تناقض أم تكامل الخطابين: العسكري والسياسي

أبريل 30, 2024 - 09:43
تناقض أم تكامل الخطابين: العسكري والسياسي

اختلفت زاوية الرؤية إلى الخطابات التي صدرت مؤخرًا عن جناحي حركة حماس السياسي والعسكري، حول ما ستؤول إليه الأمور في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، مما حدا بالجهات المراقبة للمشهد من خارج دائرة الحركة إلى فرض وجود تباينات ظاهرة للعيان في مواقف وخطابات الجناحين السياسي والعسكري، لحركة حماس، وفق تصريحات قادتها.


أبدى رئيس الجناح السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إمكانية الشراكة الوطنية بمرونة واستجابة للضغوط الدولية حول أهمية إسناد الشعب الفلسطيني بوجود قوة عربية أو إسلامية، وأنه لا ضير من طرح خيارات وبدائل مقبولة لصالح الشعب الفلسطيني، فحماس ليست متمسكة بالتمثيل المنفرد وهي جزء من الشعب الفلسطيني، وتتفق مع بناء حكومة وحدة وطنية تتوافق على إدارة غزة، حيث تم الكشف في الآونة الأخيرة عن قبول قادة حماس السياسيين بنزع سلاح الجناح العسكري للحركة فور قيام دولة فلسطينية.


في المقابل، وبفاصل زمني قصير دعا أبو عبيدة في خطابه إلى تصعيد العمل المقاوم بكل أشكاله وفي جميع الساحات، مما يوحي أن الفترة المقبلة ستشهد تصعيدًا وليس تهدئة، وأكد على أن الضغوطات العسكرية على الكتائب المسلحة لا تدفعها إلا إلى الثبات على مواقفها مشددًا على عدم تقديم أي تنازلات، إنما تصعيد الفعل المقاوم بكل أشكاله في الساحات جميعها.


ومن القراءة السطحية للخطابين السابقين يظهر أن الجناح السياسي للحركة أكثر ميلًا إلى التسويات فيما يلجأ العسكري إلى التصعيد، وتوجهات الجناح السياسي تخالف توجهات نظيره العسكري، وبالتالي فإن حماس الداخل والخارج بدت منقسمة على بعضها، بوجود تناقضات عديدة في مضمون خطابيهما، ومن هنا اختلفت دلالات التحالفات التي اختارها كل من الجناحين العسكري والسياسي لحركة حماس، حيث بذل الأول جهودًا بين العواصم العربية والإقليمية، لتسوية الأمور، في حين أشاد العسكري بالاستهداف الإيراني لإسرائيل، وعليه فإن حملة السلاح على أرض المعركة ليسوا مستعدين للتخلي عنه مقابل التخلي "المزعوم" من قبل الجناح الساسي، وعليه تبدو الأمور شديدة الارتباك داخل حركة حماس مما يزيد معاناة الغزيين الذين يدفعون الثمن بأرواحهم، وتبعا لذلك انعكس هذا " الانقسام" على محادثات مسار التهدئة وعلى صفقة التبادل، الأمر الذي بدا واضحا في تصريحات مسؤول أمريكي كبير بأن تصريحات حماس في الخارج لا تمثل دائمًا موقف قادة حماس داخل غزة، منتقدًا الإرباك الذي يسببه هذا الأمر .


لو دققنا في مسمى الجناحين: "سياسي"، "عسكري" قبل التدقيق في سطحية خطابهما، لأدركنا أنه لا وجود للتناقض في أهداف كل من الجناحين اللذين ينصبان في الهدف الرئيس الذي لا خلاف عليه في الحركة، ولكن من متطلبات السياسية الحنكة في التفاوض، والمرونة في اللغة وطريقة طرحها، أو لنقل اللجوء إلى لغة فضفاضة تناسب مقاس العدو ومجريات الحدث على أرض الواقع. وقد ظهرت هذه المرونة كذلك سابقًا في خطاب الشيخ أحمد ياسين، حين قال: "مستعدون لهدنة عشرون عامًا"، وفي الوقت ذاته كان يقول: "إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، هذه شريعة حماس، بالتالي فالتكامل بين أجنحتها واضح، وخاصة أن القرار داخل حماس يمر عبر مؤسسة عسكرية وسياسية وتنفيذية وشورية، فلو وضعنا الأمور في سياقها الطبيعي، حماس تعتبر نفسها حركة تحرر وطني، وحركة مقاومة ثورية، تبقى على تماس ومواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي نقيض للمشروع الصهيوني، وعملية الطوفان هي الأكبر في تاريخ الشعب الفلسطيني، وهي الأعظم في تسديد ضربة مركزة للاحتلال من حيث عدد القتلى وانهيار الجيش الإسرائيلي وعدد الأسرى، لكن مشاركة الولايات المتحدة، والفعل الأمريكي قلب الموازين.


