إسرائيل وتركيا في غزة: صراع نفوذ ومساومات إقليمية

الكاتب: أمير مخول

أكتوبر 28, 2025 - 09:56
إسرائيل وتركيا في غزة: صراع نفوذ ومساومات إقليمية

الكاتب: أمير مخول

اعترضت الحكومة الإسرائيلية على قيام تركيا بإرسال آليات ضخمة ومتطورة للتفتيش عن جثث المحتجزين الإسرائيليين القتلى في غزة. كما أعربت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن رفضها فكرة مشاركة تركيا في إعادة إعمار القطاع والإشراف الأمني على تنفيذ خطة ترامب، فيما أكدت إدارة ترامب أن هناك دورًا لتركيا في هذا الإطار.

في المقابل، صرّح الرئيس التركي رجب أردوغان وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز بأن تركيا ستراقب عن كثب تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وستشارك في إنفاذه وإعادة إعمار القطاع، بما في ذلك تقديم المساعدات، وتسيير دوريات أمنية، ومراقبة الحدود. وأكد وزير الخارجية التركي حقان فيدان أن تركيا ساهمت في الإشراف على وقف إطلاق النار الأولي، كما أعرب المسؤولون الأتراك عن استعدادهم لتقديم خبراتهم المكتسبة من "مهام السلام" السابقة.

قراءة تحليلية:

تبدو الإدارة الأمريكية مصممة على تطبيق خطة ترامب بكل مراحلها، بحيث تشكل أهداف الخطة المرجعية لكل سياساتها. في المقابل، يتسع النقاش الإسرائيلي الداخلي حول مدى تبعية الدولة للقرار الأمريكي، إلى درجة توحي بأن نتنياهو مضطر للاختيار بين التبعية للقرار الأمريكي أو التحالف مع شركائه من الصهيونية الدينية، لا سيما بعد تصريح بن غفير الموجه لإدارة ترامب ونتنياهو بأن "دولة إسرائيل ليست دولة تبعية للولايات المتحدة".

في هذا السياق، حاول نتنياهو رسم خطوط حمراء تتعلق بالموقف من تركيا خلال لقائه مع كل من نائب الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية، فيما بدا رد روبيو متفهمًا لتخوفات إسرائيل دون التنازل عن الدور التركي في تنفيذ خطة ترامب.

الموقف الإسرائيلي الرافض للدور التركي في غزة:

وفق تقرير معاريف (26/10)، تبرر إسرائيل موقفها بعدة نقاط:

- الخشية من أن يكون هدف تركيا دعم بقاء حماس وليس تفكيكها، وفق ما صرح الوزير عميحاي شيكلي: "تركيا تدعم حماس. إنها معادلة بسيطة للغاية".

- مخاوف من وقوع اشتباكات عرضية بين الجنود الإسرائيليين والأتراك في غزة، مستذكرين حادثة أسطول الحرية عام 2010، التي قُتل فيها تسعة ناشطين أتراك على متن سفينة مرمرة.

- رغبة تركيا في تعزيز مكانة أردوغان على الساحة الدولية والمحلية، وتأمين دور لشركات البناء التركية.

إضافة لذلك، يعود الاعتراض الإسرائيلي إلى انتقادات أردوغان لإسرائيل أثناء الحرب، واصفًا إياها بالإبادة الجماعية، ومقارنًا نتنياهو بهتلر، وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية. بينما تعتبر إسرائيل حماس منظمة إرهابية، ترى تركيا أنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين.

رفض إسرائيلي ام ابتزاز:

المسببات المذكورة قائمة، لكنها ليست حاسمة في الموقف الإسرائيلي؛ إذ يشكك بعض المراقبين فيما إذا كان الاعتراض الإسرائيلي على الدور التركي اعتراضًا مبدئيًا أم وسيلة للابتزاز في ملفات أخرى. على الرغم من التوترات الحالية، حافظت العلاقات الإسرائيلية–التركية على مستوى عالٍ من التعاون في العقدين الأخيرين، فيما أن الحرب على غزة جعلت الوضع الأكثر توترًا منذ سنوات، مع التنويه الى التزام تركيا بخطة ترامب كدولة ضامنة مع مصر وقطر.

تخشى إسرائيل من سياسة الولايات المتحدة التي تهدف إلى تنويع الحلفاء في المنطقة وعدم ربط تحالفاتها بالكامل بالعلاقة مع تل أبيب، وهو ما ظهر في العلاقة مع دول الخليج ومصر وتركيا، وحتى إدماج حلفاء جدد مثل أذربيجان وباكستان، بما يتجاوز غزة وفلسطين.

تعتبر إسرائيل أن الملف السوري له تداعيات مباشرة على لبنان، بما في ذلك نزع سلاح حزب الله وتقليص النفوذ الإيراني، فيما تختلف أولوياتها بشأن غزة، حيث أذعنت إسرائيل للموقف الأمريكي وأصبحت خطة ترامب ملزمة لها. بعد قبول استمرار النظام السوري ولو مؤقتًا، تسعى إسرائيل إلى تقاسم النفوذ مع تركيا في مناطق استراتيجية تشمل جنوب سوريا، الحدود اللبنانية، وإقليم السويداء، إلى جانب السيطرة على المجال الجوي السوري ضد إيران.

من وجهة النظر الإسرائيلية، رفض أي دور تركي حاسم في غزة لا يعني الرفض المطلق، بل يمثل موقفًا للمساومة، بحيث قد يُسمح لتركيا بدور محدود في القطاع مقابل تنازل في الملف السوري، وقد تتفهم واشنطن هذه المقايضة.

في سياق الدور المصري تدفع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الحكومة للاعتماد على الدور المصري في الجوانب الأمنية وإعادة الإعمار، لكن حكومة نتنياهو تخشى مصر بسبب وزنها الأمني وتأثيرها على القضية الفلسطينية، إذ تسعى مصر لربط غزة بالضفة الغربية أمنياً وحكومياً، في حين ترى أصوات إسرائيلية أن إبقاء حماس ضعيفة يخدم التدخل الإسرائيلي الدائم.

المخاوف الإسرائيلية الأخرى وهي خشية إسرائيل من منح تركيا موطئ قدم على سواحل البحر المتوسط، مما يعزز دورها كمنافس في المنطقة، خصوصًا على موارد الغاز الطبيعي البحرية.

للخلاصة؛ فإن الرفض الإسرائيلي للدور التركي المدعوم أمريكيًا في غزة يبدو مسعى للابتزاز والمقايضة بين الملفين الفلسطيني والسوري. بالاضافة فإن إسرائيل ليست معنية بدور تركي أو مصري حاسم في غزة، ويستمر النقاش حول صيغة السيطرة المناسبة: دور تركي محدود مع إبقاء حماس ضعيفة أم إعادة السلطة الفلسطينية بشكل أمني وإداري.

وإذ تصرّ الإدارة الأمريكية على إنجاز خطة ترامب بالكامل، وقد تتجاوز اعتراضات إسرائيل المرحلية في حال تم التقدم نحو المرحلة الثانية من الخطة ونزع سلاح حماس وتنازلها عن السلطة. فيما ان الخشية الاسرائيلية وفقا لاعتباراتها هي من موطئ قدم تركي جديد على المتوسط وتأثيره على الغاز الطبيعي وموقع إسرائيل الاستراتيجي.

بالرغم من التزام إسرائيل الرسمي بتنفيذ خطة ترامب، إلا أنها في المقابل تحتفظ بحرية المناورة في الملفات السورية واللبنانية وهو ما لا يبدو متوفرا لها في غزة.

*مركز تقدم للسياسات