المطلوب في مواجهة مخاطر ما يجري

يونيو 15, 2024 - 16:05
المطلوب في مواجهة مخاطر ما يجري

مروان أميل طوباسي

من خلال الملاحظات والردود التي قدمتها حركة حماس على المبادرة الأميركية، يبدو أن الحركة تسعى إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية ومنها، وقف عمليات الإبادة التي ينفذها الاحتلال، ورفع الحصار وتبادل الأسرى، وتلك أمور تاخذ جانب الحق الوطني المشروع، وهو ما كان مفترضا منذ السابع من أكتوبر.
الأهم برأيي هو أن حماس تحاول أن تسعى من خلال الانخراط في المفاوضات والوساطة الدولية إلى تحقيق نوع من الاعتراف السياسي بشرعيتها كطرف أساسي في المعادلة الفلسطينية في ظل عدم الوصول إلى أية توافقات جادة أو عدم تنفيذ ما تم الإتفاق عليه منها في ماراثون جلسات المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، وفي ظل أوضاع شعبنا الكارثية الناتجة عن فظائع وجرائم الاحتلال التي ربما لم تكن في حساباتها كرد فعل على السابع من أكتوبر، رغم أن الاحتلال لا ينتظر مبررات في عدوانه على شعبنا. كما يجري ذلك في ظل عدم تنفيذ قرارات المجالس المركزية السابقة لمنظمة التحرير، وتحديدا ما يتعلق بإعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال على قاعدة الصراع والمواجهة. حماس تعتقد أن القرار الأخير لمجلس الأمن قد حقق لها جزءاً من ذلك بالإشارة لها كطرف وبأن ذلك يعزز مكانتها أمام الولايات المتحدة التي قد ترى فيها طرفا أساسياً لاحقا كشريك في إدارة شوؤن قطاع غزة بعد تطويعها سياسيا، خاصة مع ما تحاول الإدارة الأميركية الوصول إليه، وفق خططها ومحاولاتها فرض اشتراطات على المنظمة والسلطة تحت عناوين التجديد حتى يتم التعامل معهما .
إن مسوؤلية هذا التدخل الفظ والوقح في شأن فلسطيني داخلي خالص يتحمله البعض منا، وقد أعاق ويعيق عوامل التجديد الوطني الطبيعية، بما يتعارض مع أبسط قوانين الطبيعة وليحافظ على الجمود والسكون ويفتح بذلك الباب أمام تدخلات خارجية أو محاولات فرض الوصاية أو القبول بضغوطات من هنا وهناك تهدف إلى تدمير الهوية الوطنية الوحدوية .
إن هذا التوجه الأمريكي الإسرائيلي يمكن أن يندرج في إطار مشروع دولة غزة الذي ما زال يراود التفكير الأمريكي لإجهاض مشروعنا الوطني التحرري المتمثل بحق تقرير المصير وإقامة الدولة كاملة السيادة والمتواصلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل ٤ حزيران ٦٧، وما له علاقة بتنفيذ كافة القرارات الأممية ذات الصلة ومنها القرار ١٩٤، وبما يخدم المشروع الأوسع في الشرق الاوسط الجديد لخدمة المصالح الأميركية السياسية والأمنية والتجارية والحفاظ على تواجدها في منطقتنا لمنع توسع التمدد الصيني والروسي إلى جانب محاولاتها في أوكرانيا الآن، بعد أن تلقت أميركا الهزائم في مواقع أخرى كانت قد تركتها وتحالفت فيها لاحقا مع خصومها مثل طالبان.
حماس ربما تعتقد من جانب آخر أن ذلك الانخراط في نقاش قرار مجلس الأمن القائم على مبادرة بايدن وتبادل الردود والملاحظات عليه، يخدم تعزيز موقفها أمام المجتمع الدولي وشعبيتها أمام شعبنا، وهي بذلك لا تستفيد من التجارب السابقة فيما يتعلق بالسياسات الأميركية وسراب حلولها التي لا تخدم سوى مصالح العلاقات الاستراتيجية مع دولة الاحتلال ككيان وظيفي تابع، وهي تسعى الآن لمحاولات تغير شكل الحكم فيها حتى تخفض من معيقات تنفيذ مشروعها الأوسع بالمنطقة.
