جباليا.. قصة مخيم تحول إلى ركام
تواصلت مجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، أمس، حيث استشهد 95 مواطنًا في 5 مجازر، بينما استمرت المعارك الضارية بين المقاومة وقوات الاحتلال في عدد من مناطق القطاع، بالتوازي مع عمليات القصف، في اليوم الـ240 من الحرب الإسرائيلية على غزة، فيما خيم الذهول على اهالي مخيم جباليا الذي محت عمليات القصف المكثفة على مدار الاسابيع الماضية معالمه، وفاق الدمار الذي حل به ما شهدته مناطق القطاع خلال اشهر الحرب السبعة الماضية.
وأكدت وزارة الصحة في غزة، أن الاحتلال ارتكب أمس السبت 5 مجازر في القطاع راح ضحيتها 95 شهيدًا و350 مصاباً خلال 24 ساعة.
وأشارت الوزارة إلى ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 36 ألفاً و379 شهيداً و82 ألفاً و407 مصابين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأمس، استشهد مواطنان اثنان وأصيب آخرون في قصف إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين في حي الزيتون جنوبي شرق مدينة غزة، كما استشهدت الصحفية عُلا الدحدوح إثر قصف جيش الاحتلال منزلها في شارع الجلاء بمدينة غزة، كما أصيب عدد من المواطنين إثر قصف شنه الاحتلال على منزلين في مخيم البريج وسط قطاع غزة، وقصفت مدفعية الاحتلال مواقع في حي الصبرة بمدينة غزة.
ونفذ طيران الاحتلال حزاماً نارياً على بيت حانون شمال قطاع غزة، تزامناً مع استهداف آخر في وسط القطاع، كما استهدفت طائرات ومدفعية الاحتلال وسط وجنوب وغرب وشرق مدينة رفح.
من جانب آخر، أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني بارتفاع عدد شهداء طواقمه في غزة إلى 33 شهيداً منهم 19 استشهدوا أثناء أدائهم واجبهم الإنساني.
ميدانيًا، أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" أنها قصفت تجمعاً لجنود وآليات إسرائيلية في محور نتساريم بقذائف، كما فجرت عبوة رعدية في قوة هندسية إسرائيلية من 6 جنود، قرب مفترق جورج شرقي رفح، وقالت إنها أوقعتهم بين قتيل وجريح، وقصفت القسام تجمعًا لجنود إسرائيليين وآلياتهم بقذائف هاون في منطقة تل زعرب بحي تل السلطان غربي رفح.
ونشرت كتائب القسام صوراً بشأن استدراج مقاتليها قبل أسبوع، قوة إسرائيلية لنفق في مخيم جباليا، وإيقاعها بين قتيل وأسير، ونشرت صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا قبل أسبوع وتم سحب جثته.
من جانبها، قالت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، إنها قصفت بوابل من قذائف الهاون الثقيل جنوداً إسرائيليين وآليات في محيط تل زعرب غربي رفح، كما قنصت جندياً إسرائيلياً، وقصفت جنوداً وآليات بقذائف هاون في تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة.
وقالت سرايا القدس، إنها فجرت آلية إسرائيلية بعبوة برميلية شديدة الانفجار في محور التقدم بمحيط منطقة أم رائد شرق رفح، وقصفت بوابل من قذائف الهاون جنود وآليات للاحتلال متوغلة جنوب مخيم يبنا في رفح.
في هذه الأثناء، قال الناطق العسكري باسم سرايا القدس أبو حمزة: "إن الاحتلال المجرم يخوض حرب إبادة شاملة ضد شعب أعزل، نقول للإسرائيليين: لا تسمعوا من قيادتكم، وعودتكم إلى المستوطنات لن تكون إلا بوقف الحرب على غزة".
وتابع، "إن سرايا القدس برفقة فصائل المقاومة، تخوض حرباً وجودية في الضفة وغزة، وخلال الأسابيع القليلة الماضية، أسقطنا 11 طائرة إسرائيلية، ونعلن عن استهدافنا شبه اليومي لقوات العدو في رفح وجباليا ونتساريم، وقصفنا بئر السبع وسديروت وعسقلان خلال الأسابيع الماضية، وما زلنا نقدم الشهداء في لبنان وسوريا والضفة الغربية".
