حول خطورة تصاعد العنف المجتمعي

يوليو 21, 2024 - 10:06
حول خطورة تصاعد العنف المجتمعي

د.عقل أبو قرع

أثارت حوادث قتل واعتداءات وشجارات خلال الأيام القليلة الماضية قلقاً وامتعاضاً في مجتمعنا. وبغضّ النظر عن الأسباب أو نوعية الحوادث أو نتائجها، إلا أن ذلك يتطلب تدخلات وإجراءات تعمل على منع وقوع هذه الحوادث من الأساس، وليس فقط التعامل مع تداعياتها، لأن استمرار هذه الدوامة من العنف سوف تكون له تداعيات وخيمة على السلم المجتمعي، وعلى الفلتان الأمني الشخصي والمجتمعي، وبالتالي قلق الناس على حياتهم وممتلكاتهم، وآثار سلبية قاتمة على المجتمع، تضاف إلى الأوضاع الصعبة التي نشهدها حالياً.
وكان لافتاً خلال الأسابيع القليه الماضية، التصاعد الحاد في العنف المجتمعي في بلادنا، وكان واضحاً أن معظم من ينخرط في هذا العنف هم من فئة الشباب، وبغض النظر عن نوعية وحدة هذا العنف، أو الموقع، أو التداعيات أو الأسباب، إلا أن ذلك يحتاج إلى دراسة معمقة للأسباب والعوامل التي تقود إلى هذا العنف، بحيث أصبحت حوادث العنف ومن ضمنها القتل، من الأمور الاعتيادية التي قد يمر عليها الكثيرون بدون وقفة أو إرباك أو دعوات، كما كان يتم في الماضي، أي قبل سنوات في بلادنا.
فهناك حوادث الاعتداءات ومنها الاعتداء على النساء، وبأشكال مختلفة ومؤلمة، وهناك الاقتتال الطلابي داخل وخارج المباني الأكاديمية التي تعلمنا أن لها حرمة واحترام، والتي منها ما أدى وبشكل عنيف إلى قتل طلاب، ومنها العنف والصراعات الأكثر امتداداً وتأصلاً، وبالأخص بين العائلات، وبغض النظر عن الأسباب، كما حدث في الخليل ونابلس وغيرها من المناطق مؤخراً، ومنها العنف الذي أصبح شبه اعتيادي، متمثلا في مظاهر مثل السرقات، والاعتداء على المنازل، والنصب، وسرقة السيارات أو لوحاتها، وغير ذلك من ظواهر لم نعتدعليها في الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، وحسب مؤسسات حقوقية ونسوية في بلادنا، يشهد كل عام مقتل عشرات النساء، تحت أسباب لها علاقة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي، أي أن حالات القتل في هذه الحالات لها علاقة بطبيعة التعامل مع المرأة أو الرجل، أي النوع الاجتماعي، أي نظرة المجتمع إلى المرأة أو الرجل، وما يرافق ذلك من فجوات وعدم مساواة، سواء في التعامل أو الحصول على الفرص أو الخدمات أو الأجر أو طبيعة العمل، أو فرص التوظيف أو التعليم أو الحصول على الحقوق من اقتصادية واجتماعية وسياسية، وغير ذلك.
ومن مظاهر العنف الجديد كذلك، ما بات يعرف بالعنف الإلكتروني، أو هو ما يتم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والمتعددة، من سرقة معلومات أو بيانات أو صور وبالتالي ابتزاز وتهديدات، وما لذلك من تداعيات قد تكون عنيفة أو مميتة في بعض الأحيان، ومن مظاهر العنف في هذا المنوال، حوادث الطرق أو السيارات المميتة، والتي بشكل أو بآخر قد تتقاطع أسبابها، مع أسباب أنواع العنف الأخرى.
ولا داعي للتعمق كثيراً في محاوله لسبر غور الأسباب للعنف بأنواعه، فالوضع الاقتصادي المتردي، والذي أفرز بالدرجة الأولى وسوف يفرز البطالة، وعدم وجود فرص للعمل، وبالأخص عند فئة الشباب من الإناث والرجال، وهذا بدوره أدى إلى التردى في الوضع الاجتماعي والتربوي، وهذا بدوره وبالإضافة إلى التردي في الوضع السياسي من جمود وضبابية وعدم وجود آمال بالتغيير.
