وأردفت العرافة وقالت ...

مارس 13, 2024 - 12:49
وأردفت العرافة وقالت ...

وقالت العرافة، أن ثمةَ سنواتٍ عجاف، والشمسُ والقمرُ لن يسجدان وسيختفيان عن الأنظار، والجلوس بقعر الإنهيار تأمل وانتظار، وصراع الأباطرةِ على ناصيةِ مفارقِ الطرقات أضحى علنياً وواضحاً للعيان، والطرقاتُ باتت وسخة والعشاق يهربون مهرولين نحو الأزقة المظلمة..


وأردفت العرافة بالقولِ الفصيح بعد أن صمتت برهة وانتفضت ارتعاشاً وصرخت بوجه الجمع والمنتظرين لإكتمال الحكاية.. والحكاية ما زالت بأبجدياتها الأولى ..


والقمر ظهر للعيان والصيام أعلن عن قدومه.. وصيام ابن مريم قد بدأ في بلدان التيه والتوهان، وهناك في عاصمةِ القتل والجوع أعلنوا عن الصوم الكبير ، والصوم هنا له دلالات.. حيث الصيام المستمر منذ شهور، وثمة صوم آخر، الصيام عن الكلام والصمت المقيت، وأمة التوحيد صامتة منذ دهور، وقابعة في الليل الحالك، ويُفعل بها ما لم يُفعلُ منذ غابر الأزمان ، والسكونُ والركوعُ باتَ عنوانها الأشم والمرفوع بكل الميادين، والميادين مكتظة بالمارقين العابرين.


الشمس تشرق من هنا... وقد تغرب من هناك... والقبائل أخذت قرارها وانتدبت الأقوياء من فتيتها، ليضربوا الحلم ضربة واحدة ويتوزع الدم بين أمراء العشائر والقبائل..


وابن الخطاب عمر طُعنّ وقتل ببيت الله ووجهه نحو القبلة متضرعاً لربِ عرش السموات، والفتنة الكبرى كانت قد بدأت من هناك والإختلافُ سيد الموقف يا سادة يا كرام.. والحكاية ما زالت تكرر ذاتها منذ مئات السنين... والخلاف يفسد للود قضية.


استجمع ثناياي وأسير بين الرذاذ كقادمٍ على منصةِ الحقيقة، ومن خلفي من يلهث في محاولة منه ليفهم ما يمكنه في ظل حكم العشائرِ القبلية ...


غريبٌ عن المكان ... ولعلي بالمواقيت الخاطئة آتي ... أو عساني لا أستوعب آهاتي... وصرخاتي .. وعذابات ذاتي ... أجلس الليلة وحيدا... بعد أن كان نهاري صاخباً.. كيف قُدسك.. ؟؟ وكيف أهلها...؟؟ وبَشرها وحَجرها..؟؟ هل ما زالت عنيدة.. ؟؟ أبية .. ؟؟ صامدة ..؟؟ أم تراها استسلمت لمغتصبيها..؟؟ كيف هم مَجانينها...؟؟ وعُشاقها...؟؟ ونساءُ القدس أما زلنّ جميلات ..؟؟ وحواريها.. أما زال أحدٌ في أزقتها بانتظار حبيبته بعد أن تسلل الظلام..؟؟ كيف هي موسيقاها ..؟؟


أجلسُ غريباً الليلة بعد أن انفض الجمعُ من حولي... وكانت التساؤلات بعيونهم .. للقدس تناقضاتها .. كما أنا... بقليلٍ من الصبرِ يستمعون الى كلامي وحديثي ... ولربما لا يحتملونَ أكثر ...ولعلهم قد شاهدوا صورتك مرتسمة بالتماع عيوني ... فحينما أحدثهم عن القدس تحضرين يا أميرتي .... كفراشةٍ تحومُ بالمكان... ويكون أن تأتيني ... صارخةَ الجمال ...حاضرةً بقسوةِ الشجن... والأحزان ...وحينها تترقرق دمعتانِ ليسَ أكثر...وتتشكل شظايا الصورة.. وفي لحظة إشتياقي... أنظُم كلماتي ..وتختلط حروفي ... واحلق بأحاديثي ... وتصبحين أنت القدس والوطن .. وأستشعر اغتصابها وأزماتها وأشجانها بوجهك سيدتي ... وكما هي القدس منتظرة، فأنت أيضا تنتظرين لصفاءِ اللحظة، ولهدوءِ الريح، ولشبق أنوثتك.


