العالم العاجز عن وقف حرب الإبادة على غزة

مارس 25, 2024 - 11:25
العالم العاجز عن وقف حرب الإبادة على غزة

لو كانت الحرب المستعرة تحدث في أي بلد آخر غير قطاع غزة، لتدافع العالم منذ اللحظة الأولى لفرض وقف فوري لاطلاق النار، قبل أن يحدث كل هذا الدمار والخراب، وقبل أن تصل أعداد القتلى والمصابين والمهجرين من النازحين لهذه الأعداد الكبيرة، ولكن في الحرب المستمرة على غزة وقد قارب عدد الشهداء 33 ألفًا والمصابين أكثر من مئة ألف جريح، فإن العالم يقف عاجزًا عن اتخاذ قرارٍ في مجلس الأمن، وتشكيل قوة دولية لحماية المدنيين، وحماية المنشآت الطبية والتعليمية ومراكز الإيواء وخيام النازحين، وهذا ما لم يحدث حتى اليوم الـ 170 من الحرب، فهل يعقل أن يبقى هذا العالم صامتًا، أو رهنًا لحق النقض "الفيتو"؟

ما حدث ويحدث في غزة من حرب تعدت كل أشكال الحروب، وفي أحداث لم تسبق أن عرفتها البشرية في كل حروبها، حيث باتت المستشفيات هدفًا مستمرًا لجنود الاحتلال وطائراته التي تقصف أقسام الجراحة والعناية والطوارئ، وتمنع الدواء والغذاء، وقد قطعت الكهرباء عن الأطفال الخدج، وهي لا تزال حتى اليوم تستهدف المستشفيات بشكل مباشر وتعتقل الطواقم الطبية وتقتادهم إلى أماكن مجهولة، أمام صمت دولي غير مفهوم، وعجز أممي غير مسبوق، وهذا الصمت يعطي الاحتلال هذا التمادي والاستهداف الأكبر للمراكز الطبية والصحية والمستشفيات، ولا نجد أي قرار يلزم الاحتلال بضرورة احترام المستشفيات التي في كل الحروب تكون على الحياد، ولا يتم استهدافها والاعتداء عليها، فكيف تحول هذا العالم ووصل إلى هذا الحد من البشاعة، وهو يشهد منذ اليوم الأول كيف كان الاستهداف لكل مستشفيات غزة التي خرجت معظمها عن الخدمة، ولم تعد قادرة على تقديم العلاج والدواء منذ الأيام الأولى للحرب، ولا تزال حتى يومنا تتعرض للقصف والتخريب.

الصمت العالمي شكل غطاء للاحتلال الذي يواصل حرب الإبادة من دون أن يخاف العقاب والحساب، حتى أوصل الواقع في غزة إلى محطة غير قابلة للحياة، وسط ما اتبعه خلال أيام الحرب من سياسة الأرض المحروقة التي لم تبقِ على شيء في غزة، وقد اجتثت كل مقومات الحياة، ولم يسلم شيء من نيران القصف والدمار. ومن المفارقات أن العالم الصامت على كل ما حدث ويحدث من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، بالأمس أحيا اليوم العالمي للمياه، بينما الناس في غزة يشربون ماء البحر غير الصالح للبشر، كما يعيشون العطش الشديد، والبعض يموت عطشًا، في ظل عدم قدرة العالم على إدخال المساعدات من ماء وغذاء ودواء. فكيف لهذا العالم أن يكون بهذا الانفصام وهذه المفارقات الغريبة والعجيبة.

إن الحرب المستمرة على غزة، والتصريحات التي يطلقها البعض من قادة الكيان والتي كان آخرها، كان على لسان رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست الاسرائيلي تسفيكا فوغل، "حيث دعا إلى استيطان اليهود لغزة وألا تكون للفلسطينيين أرضٌ في غزة"، تعبر عن السياسة العنصرية التي تكمن في عقيدة المحتل، وهذه إشارات خطيرة إذا ما استمرت الحرب واستمر العالم في صمته وعجزه في فرض وقف لاطلاق نار سريع وفوري، فغاية هذا الاحتلال باتت واضحة، ولم يعد يخفى على أحد ما يريده ويسعى لتحقيقه خلال الـ 170 يومًا من أيام حرب الإبادة الجماعية على غزة.

السياسة الدولية كشفت اللثام عن الكثير مما كانت تستتر به الدول، خاصة الغربية منها، حيث واصلت صمتها أمام ارتكاب أفظع المجازر، وما شهدناه خلال أيام الحرب التي لا تزال مستمرة، فكل القوانين والمواثيق الدولية التي انتهكها الاحتلال على مرأى ومسمع العالم، لم تدفع الدول إلى التدخل لوقف هذه الجريمة وحماية حياة الناس وممتلكاتهم، وتطبيق المواثيق التي تحفظ حياة المدنيين من شرّ المذبحة.

حرب الإبادة الجماعية التي لم يسلم فيها شيء، فهدمت المساجد والكنائس وقصفت المستشفيات والمدراس والجامعات، ودمرت البنى التحتية ولم تترك خلفها أي شيء قابل للحياة، في مشاهد نراها كل لحظة عبر الشاشات التي تنقل بعضًا من الحقيقة على الأرض وليس كلها، لأن حجم الجريمة الحاصلة مهول.

المعاناة التي يعيشها الناس في غزة كل لحظة وكل دقيقة لا تصفها الكلمات، فالحصار من جهة يفرض شروطًا قاسية غير مسبوقة، فلا يجد الناس طعامهم وغذائهم ودوائهم، والحرب من جهة أخرى تقتل البشر بمجازر جماعية، وتقصف البيوت وخيام النازحين والمستشفيات، ومع كل يوم تزداد المعاناة ويتسع الجرح ويزداد الوجع والألم، فهل من المعقول أن يبقى العالم صامتًا؟ ومتى يمكن أن يتدخل لوقف المذبحة المستمرة؟