنه منذ بدء الحرب على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر الماضي، أعلنت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية أهداف هذه الحرب، ولكن في عمق الأرض، حيث تقع "الكريا" في تل أبيب، هناك أهداف غير معلنة.


وأوضح أن أهداف الحرب تتلخص في تدمير البنية التحتية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني لبناء مستوطنات جديدة وتوسعة القائم منها، ليس في قطاع غزة فحسب وإنما في الضفة الغربية، بما فيها تهويد مدينة القدس لأنه لا يمكن القيام بهذه الجرائم في جيت وحوارة ومسافر يطا وغيرها من القرى الفلسطينية، بمعزل عن ما يجري في القدس من انتهاك لحرية العبادة، وحصار لاقتصاد المدينة وفصلها عن بقية الأراضي الفلسطينية.


وتطرق إلى ثلاثة أُسس تقودنا لفهم طبيعة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني وهي: أولا، إن إسرائيل تقوم بهجوم إرهابي مزدوج يشارك فيه جيش الاحتلال من جهة والمستوطنون من جهة أخرى، والمتابع لنتائج الهجومية لا يجد فرقاً بينهما من حيث وقعهما الإرهابي وتداعياته على الشعب الفلسطيني، لكن ما يقوم به الجيش مشروعٌ من وجهة نظرهم وحلفائهم، أما إرهاب المستوطنين فيمكن للقيادة الإسرائيلية انتقاده مثلما سمعنا انتقادات باردة للهجوم على قرية جيت، بعكس عمليات جيش الاحتلال العنيفة في الضفة الغربية وقطاع غزة التي بلغت ذروتها بالإبادة.

سرقة الأرض الفلسطينية بتشريع من الكنيست

ثانياً، إسرائيل تسرق الأراضي الفلسطينية بتشريع من الكنيست، وتقيم المستوطنات عليها ويقود هذا الجانب من الحرب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يمول الجرائم الاستيطانية، ويحجب حقوق السلطة الفلسطينية المالية عن قنواتها إلى رام الله، أما إيتمار بن غفير وزير ما يسمى الأمن الداخلي الذي يلعب دوراً مختلفاً، خاصة تصعيد العدوان على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ومتابعة ودعم ثلاث منظمات استيطانية إرهابية تركز عملها في المدينة المقدسة، وهي "عطيرت كوهانيم" في البلدة القديمة والواد، ومنظمة "أموناه" في حي الشيخ جراح ورأس العامود ومنظمة "إلعاد" في حي المغاربة للسيطرة على أحياء الثوري وسلوان ووادي الربابة.


الشخص الأخير في المعادلة هو آڤي ماعوز زعيم حزب نعوم الديني المحافظ وجميعهم يشكلون العصبة الدينية الصهيونية المعروفة بـ(الهاردل). ويضاف لهذه المنظمات "شبيبة التلال" الناشطة بالعنف المروع في الضفة الغربية، و"أُمناء جبل الهيكل" الناشطة باعتداءاتها في القدس.


واكد مناع أن هناك ٦٥ منظمة إرهابية صهيونية مرخصة في إسرائيل، وبعضها يتلقى التمويل في الولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن هذه العصبة لا تعمل بمعزل عن الحكومة الإسرائيلية بزعامة اليميني نتنياهو الذي يقرر لها الغطاء المالي والعسكري لدعم نشاطاتها في القدس والضفة الغربية.

عدالتا قتل الفلسطينيين وتبرئة الإسرائيليين!

والأساس الثالث والأخير في عملية حرب الإبادة، وفق مناع هو "أن إسرائيل دولة عنصرية تعتمد على قتل كل من هو ليس يهودياً، وتعتمد على عدالتين، هما عدالة قتل الفلسطينيين، وعدالة تبرئة الإسرائيليين، استناداً إلى أيديولوجيتين سياسية ودينية اقترنتا ببعضهما، خلافاً لواقع السردية التاريخية الدينية التي تختلف عن واقع العلاقة بين المسلمين واليهود في القرون الماضية.


ويرى مناع أن "مُكمل وُمحرك الأسس الثلاثة سابقة الذكر هو جيش الاحتلال بقيادته العسكرية، الدفاع والأركان، وتقف خلفه القيادة السياسية بزعامة نتنياهو الذي كلف بالحرب لإبادة قطاع غزة ومواصلة اجتياح مدن وقرى الضفة الغربية، وتدمير مكونات الحياة الفلسطينية فيها توطئة لاستئناف أوسع عملية تهجير منذ النكبة الفلسطينية عام ١٩٤٨".


واعتبر مناع أن ما حصل في قرية جيت وقبلها حوارة عمليتان إرهابيتان بامتياز نُفذتا بقرارات حكومية وبعلم أمريكي، وفي ظل صمت عربي وإسلامي، بعد أن تراجعت إدارة بايدن عن قرارها عدم التعامل مع مثلث الإرهاب سموتريتش، وبن غفير وماعوز بعد تشكيل الحكومة.


وقال: "اليوم وفي ظل حرب الإبادة الإسرائيلية الجماعية الحارقة للشعب الفلسطيني استعجل قادة إسرائيل أمرهم ووجدوا في السابع من أكتوبر ذريعة للحرب ولاستكمال عملية الفصل بين المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وسرقة الأراضي الفلسطينية المحيطة بالمستوطنات لرسم خارطة إسرائيلية مختلفة عن ما قبل السابع من أكتوبر، وذلك يتطلب محاصرة السلطة الفلسطينية مالياً وجغرافياً والسيطرة على المسجد الأقصى المبارك والقضاء على المقاومة الفلسطينية".