رصيف مائي مشبوه بدواعٍ إنسانية
عبرت أولى الشاحنات ودخلت إلى غزة، من خلال الرصيف المائي الذي أنشأته أمريكا، تحت ذريعة أنه سيوفر للناس في غزة الغذاء والدواء، في الوقت الذي كانت ولا تزال فيه مئات الشاحنات المحملة بالمعونات تصطف أمام معبر رفح البري، الذي لا يحتاج لكل هذه الفترة الزمنية، ولا لكل هذه التكاليف المادية، إلا أن "البروبغاندا" الأمريكية أرادت ذلك، وفي الأمر نوايا أخرى، وتخفي ما هو أخطر خلفها.
الانتهاء من بناء الرصيف المائي، وسط الإغلاق التام لكل المعابر والمنافذ، خاصة بعد احتلال معبر رفح البري من قبل جنود الاحتلال، سوف يراه العالم بأنه خطوة إنسانية مهمة، وهذا ما سعت إليه أمريكا للحصول على صورة أرادتها لنفسها على هذا النحو، وقد ذللت العقبات وهيأت الرأي العام الدولي والمحلي، لتجعل من هذا الرصيف المائي المنقذ والمنفذ الإنساني الوحيد الذي يوفر المساعدات للناس الذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية، ويقتلون كل لحظة، بينما أمريكا لا توقف هذه المقتلة ولا تمنع هذا الإجرام، بل تدعم الاحتلال بالترسانة الحربية والعسكرية، وتوفر الغطاء السياسي في مجلس الأمن بالفيتو الجاهز دائمًا لحماية الاحتلال والإفلات من العقاب.
دخول الشاحنات المحملة من الرصيف البحري الذي تم إنشاؤه على شاطئ غزة، يعني الانتهاء من التجهيزات واللوازم لتشغيل الرصيف الأمريكي، فبات من المهم التذكير بما قلناه في السابق، حول ماهية هذا الميناء الذي قد لا يلتفت إليه البعض الغارق في السجالات الداخلية، وفي مقتلة الإبادة التي يتعرض لها شعبنا في غزة.
وحيث إن الرصيف البحري يأخذ دواعي إنسانية متعلقة بدخول المساعدات الغذائية والدوائية، فإن الأمر من وجهة نظر البعض يتخذ طابعًا إغاثيًا ليس إلّا، بيد أن الأمر مرتبط بدواع أخرى خطيرة لا تقل خطورة عن هذه المقتلة الحاصلة، بل هي أكثر منها فتكًا، خاصة أنها قد تحمل في نواياها الهجرة، وهذا أكثر خطرًا من أي شيء في السابق.
إنها أمريكا القادرة على وقف الحرب وفتح المعابر وهي قادرة على إدخال المساعدات من دون العمل طيلة الأشهر الماضية على بناء رصيف بحري، فهل العقل يصدق أن هذا الميناء هو من أجل إدخال مساعدات كان يمكن لها أن تدخل من أي من المعابر التي ترتبط بقطاع غزة؟
السياسية الأمريكية ليست بريئة، ولا يمكن لها أن تكون بريئة، خاصة بعد الدعم الكبير بالعتاد والسلاح الذي قدمته طيلة أشهر المقتلة، ولا تزال تواصل دعمها، وهذا يدفعنا لنفكر في الأسباب الحقيقية من هذا الرصيف، وإن لم يكن متعلقًا بالتهجير فهل يكون مرتبطًا بالغاز والثروة المكتشفة في مياه بحر غزة؟ أم تكون الأمر له أبعاد أخرى ضمن مخطط اليوم التالي لانتهاء الحرب؟
الأمر المؤكد أن النوايا الأمريكية ليست سليمة، بل هناك ما تكيده خلف الكواليس، وهي لا تعلن عنه، بل تتخذ لنفسها هذا الدور وهذه الصورة التي تحاول من خلالها أن يصدقها العالم.الدواعي الإنسانية لو صدقت لما أغلق معبر رفح، ولما منعت المساعدات في ذروة الحاجة، وبوسع أمريكا أن تفتحه وتدخل المساعدات من خلاله، فلماذا إذن الرصيف المائي، وماذا جَدَّ فاستجد!
إنها أمريكا القادرة على وقف الحرب وفتح المعابر، وهي قادرة على إدخال المساعدات من دون العمل طيلة الأشهر الماضية على بناء رصيف بحري، فهل العقل يصدق أن هذا الميناء هو من أجل إدخال مساعدات كان يمكن لها أن تدخل من أيٍّ من المعابر التي ترتبط بقطاع غزة؟