أجواء من عدم الثقة الأمنية المتبادلة بين مصر وإسرائيل
معتز خليل
مساء أمس الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر استضافت القناه ١٤ الإسرائيلية المقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وزير الخارجية إيلي كوهين ، والذي قال نصا في رسالة ضمنية للكثير من الأطراف أن إسرائيل ستقوم بالسيطرة على محور فيلادلفيا بهدف
ضمان عدم وجود أي عمليات تهريب للسلاح من مصر إلى غزة مرة أخرى .
كوهين ،الذي يتجنب عدم الدخول إلى أي نقاشات حساسة، قال للقناة أيضا : "رأينا إنه وعلى مدار السنوات الماضية كانت هناك عمليات تهريب من مصر لغزة وهذا واضح وإلا لما وصلنا إلى هذا الوضع"
في الحوار الذي تواجد فيه كوهين كان يتواجد أيضا يعقوب بيردوغو وهو من المقربين من رئيس الوزراء نتنياهو والذي سأله... لماذا لم نحاسب المصريين؟
وقد تهرب كوهين من هذا السؤال مشيرا فقط إلى أن مصر لها مصلحة في آن تتمتع المنطقة بالاستقرار
حديث كوهين يأتي في ظل:
1-حديث مماثل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطورة الأزمة الحالية وضرورة السيطرة على منطقة محور فيلادلفيا
2-حديث مماثل أدلى بها السياسي الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي هاجم مصر أيضا بقوة.
3- أجواء من التقديرات الأمنية لبعض من الأجهزة الإسرائيلية التي اتهمت مصر أو، بالأصح جهات من مصر بدعم حماس لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية من وراء السابع من أكتوبر الماضي
أحد هذه التقديرات قال أن مصر ترغب دوما في وضع قطاع غزة تحت حكم طرف معارض أو لا يحبذ الانضمام للوحدة الفلسطينية ، وهو ما سيحقق مكاسب للقاهرة سياسيا وأمنيا ضد السلطة في بعض الأحيان وضد إسرائيل في كثير من الأحيان
تقدير موقف
من هنا بات من الواضح أن حديث نتنياهو وكوهين ومعهما أفيجدور ليبرمان له بعض من الأبعاد السياسية ومنها:
1-اقتناع بعض من الجهات في الحكومة الإسرائيلية بأن مصر أو بالأصح جهات من مصر كانت تعلم تفاصيل ما سيتم في السابع من أكتوبر الماضي
2-منذ السابع من أكتوبر حتى الآن بات واضحا أن هناك حالة عدم الثقة الأمنية بين مصر وإسرائيل ، وهي الحالة التي تصاعدت مع الاستماع لاعترافات عناصر حماس أو المواطنين الفلسطينيين ممن تم إلقاء القبض عليهم والذي قال بعضهم أن هناك جهات من مصر كانت تساعد حماس على الحصول على السلاح المطلوب(بعض من هذه الاعترافات تم حجبها بسبب حساسيتها)
3- سمحت إسرائيل للقوات المسلحة المصرية بتعديل استراتيجيتها العسكرية في سيناء ، بصورة يمكن أن تخالف اتفاقيات كامب ديفيد للسلام بين الدولتين ، وهو ما أعترف به الرئيس المصري عبد الفتاح في بعض المناسبات من تعديل عمليات التحرك العسكري المصري في سيناء وفقا لاتفاق مع إسرائيل (من هنا كانت تعليقات بعض من القيادات العسكرية الإسرائيلية مع تعليقها على التطورات الأمنية وتحليل مسار عملية طوفان الأقصى والأسلحة والدراجات النارية "موتوسيكلات" استخدمتها عناصر حماس في الهجوم على مدن غلاف غزة....هل هذا جزاء إسرائيل من تعاونها مع المصريين؟)
4- الكثير من مصائر الأمور وتطوراتها في غزة تخضع وبصورة تلقائية للرقابة والفحص ورد الفعل السريع من القاهرة ، وهذه معلومة أمنية تؤمن بها إسرائيل وقياداتها الأمر الذي دفع بإسرائيل إلى تنظيم هذا الحوار المرتفع مع مصر الآن .
5- بالطبع تعرف إسرائيل أهمية العلاقات مع القاهرة في هذه الفترة الحساسة ، إلا أن الحكومة الحالية تهدف للقيام ببعض من الخطوات ومنها:
أ- ضبط منطقة الحدود مع مصر بصورة تجعل إسرائيل هي المسيطرة على التحركات هناك
ب- إعادة ترتيب الوضع الأمني في هذه المنطقة الحدودية ، وهو هدف إسرائيلي معلن منذ قيام مجند مصري بقتل ٣ من العسكريين الإسرائيليين منذ عدة أشهر
ت- هناك حالة من عدم الثقة الأمنية بين مصر وإسرائيل ، وهي الحالة التي تتزايد في ظل التطورات الحاصلة على الساحة الآن.
غير آن السؤال الدقيق حاليا: هل يمكن أن توافق القاهرة على قيام إسرائيل بهذه الخطوات الأمنية في ظل الأزمات التي تتعرض لها المنطقة؟
سؤال في منتهى الدقة ، خاصة وأنه يأتي في ذروة:
1- الحديث عن إعادة ترتيب قطاع غزة أمنيا وعودة ترتيب وضع المنطقة من جديد
2-حتى الآن لا يوجد صيغة مقبولة واستراتيجية لوضع غزة ، الأمر الذي يزيد من حساسية التعاطي المصري مع أي خطوة تقوم بها إسرائيل في هذا الصدد.
صورة مستقبلية
من الواضح أن إسرائيل لم تقوم بهذه الخطوة المتمثلة في الدعوة لإعادة ترتيب وبناء الوضع الأمني في منطقة الحدود مع مصر إلا عقب استشارة الولايات المتحدة أو بعض من الجهات الأمنية بها ، وهو الأمر الذي بات واضحا في ظل التفاعلات السياسية الحاصلة على الساحة، ويفرض هذا الكثير من الضغوط على مصر حاليا ، خاصة مع معرفة القاهرة وأدراكها بأن العالم أو بالأصح الحكومات الدولية غالبيتها متعاطف مع إسرائيل الآن، وهو ما يفرض على مصر مراعاته.
عموما تظل مصر رقما صعبا واستراتيجيا دقيقا لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهله ، غير أن تداعيات التغيرات الناجمة عن عملية السابع من أكتوبر سيفتح الباب نحو الكثير من التغيرات ، التي ربما تروق لمصر أو لا في ظل هذه الأزمة الاستراتيجية التي تعيشها المنطقة.