وبالإضافة إلى استحواذ فئة محددة ضيقة على امتيازات كثيرة، هذه الأوضاع المتشابكة معاً، أدت إلى ما نحن فيه من مظاهر العنف والإحباط في الوقت الحالي، ومنها المظاهر العنيفة التي تأخذ حيزاً كبيراً في الإعلام ومن خلال حديث الناس ومنها الاعتداءت على الأفراد التي أدت إلى القتل خلال الأيام الماضية، والتي من الواضح أنها سوف تتواصل وتتراكم، إذا استمرت الأوضاع الحالية على ما هي عليه.
ومن إفرازات الأوضاع المتردية هذه، هو تفشي ظواهر الواسطة والمحسوبية الفساد، وتصاعد ظاهرة الاكتئاب والإحباط وبالأخص عند الجيل الشاب في بلادنا، من إناث وذكور، وبالطبع فإن من إفرازات ظواهر الاكتئاب هو العنف وبأنواعه، ومن إفرازات العنف ظواهر الاكتئاب، حيث أن مرض الاكتئاب يتشكل أو يتطور بفعل عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية وتوتر وضغوط وما إلى ذلك.
وإذا كانت حوادث العنف الفردية هنا وهناك تتم معالجتها بشكل أو بآخر حسب حدتها، سواء في الإطار العشائري أو من خلال الجاهات أو العادات والتي قد تأخذ مظاهر وتداعيات مؤلمة وبالأخص على أناس أبرياء لم يكن لهم دور في العنف، أو من خلال الإطار الأمني أو القانوني، أو في الإطار العائلي الضيق، إلا أن تصدعات العنف المجتمعي وإن تواصلت وتراكمت وتصاعدت، سوف تصبح أمراً روتينياً يمر عليه الناس بشكل سريع، ويصبح جزءاً من الواقع المؤلم العنيف الذي عايشناه خلال الفترة الماضية.
وهذا يستدعي التدخل وبعمق، أولا من الجهات الرسمية وبأنواعها، من خلال توفير البيانات والأرقام وإجراء الأبحاث والدراسات التي تحدد أسباب العنف بشكل موضوعي علمي بعيداً عن التخبط والاجتهادات، وربط الأسباب مع أنواع العنف وحدته، وبالتالي التدخل من خلال إجراءات مدروسة عملية وبشكل تعاوني، والأهم هو الالتزام بنظام من المتابعة والتقييم للنتائج وفي فترة زمنية.
والتدخل الرسمي وكما يتم في المناطق في العالم، يستدعي التدخل في كافة المسارات التي ترابطها يؤدي إلى العنف، في المسارات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والسياسية، وما إلى ذلك، وبالإضافة إلى الجانب الرسمي وهو الأهم، فإن هناك أدواراً مهمة ولو في نطاق أضيق لمؤسسات المجتمع المدني وبأنواعها، وفي إطار العائلة الممتدة وفي داخل الأسرة، وكل حسب وسائله وامكانياته، لكي تعمل مجتمعة للحد من ظواهر عنف ومنها حواداث مميتة، قد تصبح أن تواصلت، مع الزمن عندنا جزءأ عادياً من الأمور الحياتية، مثل تلك التي تعايشها مجتمعات أو بلدان أخرى.
ومن الحلول الجذرية للتعامل مع مظاهر العنف في بلادنا، وبالأخص العنف المبني على النوع الاجتماعي وفي داخل الأسرة الواحدة، هو العمل على تعديل القوانين القديمة المطبقة في بلادنا والتي ما زالت تعود إلى الحقبات الأردنية والمصرية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة بالتتابع، والتي هذه الدول نفسها قامت بتعديلها لتتماشى مع متطلبات وظروف الوقت الحالي.
وهذا ما نحتاج إليه، أي إلى التركيز على إقرار قوانين حديثة تتعامل مع كل المجريات والتطورات والأحداث والعلاقات، بشكل يأخذ كافة الظروف الحالية، وفي نفس الوقت لا يشذ عن طبيعة مجتمعنا وظروفنا وبيئتنا، بشكل يحافظ على السلم المجتمعي الذي نحن في أمس الحاجة إلى الحفاظ عليه في الظروف الحالية.

............
لا داعي للتعمق كثيراً في محاوله لسبر غور الأسباب للعنف بأنواعه، فالوضع الاقتصادي المتردي، والذي أفرز بالدرجة الأولى وسوف يفرز البطالة، وعدم وجود فرص للعمل، وبالأخص عند فئة الشباب من الإناث والرجال، وهذا بدوره أدى إلى التردى في الوضع الاجتماعي والتربوي.