"المكتب الوطني": استمرار تسليح المستوطنين يضاعف مخاطر نشاطاتهم الهدامة
حذّر المكتب الوطني للدفاع عن الارض ومقاومة الاستيطان من تداعيات استمرار تسليح المستوطنين، الامر الذي يضاعف مخاطر النشاطات الهدامة لمنظمات الارهاب اليهودي العاملة في المستوطنات.
ولفت المكتب في تقريره الدوري حول الاستيطان، الى ما تناقلته اوساط سياسية وإعلامية في اسرائيل، الاسبوع الماضي، حول نية جيش الاحتلال توزيع المزيد من الأسلحة الرشاشة على المستوطنين في الضفة الغربية، وفق معايير متفق عليها، وذلك من خلال الحاخامات والمجالس الإقليمية للمستوطنات، وأن التوزيع سوف يشمل المستوطنين من غير الذين تم تجنيدهم في ما يسمى بفرق الطوارئ والفرق المتأهبة، التي أقامتها سلطات الاحتلال بعد السابع من أكتوبر الماضي. وفي هذا السياق فقد أوضح عضو الكنيست من حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف، تسفي سوكوت، ان قرار توزيع المزيد من الأسلحة في مستوطنات الضفة الغربية "أمر مهم ومن شأنه أن يعزز الشعور بالأمن". ووجه في الوقت نفسه الدعوة لسكان المستوطنات الذين يرغبون في المشاركة في الدفاع عن مكان إقامتهم إلى تقديم طلبات لحمل الأسلحة من أجل إضافة قوة رد كبيرة أخرى على حد قوله، فيما دعا وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة الجيش، بتسلئيل سموتريتش، الى خوض حرب دفاعية في الضفة الغربية وهدد بتحويل طولكرم إلى "خراب كما في قطاع غزة" ، إذا استمر ما وصفه بـ"الإرهاب" في المنطقة. وحسب أرقام ما يسمى لجنة الأمن الوطني تقدم 250 ألف إسرائيلي بطلب من أجل الحصول على رخص حمل السلاح بعد السابع من اكتوبر، في حين تزايد الإقبال على مراكز التدريب على استخدام السلاح، وحصل الآلاف من الإسرائيليين على سلاح لأول مرة.
التسليح ظاهرة قديمة ..
تجدر الاشارة هنا أن تسليح المستوطنين لم يبدأ بعد السابع من أكتوبر، بل كان ذلك أسبق من هذا التاريخ بكثير وكان ظاهرة رافقت البناء في المستوطنات منذ البدايات، ولكن على نحو ضيق نسبيا. ولا توجد معلومات دقيقة حول عدد الأسلحة التي كانت بحوزة المستوطنون في الضفة الغربية قبل هذا التاريخ ، فقد كانت سياسة سلطات الاحتلال حسب موقع "سيحا مكوميت" العبري ذو التوجهات اليسارية، تقوم على التعمية حول كمية السلاح التي بحوزة المستوطنين في الضفة، غير ان الوضع بدأ يتحول مع الوقت. وقد أخذت عملية تسليح المستوطنين دفعة قوية عام 2015 مع تولي الليكودي غلعاد أردان منصب وزير الأمن الداخلي، الذي أدخل عددا من التعديلات على سياسة منح تراخيص السلاح من بينها تسهيل إجراءات استصدار التراخيص اللازمة وتشجيع المستوطنين على حمله.
وقد تغير الوضع على نحو حاسم بعد نجاح اليمين واليمين الفاشي في الانتخابات الأخيرة للكنيست في نوفمبر من العام 2022، ومع تشكيل حكومة الاحتلال السابعة والثلاثين مطلع عام 2023 برئاسة بنيامين نتانياهو، وشركائه من الفاشيين والنازيين الجدد أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، حيث ارتفع بشكل ملحوظ عدد الاسرائيليين، الذين تقدموا للحصول على رخصة سلاح شخصي. ولتوضيح الصورة بالمقارنة فقط ، فقد أصدرت سلطات الاحتلال في عام 2021 قرابة 10 آلاف رخصة سلاح جديدة، وفي عام 2022 أصدرت حوالي 13 ألف رخصة، ولكن خلال عام 2023، وبعد ان تولى ايتمار بن غفير وزارة الامن القومي، أصدرت سلطات الاحتلال قرابة 38 ألف رخصة جديدة، وهذا قبل السابع من أكتوبر. أما بعد السابع من اكتوبر فقد تضاعفت طلبات الحصول على رخص سلاح بصورة جنونية، إذ بلغ المعدل اليومي لتقديم طلبات الحصول على السلاح ما بين 8 إلى 10 آلاف طلب.
