الاسراء والمعراج .. احتفال وذكرى أم طوفان وثورة ؟!

فبراير 17, 2024 - 13:14
الاسراء والمعراج .. احتفال وذكرى أم طوفان وثورة ؟!
أرادت ذكرى الاسراء والمعراج أن تقوم بجولة تزور فيها عدة بلدان عربية وإسلامية، قبل أن تبدأ الجولة عقدت مؤتمرا صحفيا حدّدت فيه أهدافها من هذه الجولة وذكّرت بما حرّضت به من فصل الخطاب في أعوام مديدة قد مضت من عمر القضيّة.

أمّا أهداف الجولة فهي تتلخّص في التعرّف على ما فعلته الذكرى في نفوس أصحابها وهل ما زالت مجرّد فكرة وذكرى أم أنها قد أنتجت فعلا ونارا وثورة.2
وكان مما خاطبتكم به سابقا:
أيها السائرون والسالكون والمتأمّلون بربّكم العظيم، اعلموا أنّي لست مجرّد فكرة عابرة بل أنا فكرة حيّة وقناعة راسخة وإرادة فاعلة، وعشقا خالدا عميقا في قلوب الناس، وترجمة عملية تصل الى دائرة الفعل المحرّك لكلّ طاقات الامّة، إذا أصبحت هكذا فحتما سيتحوّل العشق الى تنظيم ورؤية، إلى برنامج عمل يشعل الفكرة ويلهب الروح وينتج الحريّة.
واعلموا رحمني ورحمكم الله أنه ما كان لشرذمة من شراذم شذّاذ الافاق أن تقتحم المسجد الأقصى نهارا جهارا وتحت أعين الكاميرات التي توصل الصور الى كل الافاق، ثم نرى الشارع العربي والإسلامي نائما يغطّ في سبات عميق.
اعلموا أني القادر على تخصيب اليورانيوم الإيماني المزروع في أعماقكم، لست قلقا من هذه الشراذم المحتلة، إنما هي شعلة الاستفزاز والتخصيب لما في صدوركم، أنا على موعد معكم للتحرير ورفعة شأنكم. فقط ما عليكم إلا رفع رايتي خفّاقة في قلوبكم وفي سماء أوطانكم، أعلنوا الثورة على كلّ من يناصر عدوّي وعدوّكم، اجعلوا الأقصى ميزانا لمعرفة صديقكم من عدوّكم، ومشعلا وعنوانا لتحرّري وتحرركم.
ثم انطلقت الذكرى وحطّت رحالها حيث البلد الأكثر تعدادا وأكثر إيمانا بالفطرة، وجدت الاستقبالات العامرة لتشمل كلّ المساجد والأماكن الجامعة، عطّلت البلد وأعلنت عيدا رسميّا، تزيّنت الشوارع وتلذّذت البطون بكلّ أنواع الحلويات الشرقيّة، لم تجد الذكرى آثارا عمليّة وازدادت إمعانا في المراسم الشكليّة، ملأ الحزن قلبي خاصة وقد علمت بأن هناك بلدا مسلما عربيّا جارا لهذه الديار المليونية يتعرّض لعدوان وجرائم نازيّة، لأنه أقام اعتبارا لي وأعطى كلامي بالغ الأهميّة. صرخت في وجوههم صرخة أبديّة:
- ماذا سوف تقولون لربّكم وأنتم لا تنصرون من انتصر لمسجدكم الاقصى وبعد أن صارت ذكراي قلبا ينبض في صدره بالحريّة؟
" ردّوا عليّ بعجز وكسل وخبل:
- نحن نعاني من ظروف قاسية ومأساويّة وجبريّة مثلنا مثل بقيّة الدول العربيّة.
" قلت لهم:
- لذات السبب هو أنكم لا تستمعون لنداء الأقصى وصوت الحريّة، تريدونها هزيلة وشكليّة. ذوقوا مرارة المذلّة والركوع لما تسمّونها ظروفا مأساوية.
وفرّت الذكرى من ديارهم دون أن تلامس قلوبا خاوية ومخزيّة، فهي حرّة لا تنزل إلا في بلاد التوحيد والحريّة.
ثم طارت الذكرى لبلاد خليجيّة فوجدت من يقول عنها أنها بدعة وفريّة، وفي ذات الوقت ترى في التطبيع مع المحتل المجرم قمّة الفهم ومن متطلبات الأفكار العصريّة والواقعيّة. وفوق هذا تفتح حدودها وطرقها وموانئها لحركة التجارة والبضائع الإسرائيلية، سألت متطفلة عن السبب فقالوا دون حياء أو وجل: هناك دولة آثمة عربيّة قد ضيّقت الخناق على هذه الدولة الفتيّة، عرفت أنها اليمن الأبيّة فيمّمت شطرها مسرعة قبل أن تقتلني رائحة العمالة الغبيّة.
