محاولة استعادة قوة الردع بالحرب الشاملة فشل وتحولات

أغسطس 1, 2024 - 15:19
محاولة استعادة قوة الردع بالحرب الشاملة فشل وتحولات

مروان أميل طوباسي

مع تصاعد التوتر في المنطقة، تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي استعادة قوة الردع التي تهاوت، معتقدة أن الحرب الشاملة قد تكون الوسيلة المثلى لتحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن الأهداف الفعلية للعدوان الجاري على غزة والضفة وفي المقدمة منها التهجير والإحلال، لم تتحقق بالشكل المطلوب، رغم جعل غزة مكاناً غير قابل للحياة بعد كل أشكال التدمير والإبادة وحجم الضحايا.


منذ ما قبل اتفاق أوسلو، وتحديداً منذ اجتياح لبنان وحصار بيروت عام ٨٢ وصمود المقاومة فيها، كان هناك سعي مستمر لضرب فكر وعقيدة المقاومة في المنطقة التي كانت تمثلها فصائل الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية آنذاك. هذا النهج شمل فرض استحقاقات سياسية وأمنية على منظمة التحرير الفلسطينية وخروجها القسري من بيروت، بهدف تقويض المقاومة وفتح مسار سراب الحل السياسي بالرعاية الأمريكية.

مشروع عربي إقليمي

في ظل هذه الظروف، هناك حاجة ملحة لبلورة مشروع حقيقي عربي إقليمي، يهدف أساساً إلى التصدي للمشروع الصهيوني الجاري تنفيذه، فالصهيونية ليست حكراً على اليهود فقط، بل هناك صهيونية مسيحية وإسلامية عربية تتنافس أيضاً على تنفيذ المشروع الأمريكي في المنطقة. إن دور قوى حركة التحرر العربية الوطنية والمقاومة بصيغها القائمة اليوم يجب أن يتبلور في صياغة هذا المشروع اعتماداً على الشعوب، وتحديد الردود غير المعتادة وغير المسبوقة على الجرائم العابرة للحدود التي تتجاوز كل القوانين الدولية.


إسرائيل تسعى إلى توسيع نطاق الحرب، ولكنها تواجه عقبات كبيرة، إذ أن الحرب الشاملة ليست في مصلحة الولايات المتحدة التي ترى أن مصالحها والعلاقة مع أصدقائها قد تتضرر. هذا يأتي في وقت تقود الولايات المتحدة الحرب الجارية، وهي تدرك تماماً حجم الأزمة التي يعيشها نظام الاحتلال الاستعماري بشكل غير مسبوق، منذ إنشائه كقاعدة لقوى الاستعمار.


في هذه الحرب المفتوحة والتي تتجاوز فيها إسرائيل قواعد الاشتباك المعتادة، مستهدفة العاصمة طهران وبيروت ودمشق واليمن وربما غيرها من المدن قريبا مع سقوط أعداد من المدنيين، فإن الولايات المتحدة، رغم دعمها اللامحدود لإسرائيل، تعيش في أزمة سياسية وعسكرية نتيجة ما يترتب عليها دولياً نتيجة الدعم غير المحدود لدولة الاحتلال من جهة، ولما تواجهه نتيجة تورطها في حرب أوكرانيا، والتطورات الجارية في بحر الصين من جهة أخرى، في وقت يعاني اقتصادها من الانكماش وتهديدات مجموعة البريكس إضافة إلى دخولها فترة الحسم الانتخابي الآن، ما يجعلها تتردد في الانخراط في حرب شاملة.


من هنا، تأتي الحاجة إلى رسم صورة انتصار لنتنياهو وحكومته أمام المجتمع الإسرائيلي، ولبايدن وهاريس وحزبهما الديمقراطي أمام إخفاقات متعددة في شأن ملف المنطقة.

بيان "الانتصار"

مع جريمة اغتيال رىئيس المكتب السياسي لحماس القائد الوطني إسماعيل هنية في طهران، ومحاولة اغتيال أحد قادة حزب الله في بيروت، ودمشق تشتعل نيران الصراع. يحاول نتنياهو بجرائمه المتجددة أن يكتب الحروف الأخيرة من بيان "الانتصار" المزعوم أمام شعبه بمصادقة الإدارة الأمريكية.


فعلى الرغم من توقيت استهداف القيادي في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية من بيروت، إلا أن هذا التوقيت قد يكون مرتبطاً بتوفر معلومات نادرة، وفرت مبرراً أمريكياً إسرائيلياً لاستهدافه بهدف خلط أوراق الأوضاع اللبنانية الداخلية، تمهيداً لمحاولة توجيه ضربة عسكرية لحزب الله في إطار رؤية توسيع نطاق الحرب التي ذكرتها والإطباق على ملف الغاز والطاقة. إلا أن الدبلوماسية الأمريكية القائمة على النفاق والكذب تحاول الإيحاء الآن لمنع اندلاع حرب شاملة، الا ان الرد على استهداف شكر وهنية بات مسألة حتمية تقترب من الحدوث.


تسارع التطورات الأمنية قد يعجل إمكانات تنفيذ صفقة لإنهاء الصراع في غزة وجنوب لبنان تحت ضغوط أمريكية وإقليمية. ومع ذلك، فإن اغتيال هنية قد يعرقل هذه الصفقة نظراً لتعذر انخراط حماس في مفاوضات مع إسرائيل التي اغتالت رئيس مكتبها السياسي، ودور الاحتلال في تقويض السلطة الوطنية التي أضحت دون سلطة بعد إعلان نتنياهو عن أن الاتفاقيات السابقة أصبحت بحكم اللّاغية وقرارات توسعة الاستيطان ومصادرة الاراضي.


في ظل هذه الأوضاع، يتضح أن المنطقة أمام تحديات كبيرة تستدعي اولا من الكل الوطني أجراء مراجعة وتقييم، يقود إلى رؤية وطنية موحدة ببرنامج وأدوات يتم التوافق عليها في إطار فهم مكانة ودور منظمة التحرير التمثيلي الآن، وتطوير أوضاعها وتوسيع قاعدة مشاركة كل فئات شعبنا في أطرها، والعمل على محاولة الأسراع في تضافر الجهود العربية بهدف خلق توازن استراتيجي يضمن حقوق الشعوب، ويحافظ على استقرار المنطقة، وذلك من أجل مواجهة نتنياهو، وإسقاط رؤيته التي ستبدو أكثر إصراراً على نهج الحرب والتوسع والاستيطان الإحلالي.

مع جريمة اغتيال رىئيس المكتب السياسي لحماس القائد الوطني إسماعيل هنية في طهران، ومحاولة اغتيال أحد قادة حزب الله في بيروت، ودمشق تشتعل نيران الصراع. يحاول نتنياهو بجرائمه المتجددة أن يكتب الحروف الأخيرة من بيان "الانتصار" المزعوم أمام شعبه بمصادقة الإدارة الأمريكية.