بالتالي فإن حماس تسعى من خلال مشاركتها في المفاوضات حول تفاصيل مراحل المبادرة وردودها على المبادرات الدولية وتبادل الرسائل إلى محاولة تحقيق هذه الأهداف المتعددة من وجهة نظرها والتي تدفع باتجاه قبولها والتعامل معها على حساب مكانة ودور منظمة التحرير، الذي تسعى الإدارة الأميركية وبعض القوى الإقليمية إلى محاولات إجهاضه وتجاهله بهدف إيقاع أكبر قدر من الضغوطات على شعبنا للقبول بالمشروع الأميركي الشامل بالمنطقة. لكن الولايات المتحدة التي تمارس سياسة الكذب والخداع دائما، والآن تحديدا لخدمة القضايا الانتخابية لبايدن ومحاولات تحسين صورتها أمام العالم إثر شراكتها الواضحة مع الاحتلال، لا ترى في أي من الطرفين شريكا طالما لا يتوفر التوافق معهما على مشروع اختزال الحقوق السياسية التاريخية لشعبنا واستبداله بمشاريع بديلة .
هذا يتطلب الآن قطع الطريق على تلك المحاولات الأميركية خاصة بعد ما فعلته دولة الاحتلال من قتل وتدمير لشعبنا ومقدراته على مدار تسعة أشهر، وما قبل ذلك أيضا، وجعل غزة مكانا غير قابل للحياة كما في مخيماتنا بالضفة والقدس أيضا، وذلك في إطار حرب الإبادة ضد كل شعبنا وفرض محاولات التهجير لخدمة المشروع الصهيوني التوراتي في كل فلسطين .
نحن اليوم وأمام تعاظم التضامن الدولي غير المسبوق وعزلة دولة الاحتلال المتزايدة في كافة المحافل وأمام أزمتها الداخلية الحزبية والمجتمعية والاقتصادية والعسكرية أيضا المختلفة إثر التورط في رمال غزة، بحاجة إلى توافق وطني واسع تحت مظلة منظمة التحرير، بعيدا عن المناكفات من هنا وهنالك والتي لا تخدم المصلحة الوطنية الآن خاصة أمام تضحيات ودماء شعبنا النازفة، والعمل الجاد من أجل تطوير وتمكين المنظمة من الارتقاء بأدائها ومكانتها التمثيلية الوطنية والدولية من أجل حماية شعبنا بكل مكوناته، بما في ذلك المقاومة من خلال تفعيل الأدوات الديمقراطية، وتوسيع قاعدة الحوار المسؤول والمشاركة في القرار من الكل الوطني والمجتمعي خاصة فئات الشباب القادر والمؤهل للتعاطي مع تطورات العصر بالتواصل والإعلام والتشبيك والإدارة ليصار إلى تنفيذ حق المواطن في الانتخابات، والتوافق الآن وقبل أن يمضي الزمن الذي لا ينتظر أحدا، وفق مبادرة سياسية وطنية جامعة لمواجهة مخاطر ما يجري.
إن الاعتقاد باحتكار الحقأىق والمعرفة والتمترس في زوايا منغلقة تحت تأثيرات مختلفة لأي جهة وطنية كانت دون الرغبة في سماع الملاحظات والآراء لن يخدم مسيرتنا بالتحرر الوطني على قاعدة وحدة الأرض والشعب والقضية الواحدة على طريق إنهاء الاحتلال أولاً، ولا يخدم من جهة أخرى أيضا استقلالية القرار الوطني الذي يتوجب أن يرتقي بمكوناته الكفاحية والخدماتية إلى مستوى حاجات كل أبناء شعبنا وتحديدا الآن شعبنا المكلوم في غزة، ومعذبي الأرض في كل الوطن والشتات بعيدا عن مراكمة مصالح شخصية لا تخدم صمود شعبنا ومقاومة الاحتلال.

........
حماس ربما تعتقد من جانب آخر أن ذلك الانخراط في نقاش قرار مجلس الأمن القائم على مبادرة بايدن وتبادل الردود والملاحظات عليه، يخدم تعزيز موقفها أمام المجتمع الدولي وشعبيتها أمام شعبنا، وهي بذلك لا تستفيد من التجارب السابقة فيما يتعلق بالسياسات الأميركية وسراب حلولها.