في اليمن وما أدراك ما اليمن، وجدت من يقيم ذكراي على الطريقة اليمنية الثوريّة، وجدت القدس نبض قلوبهم والاقصى لا يغيب عن عيونهم، ووجدت الإرادة الحرّة تتجيّش وتصطفّ بكل ما تملك من قوّة وشهامة ونخوة إسلامية عربيّة، ووجدت أفكاري حيّة ناريّة وقد شكّلت منها صواريخ بلاستية وطائرات عمودية ومسيّرات فولاذيّة، وجدتها قد رفعت راية غزّة الأبيّة وسخّرت أذرعها البحرية لتطارد كلّ سفينة تحمل للمجرمين أية بضاعة تجاريّة. وجدت شعبها يخرج بمسيرات مليونية ويتحرّق على نصرة توصل إلى سجدة في مسجدي الأقصى ورؤية الأمة وقد تحرّرت من الاحتلال.
أعطاني اليمن وشعبه قوّة روحية شجّعتني لأستمر في تطوافي على بلدان عربيّة تجد فيها حريّة عزيزة قويّة، ذهبت شمالا إلى لبنان الأبيّة فوجدت فيها حزب الله وضرباته الصاروخيّة، وجدت جبهة مساندة أرهقت الاحتلال نفسيّا وهجّرت المستوطنات الشمالية وأحدثت إصابات نوعيّة في مقرّاته ومعسكراته وقواعده الاستخبارية، وضعت نفسها على حافّة حرب شاملة وتوسّعت تدريجيّا في ضربها ورهنت جهادها بتوسّع الحرب والعدوان على الشعب الفلسطيني في غزّة الأبيّة. وجدت نفسي هناك أسري حبّا وعشقا في أرواحهم وقد جعلوها على طريق القدس شهيدة وفدائية.
كان تطوافي طويل في عالم عربي بين أصيل أسكن أعماق قلبه وأحرّك إرادته قوّة وعنفوانا، إسراء ومعراجا عمليا يرتقي معرفة وفعلا وجهادا وثورة، ووجدت للأسف الشديد من هم في غابات سوداء لا قدس فيها ولا حرية ولا كرامة ولا حياة بشريّة، وجدت من يعبد آلهة من دون الله ومن يدور في الفلك الأمريكي والإسرائيلي دون خجل ولا وجل ولا أدنى كرامة وطنيّة.
وكان مسك الختام لتطوافي الجميل أن أحطّ رحالي عند خير البشر، رأيت بأمّ عيني أهلي ومن عرفوا قدري وأنزلوني منزل الجود والكرم، أنزلوني دائرة الفعل والفداء وبذلوا كلّ ما بوسعهم، بذلوا الغالي والنفيس، مقاومون وعوا تماما فكرة الاسراء والمعراج وانطلقوا من الفهم والتأمّل إلى التطبيق والعمل، تماما كما فعل صلاح الدين وعمر، علموا أن الأقصى ليس شعارا ولا قصيدة ولا أنشودة ولا حتى عقيدة تنتظر الفرج، أقاموا الأقصى في قلوبهم تربية وروحا وإرادة حتى فاض على جوارحهم وقاموا بكلّ متطلبات التحرير والعمل، حتى إذا استوى على سوقه وأخرج كلّ ما في قدراتهم من خبرة وإبداع وقوّة وشجاعة وفداء وتضحية ويقين وإيمان وأمل، فاض طوفانا أسموه بطوفان الأقصى الذي أخذ بطريقه كل عوائق وحواجز الطغيان وسوء العاقبة والفشل. ها أنا ذا فكرة حيّة تسعى، تجاهد وتصبر وتصابر وترابط مقاومة فذّة شجاعة أرت الله ما تصنع، الإرادة الحرّة التي كان نبضها وما زال وقودا لها الاسراء والمعراج فكرة وأعظم المثابرة والجهاد والعمل. لكم الله يا أسود الحق والاقصى، يا جند قيامة الامّة وإعادتي إسراءً عمليا للأقصى ومعراجا لسماء أمّة مجيدة فتح لها القرآن أبواب السماء وخلافة الأرض وإصلاح أحوال البشر.
ختمت ذكرى الاسراء والمعراج تطوافها في غزّة ثم نظرت إلى من حولها من شعوب ودول نائمة لتقول لها: لقد توّجت غزة سيدة للأمم، لتقود قيامة الأمة ونهضتها من جديد، ولتقود منظومة القيم الإنسانية الرشيدة، بعد أن انهارت بما ضحّت وأنجزت منظومة قيم دول الاستكبار والشرّ العالمية، لقد أقمت نموذجا عالميا لكلّ من أراد نصرة حقيقية للقدس والقضيّة.