وبالعودة إلى مغزى الخطابين فإن التكامل من حيث الهدف الرئيس واضح، وهو إقامة دولة فلسطينية، حتى لو صرح أحد القادة بأنه ليس على علم بالطوفان، لكن المبدأ الذي انطلق منه الطوفان يؤمنون به، فالخطاب العسكري يركز على حالة المواجهة الميدانية وعلى العمليات العسكرية وعلى صد العدوان المباشر العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي، أما الخطاب السياسي فهو الخطاب الاستراتيجي الذي يستثمر الفعل العسكري.


حماس بعد طوفان الأقصى ليست كما قبلها، حتى وإن كانت أساءت تقدير تبعات السابع من أكتوبر، هي قامت بعملية كبيرة، استراتيجية عسكرية، أنهكت الجيش الإسرائيلي، والكل يدرك أنه لولا تدخل "العم سام"، أمريكا، الراعي الحصري لجرائم الصهيونية لاستطاعت حماس تحقيق أهدافها بمدة قصير جدا، وأما ما يخص لقاءها بكثير من الدول، التي بدورها تطرح الكثير من الأسئلة حول العملية واستراتيجيتها الآنية وأهدافها التكتيكية على الأرض، ورغم أن من في الواجهة هو الجناح السياسي، ممثلا بهنية وخالد مشعل والحية، وليس الجناح العسكري، الممثل بالسنوار أو بأبي عبيدة، إلا أن التواصل بين قيادة حركة حماس السياسية والعسكرية مستمر.


وإذا وقفنا عند التصريح الذي جاء على لسان خليل الحية وأسامة حمدان حول حدود الدولة ونزع السلاح، وعبارة حمدان الأخيرة "بس تقوم الدولة بصير خير"، إنما لحدسه بأن إسرائيل لن توافق على إقامة دولة فلسطينية، وها هي تناور بموضوع معبر رفح وفلاديلفيا، لإعادة الاحتلال وعمل كماشة على قطاع غزة، والسيطرة بشكل كامل على القطاع، وهذا هو الهدف الأساسي للاحتلال لمنع قيام الدولة الفلسطينية، فإما أن يعيد احتلاله بشكل كامل، وإما أن يبقي حركة حماس في أربعين كيلومتر في رفح بحجة أنه يقاتل مجموعة إرهابيين، والحرب لم تنته وتحتاج إلى سنوات، ويبقى يماطل.


وأما تصريحات المكتب السياسي ولأكثر من مصدر من بينها الجزيرة، حول الدول التي صوتت أو أخرجت بيانا مع الولايات المتحدة، كان في إحداها ترحيب لصفقة تبادل ووقف إطلاق النار، ومصدر آخر رفض ما سبق، والثالث على لسان أسامة حمدان حول الاستمرار في القتال، فهي جميعها وإن توارت خلف ضبابية التصريحات إلا أنها متفقة تمامًا في جوهرها حول مصطلح "نزع السلاح"، ونزع السلاح بالنسبة لحماس يختلف عن نزع السلاح بالنسبة للسلطة، وإن حصلت حكومة وحدة وطنية لن يتغير جوهر موقف حماس، وإن أبدت عكس ذلك، والدليل على ذلك ما جاء حول موضوع الصفقة السابقة أو التفاوض ما بين الأطراف وحركة حماس، جاءت رسالة من قطاع غزة تقول على أي أساس سوف توقفون الحرب لمدة أربعة أسابيع فقط، وقف الحرب يجب أن يكون بشكل مطلق، وهذا برأيي يظهر تكاملًا في الموقف لا تناقضًا، عدم كشف الأوراق والنوايا كما حدث مع الدكتور مرسي الذي انتهى في مصر بغضون عام، ولم تكن الأزمات في حينه إلا مفتعلة للإطاحة به، وأما استراتيجية حماس من شدّ الحبل وإرخائه بين قادتها سيظل قائمًا، وستظل الضبابية تظلل مواقف حماس النظرية والعملية وإلا لنسف الجناح السياسي في الخارج بضربة واحدة وتبعته غزة، دون أن تستطيع حماس تحقيق ما حققته عبر سنوات من تعبئة جبهتها العسكرية، وزيادة صلابتها، ورفع مستوى قدراتها وجاهزيتها على الأرض، ولا اختلاف على ذلك رغم القتل والدمار الهائل في غزة، فالعدو لا يقدم على هذه البشاعة بهذا الشكل إلا لعجزه عن الإطاحة بحماس.


في الختام، حماس معنية بإقامة الدولة، ووجود جيش وطني، ولكن مبدأ القوة وضبابية "شكل السلاح" والتعتيم على آلية وجوده يبقى رهن قناعات حماس ومبدأها الذي لن يتغير، وإن اختلفوا فيما بينهم، أو انشق أحدهم عن الصف، فهي لا تريد أن تكرر الأخطاء ولا تريد أن تعترف بالاحتلال، لا تريد أن توقف العمل المسلح، والمقاومة الفلسطينية غير معنية بالعمل على تسليم السلاح