وأنا الغريبُ دوماً عن المكان واللحظة، استمع لموسيقاي وأسافرُ نحوكِ ... أبدأ برحلتي في مملكتي ... تكونين أنتِ .. فرعونية .. كنعانية، بابلية، مقدسية، تتربع على عرشِ الحكاية ... وأعودُ لأحدثهم عن قدسِ الحكايا، وممالكِ العشاقِ فيها، ومن كان ينتظرها بمقهاه منذ أن كان، وما هي إلا لحظاتٍ حتى أتكور على ذاتي وإياك ... لأنتظرَ معجزة اللقاء، وعند انبلاجِ اللحظة من عالمِ الخيال الى الوقائع المستحدثة يكون الكابوس يأتيني ويقض مضاجع الحُلم، وروما أعلنت عن خيانتها، وصكوك الغفران قد مُنحت للقاتل أخيرا وأصبح المقتول مُمعِنّاً في الجريمة، وما كان له أن يُقتل لولا أنه قد جاء بالدينِ الجديد.


والعشاء بعرف هؤلاء كان الكذبة الكبيرة، ووفقا لمقاييس حبرهم وعطاءاتِ كهنتهم فلا بدُ من صياغةِ النصوص المقدّسة لتستوي المعاني وفقاً للمتغيراتِ المتفقُ عليها.


انقلبت الموازيين أيها السادة في قبائل روما الحاكمة، ودموع العذارى على معابدِ الربّ قد صارت مشهداً مزعجا بأعراف القوانين الغازية لدهاليز كهنوت الضفة الثانية على شواطىء المتوسط .


ومنذ اللحظة، قد صار للروايةِ مكامنُ أخرى، وللحكايةِ وجهةٌ مختلفة وللعشاءِ الأخير سيرةٌ متعاكسة بأفئدةِ القابعين المنتظرين للبعث الجديد، للسيد المسيح، وقد يكون ممكنا منذ الان تصديق رواية كبير سدَنةِ المعبد القديم، أن ابن البتول ما كان له أن يأتي هناك، ولم يتكلم بمهدهِ وان لم يُشفي المريض.


يا ابن مريم أُنبِئُك أن معبدك قد دُنس، فسادةُ الروم بالرماحِ قد عادوا ليصلبوك مرةً أخرى على مشانقِ أغصان الزيتون المُقطعةُ أوصالها بجوارِ أسوار البلدة العتيقة، وأنا هنا قابعٌ في المكان منتظراً للمعجزةِ من إشارةٍ وبشارة.
وتلوحُ بالأفقِ جميلةٌ تخترقُ الحواجز لتُلقِيَ مزاميرها وتُجبرنا على الإنصياع للنداءِ الأخير بربعِ الساعة الأخير، بالظرفِ الراهن فقد تكون اورشليم قد أضحت الحقيقة ويكون التجوال سيد الموقف لسادةِ الفقراء في أقاصي الدُنيا لنُصرةِ عُشاقِ القدس ومجانينها.


نعتلي المنصة ونمارسُ فنَّ الصراخ كانعكاسٍ للحظةِ التوقِ من قيودِ دبلوماسيةِ الكلام، وللكلام أن يعبّرَ عن كينونة الخوف فينا من أن تتغير أسماؤنا ونتوهُ في صحاري التيهِ مرةً أخرى، باحثينَ لاهثينَ خلف سرابِ الماء المتدفقِ من هناك حيث العطشى للأمل.. نقفُ لبرهةٍ من الزمن قبل الصراخ وافتعال الضجيج، ويكون القرارُ بأن لا بد من ممارسةِ أعتى أشكال الجنون.


كان العبورُ صعباً اتجاه الميادين فالكلِ يبحثُ عن موطىء قدم لقوتِ يومه، وسط الزحام واختطاف الكلام والإجتهاد أن تعلو كلمة القدس فوق الأشهاد فيه الكثيرُ من وجهاتِ النظر.. كنا نحمل ثِقل السنين والأنين ...


نأتي إليكم مُحملينَ بآهاتهم ووجعهم، ونحاولُ أن نكون المؤدبين المؤدلجين الذين يجيدونَ احترام النساء وكيفية الجلوسِ عند ارتشاف القهوة والعبث بالأسماء، ونستذكرُ أن لنا حاجةً عندكم فنجتهدُ بالتحليلِ والشرح وتقديم المعلومة وتفنيدها على أعتاب صُناعِ القرار بالصحراءِ، وقبل ذلك كنا عبرنا الى حيثُ صياغةِ التاريخِ الجديد، لعلّ الضمير يؤنب من كان غافلاً عن نُصرةِ أم المدائنِ العتيقة، وكان الشاهدُ على الذبحِ من الوريدِ الى الوريد ... قُلنا الكثيرُ من الكلامِ وحذرنا من لحظةِ الصحوةِ من أن تأتي متأخرةً بعد أن تلفُظُنا القدس وتَبكينا وتَبكي رجالها ونساءها وعشاقها... وبُكاء القدسِ حينها سيكون الأقسى..