تعديلات على قوانين اقتناء الاسلحة الشخصية ..
الوزير بن غفير كان معنيا بتوزيع السلاح على اوسع نطاق خاصة على المستوطنين، فعمل على إدخال تعديلات على قوانين اقتناء السلاح الشخصي لتوسيع قاعدة من يمكنهم حيازته، وتسهيل اجراءات الحصول على رخص السلاح وتخفيف شروط حيازته وخاصة من فئات الجنود السابقين من سن 21 فما فوق، ومن أدوا الخدمة المدنية بدل العسكرية، وحتى موظفي الإسعاف والإطفاء والإنقاذ والمتطوعين معهم ، فضلا عن المهاجرين الجدد فور وصولهم. ونتيجة لذلك بلغت أعداد المستوطنين الذين حصلوا على رخص سلاح مستويات غير مسبوقة، فمنذ السابع من أكتوبر وحتى نهاية عام 2023 تقدم أكثر من 250 ألف مستوطن بطلب الحصول على رخصة سلاح، وقد حصل أكثر من 26 ألف مستوطن منهم عليه، بالإضافة إلى 44 ألف مستوطن حصلوا على رخص مشروطة. وقد كان للتسهيلات التي أدخلها بن غفير أثر كبير في هذه الأعداد الكبيرة، إذ إن بعض المستوطنين حصلوا على الرخصة من خلال محادثة قصيرة لا تتجاوز مدتها 20 ثانية مع موظفي وزارة الأمن القومي.
ولم تكتف سلطات الاحتلال، وكذلك وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير بتسهيل اجراءات حصول المستوطنين على السلاح، بل ذهبت هذه السلطات أبعد من ذلك عندما قررت تحت ضغط هذا الوزير الى إقامة ما يسمى "فرق الطوارئ" أو "وحدات التأهب"، التي انتشرت على نطاق واسع بعد أن استدعى جيش الاحتلال الاحتياط للخدمة والالتحاف بالحرب على قطاع غزة. بن غفير أشرف بنفسه على إقامة 700 وحدة تأهب جديدة في الفترة بين 7 أكتوبر وحتى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني في كل أنحاء فلسطين الانتدابية، وهي وحدات شبه عسكرية، تتكون من 10 إلى 40 عنصرا من المستوطنين المحليين في كل مستوطنة على حدة، وتخضع لإشراف شرطة الاحتلال في أراضي 48، ولجيش الاحتلال في الضفة وتم تحديد مهمتها بتقديم الاستجابة الأولية في حالة التحديات الأمنية لحين قدوم القوات المختصة. وقد تولى بن غفير مهمة توزيع السلاح على هذه الوحدات وعمل على تزويدها بالأسلحة والمعدات القتالية مثل الخوذ والستر الواقية، وقد ذهب نحو 7 آلاف قطعة منها إلى المستوطنات في الضفة الغربية، بما في ذلك البؤر الاستيطانية، التي يعرف الجميع أنها باتت دفيئات لمنظمات الارهاب اليهودي العاملة في الضفة الغربية.
مساهمة مؤسسات في تسليح المستوطنين ..
ولم ينحصر تسليح المستوطنين على جيش الاحتلال أو وزارة الأمن القومي، وإنما يشارك في ذلك مؤسسات وجهات تابعة للمستوطنين. ففي بداية العدوان على قطاع غزة بادر يوسي دغان، رئيس ما يسمى "المجلس الإقليمي للشومرون" أي مستوطنات شمال الضفة الغربية، بتوزيع مئات الأسلحة من خلال مجلسه، بتنسيق مع جيش وشرطة الاحتلال على المستوطنين. إذ وزّع المجلس 200 بندقية من نوع M16 من الطراز المطور المعروف بـ M4، في 22 أكتوبر/تشرين الأول. وأعلن أنه بصدد شراء 300 قطعة جديدة، وقد مُوّل شراء هذه الأسلحة بتبرعات من أصدقاء "الشومورن" في أنحاء العالم، حسب وصفهم. وفي ذات الاتجاه، بادرت جمعيتا "شيفات تسيون" و"تكوما 23" المختصتان في دعم الاستيطان والمستوطنين إلى إطلاق حملة تبرعات لجمع الأموال بغية تسليح المستوطنين، وتمكنتا من جمع أكثر من ميلوني شيقل في بداية الحملة.
تزويد مستوطنات بسلاح ثقيل ..