وأردف، "نبشر العدو بأننا ما زلنا بألف خير، وحرب الاستنزاف لن تكون إلا حسرة وندامة عليه، وإن جيش العدو بدأ يشعر بالغرق في غزة، وسيخرج من القطاع ذليلاً، ونخوض معركة أمنية معقدة في الحفاظ على أسرى العدو لدينا، وسنعرض لكم قريباً كيف كان يعيش الأسير الإسرائيلي إلعاد كتسير لدينا، ونقول للعدو إن الطريق الوحيد لاستعادة الأسرى هو الانسحاب من غزة، ووقف العدوان، والذهاب لصفقة تبادل".
مخيم جباليا
في شوارع جباليا التي أصبح من الصعب معرفتها، يعود سكان نزحوا بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة، وسط أنقاض هذا المخيم الواقع شمالي قطاع غزة، "مصدومين" لرؤية مكان "أزيل من الخريطة".
ونفذ جيش الاحتلال في الأسابيع الاخيرة عمليات قصف كثيفة على هذه المنطقة من قطاع غزة، ما أدى لمحو معالم المخيم.
يقول محمد النجار (33 عاما) من مخيم جباليا "فوجئت بحجم الدمار الحاصل بالعدوان الأخير على مخيم جباليا. لا معالم للدور. كلها متداخلة وعبارة عن ركام. لا يوجد شوارع (…) كأن زلزالا حصل، كله انتقام من الناس".
ويضيف "لا مقومات حياة في جباليا، لا مياه ولا طرق ولا خدمات، حتى المستشفيات تم تخريبها وتدمير مولداتها التي تعمل عليها في كمال عدوان".
وشهدت الايام الاخير تدفق عدد كبير من المواطنين الفلسطينيين إلى المخيم الواقع في شمال القطاع، الذي تفرض عليه إسرائيل حصارا مطبقا، في محاولة للعثور على منازلهم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وشوهد رجال ونساء وأطفال يسيرون وسط شارع تنتشر فيه أنقاض مبان مدمرة. فيما وضعت بعض العائلات فُرشا وألواحا من الكرتون على عربات تجرها حمير، في حين حمل آخرون لوازمهم على أكتافهم.
لكن رغم الدمار الواسع النطاق، يقول محمد النجار إن السكان "مصرّون" على العودة إلى ديارهم.
ويوضح "لدى الناس إصرار على العودة إلى دورهم وإقامة خيام وعرائش فوق الركام وإعادة الحياة إلى جباليا.
هناك خوف من عودة الاحتلال مرة ثانية وثالثة، لكن سنبقى في أرضنا ولن نغادرها".
وأدى العدوان الاسرائيلي المتواصل على القطاع منذ السابع من اكتوبر الماضي الى استشهاد 36 ألفا و 379، معظمهم مدنيون، وفق وزارة الصحة بغزة.
بدوره، يقول محمود عسلية (50 عاما) من جباليا "لم أر حجم الدمار الموجود في جباليا من قبل، فهو دمار ونسف منازل بالكامل في مربعات سكنية. في منطقة جباليا، كل بيت إما أحرق وإما قصف بالمدفعية والدبابات وصواريخ الطائرات أو نسف. ليس هناك بيت إلا تعرض لقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي".
ويضيف "عدنا إلى البيت، فرأيناه هيكلا من أعمدة إسمنت مهشمة ومدمرة (…) رغم كل هذا سنبقى في جباليا".
ويتابع "المعارك بين المقاومة والجيش كانت عنيفة والجيش تعرض للأذى وهذا دفعه للانتقام من البيوت والناس العزل. لن نغادر جباليا مهما فعل الاحتلال الإسرائيلي".
ووصف الجيش الإسرائيلي القتال الذي شهده مخيم جباليا خلال الاسابيع الماضية بانه "ربما هو الأعنف" منذ بدء الحرب.
وعثر على جثث 7 أسرى محتجزين في المنطقة في مايو/أيار الماضي. وتجدد القتال عندما سيطر الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر.
والجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي أن جنوده "أنهوا مهمتهم" في شرق جباليا.
من جهتها، تقول سعاد أبو صلاح (47 عاما) من مخيم جباليا "تعبنا من نزوح إلى نزوح. الحرب دمرت حياتنا وحياة أطفالنا. يكفي قصف وضرب وموت (…) جباليا تم محوها من الخريطة".
وتختم "نريد أن نعيش مثل الناس في العالم. نحتاج إلى حل ووقف الحرب والعيش بسلام".
ويؤكّد محمد النجار أنه ما زال يسمع أصوات طلقات نارية ونيران المدفعية في الشرق قائلا "نسمع في كل وقت قصفا مدفعيا ورصاصا يطلق من شرق جباليا، الناس سيظلون في المخيم".