وتنقل اوساط سياسية وإعلامية اسرائيلية ان جيش الاحتلال يدرس إمكانية توزيع مضادات للدروع على عدد من المستوطنات في الضفة، ضمن خطة يحتفظ من خلالها المسؤول عن أمن المستوطنة، التابع لجيش الاحتلال، بهذا السلاح في مخازن لاستخدامها عند الضرورة، كما يدرس جيش الاحتلال أيضا شراء 200 مركبة مصفّحة لتوزيعها على "وحدات التأهب" في الضفة الغربية وغلاف غزة ومستوطنات الشمال. وقد كان جيش الاحتلال قد زوّد حرّاس المستوطنات بعدد من السيارات المصفحة في ظل تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية. أما جديد مخططات جيش الاحتلال على هذا الصعيد فهو ما أعلن عنه وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، الاسبوع الماضي عن توجه سلطات الاحتلال لإنشاء "قوات تدخل سريع" في البلدات القريبة من الحدود مع الضفة الغربية، وذلك خلال تفقده ورئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية يولي أدلشتاين، جنود الجيش الإسرائيلي على خط التماس بين الضفة الغربية وإسرائيل، فقد أوضح غالانت في منشور له على منصة "إكس"، أنه أمر بتشكيل قوات تدخل ستعتمد على سكان البلدات وخرّيجي الوحدات القتالية، وهي خطوة أخرى من شأنها تعزيز العناصر الأمنية.
ردود فعل مختلفة ..
تسليح المستوطنين أثار ردود فعل واسعة نظرا لخطورة ذلك على الأوضاع ليس فقط في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، بل وكذلك في الخارج وفي دولة اسرائيل ذاتها، خاصة وأن انتشار السلاح جاء متزامنا مع سعي اوساط يمينية متطرفة في اسرائيل إلى إنشاء ميليشيات شبه رسمية كما يفعل ايتمار بن غفير. ويلفت النظر هنا أن هذا التسليح يحظى بقبول لدى المجتمع الصهيوني وقيادات سياسية وأمنية بحجة "الدفاع عن النفس" من التهديدات الأمنية. معارضة تسليح المستوطنين وانتشار السلاح بين الاسرائيليين جاء بالدرجة الرئيسية من منظمات حقوقية اسرائيلية تعارض الاحتلال والاستيطان، مثل مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان (بتسيلم،) وحركة السلام الأن، وغيرهما من منظمات عبرت عن قلقها من ان يستخدم هذا السلاح ليس فقط في عمليات ارهابية ضد الفلسطينيين بل خشية ان يستخدم كذلك في الجرائم وحالات العنف العائلي والنزاعات الشخصية وحالات الانتحار وغيرها.
كما لقيت هذه العملية معارضة ملتوية من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ امتنعت إدارة الرئيس بايدن في كانون الأول الماضي عن إتمام صفقة لبيع آلاف قطع الأسلحة من نوع M16 لدولة الاحتلال واشترطت موافقتها على الصفقة بتعهد بعدم توزيع هذه الأسلحة على المستوطنين في الضفة الغربية. وقد تمت الصفقة بعد ان تعهدت حكومة الاحتلال بذلك. كان أمرا عاديا ان تقدم حكومة الاحتلال مثل ذلك التعهد بعد ان أمنت تسليح المستوطنين من شركات انتاج اسلحة محلية وفرت البضاعة لايتمار بن غفير وعدد من مجالس المستوطنات فضلا عن جمعيات متخصصة بتقديم الدعم للمستوطنين بما في ذلك السلاح.
وفي ضوء كل هذا ومع انتشار "فرق الطوارئ" و "الفرق المتأهبة" وغيرها من التشكيلات شبه العسكرية تظهر خطورة تسليح المستوطنين على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية واضحة تماما ولا تحتاج الى تكهنات. صحيح ان هؤلاء المستوطنين يميلون في الظروف الراهنة اكثر الى استخدام العنف في عمليات التخريب والاعتداء على المواطنين وتدمير الممتلكات وفي عمليات التهجير والتطهير العرقي الواسعة لمجتمعات بدوية ورعوية فلسطينية من مواقعها ومراعيها خاصة في مناطق جنوب جبال الخليل والأغوار الفلسطينية وفي شفا الغور كذلك، إلا أن تسليح المستوطنين يضاعف مخاطر النشاطات الهدامة لمنظمات الارهاب اليهودي، التي تتخذ من المستوطنات والبؤر الاستيطانية وما يسمى بالمزارع الرعوية ملاذات آمنة في حماية جيش الاحتلال ويزيد من احتمالات انزلاق الأوضاع نحو ممارسة الارهاب على نطاق اوسع، خاصة وأن العنف الراهن بدأ يأخذ منحى تصاعديا مع استمرار أعمال الابادة الجماعية والحرب الوحشية، التي يشنها جيش الاحتلال ضد قطاع غزة منذ الثامن من اكتوبر الماضي.