هل من حلّ للقضية الفلسطينية؟

مايو 4, 2025 - 08:27
هل من حلّ للقضية الفلسطينية؟

جواد العناني

مَن يتابع تطوّرات القضية الفلسطينية، ويستمع إلى القنوات العربية والدولية، يرى أن تبايناً كبيراً في الأراء يدور حول احتمالية مآلاتها، وجزء من هذا الغموض يعود إلى تضارب القوى وتقاربها، بحيث يصعب تحديد الاتجاه الذي يمكن أن تأخذه، وكذلك فإن الجانب الآخر (وهو إسرائيل) يسعى لإقناع نفسه والآخرين أنه هو الذي خرج منتصراً من الحروب المتتالية، خاصة في غزة والضفة الغربية المحتلّتَين.

أما الدول العربية فأكاد أجزم أنها كلّها تريد أن ترى القضية قد حلّت، وأنّ سلاماً دائماً قد وصل إليه العرب والفلسطينيون مع الإسرائيليين، لكنّ تصوراتهم والسيناريوهات التي يتبنونها تختلف من دولة إلى أخرى. ولا شك أنّ كل الدول العربية تسعى لكي تخصّص مواردها للتنمية وإعادة الهيكلة والحماية الاجتماعية بدلاً من الحروب، وهذا يشمل أغنى الدول العربية في منطقة الخليج وأفقر الدول العربية في جناحيه الأفريقيَين شرق القارة وغربها، ولا يستثنى من هذه الأماني بالحل الدائم في فلسطين لا أكثر الدول بعداً عن بؤرة الصراع ولا أقربها كالأردن ومصر وسورية ولبنان، وهذه الدول هي الأكثر تأثراً بنتائج الحرب أو السلام في فلسطين.

ولذلك علينا أن نثير السؤال التالي: ما هي الخطوات الأساسية المطلوبة لكي نصل إلى مرحلة تفاوضية جادة تفضي في نهاية المطاف إلى جدول الإجراءات المطلوب تنفيذها من كلا الجانبين؛ الفلسطيني والإسرائيلي (معظمها مطلوب من إسرائيل) لكي نصل إلى ذلك الأفق الذي يفتح بوابة الأمل بحل معقول يعطي الشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة على أرضٍ له كامل السيادة عليها، وقابلة للحياة والنماء.

أولاً؛ وبعد أن قاربت حرب غزة على أن تضع أوزارها، فمن الواضح أن المقاتلين والمقاومة ليسوا هم الجهة التي يجب أن تمارس التفاوض، وفي رأيي فإنّ هذه الفصائل يجب أن تحتفظ بعقيدتها القتالية تحسباً لظرف قد تفشل فيه المفاوضات، ويعود الجيش الإسرائيلي لممارسة دوره الشرير الذي شهده العالم حياً على شاشات التلفزة منذ حوالى 19 شهراً، واستكمالاً لهذه النقطة لا بدّ أن يتولى التفاوض وفد متمرّس في هذا الأمر، ومعه فريق من الباحثين والمستشارين من بينهم ممثلون عن الأردن ومصر، أما حماس فتبدأ أيضاً في إعداد نفسها لتصبح منظمة غير حكومية تشارك في الانتخابات، وتسعى لأن يكون لها في المستقبل دور مشارك في الحكومات وإدارة الدولة العتيدة.

وأما النقطة الثانية المطلوبة فهي إعادة هيكلة السلطة الوطنية، وبناء منظومة لها قادرة على أن تشارك في إدارة الدولة بالتمتع بالسيادة وبالولاية العامة، وقد اتخذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أواخر الأسبوع الماضي قراراً طال انتظاره، وجاء بعد ضغوط كثيرة وهو تعيين نائب الرئيس وهو حسين الشيخ السياسي أو البراغماتيكي كما يسميه البعض، وإن كان بعض النقد وُجِّه إليه بسبب طرقه الميكافيلية -كما يقولون- في إدارة شؤون البلاد والعباد، لكنّنا لسنا هنا بصدد تحليل حسين الشيخ بل بصدد تعيينه ليكون الرئيس القادم بعد الرئيس محمود عباس.

هذه هي الخطوة الأولى، التي يجب أن يتبعها خطوات، وأهمها عملية ربط قطاع غزة بالضفة الغربية بوصفهما وحدةً واحدةً، وجميع رجالات السلطة مصممون على هذا الأمر، ولكن لا أحد يُبدي أي مخاوف منها. وقد تذكرت هذا الأمر حين كنت أشاهد برنامجاً لإحدى القنوات الفضائية الإخبارية العربية وهي تجري مقابلة مع الرئيس البنغالي د.محمد يونس زميلي في الدراسة بجامعة (فاندريلت) بالولايات المتحدة، وأذكر أنه لما كان يهتف داخل الجامعة آنذاك مرحّباً بانسحاب بنغلادش من الوحدة مع باكستان -صحتُ عليه مؤنباً أنّه انفصاليّ-، ونحن نتذكّر أن غرب باكستان (باكستان حالياً) وشرق باكستان (بنغلادش حالياً) كانتا مفصولتين عن بعضهما البعض بأراضٍ هندية. وهذا أمر محتمل الحصول مستقبلاً إذا لم ترتبط غزة بالضفة ارتباطاً وثيقاً دون تحكم إسرائيل بها، أو أن تكون المعابر الإسرائيلية هي الطريق الوحيد الواصل بين جناحَي الدولة الفلسطينية المنتظرة، ولعل هذا يتطلب العبور من خلال الأردن إلى سيناء وغزة، والأفضل أن يكون سكة حديد.

أما الخطوة الثالثة فهي التفكير في مشروع إعادة بناء غزة، وبعض المناطق في الضفة الغربية حيث ارتكبت إسرائيل الكثير من أعمال التدمير والهدم والإرهاب الممنهج، ما أدى إلى تدهور البنى التحتية والبنى الفوقية، وإضعاف كثير من المرافق العامة في قطاعات المياه والكهرباء والاتصالات، وهذا أمر يجب أن يتعهد بتمويله كثير من دول العالم؛ لأنها سكتت على الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وسكتت عن الأعمال الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل في فلسطين.

والخطوة الرابعة الضرورية في هذه المنطقة هي التفكير في جعل إسرائيل جزءاً من الشرق الأوسط، ولكن كثيراً من المحلّلين لا يرون في كلمة الشرق الأوسط أي معنى محدد، وفي رأي الأمير الحسن بن طلال وهو المفكر والمبادر، أن مصطلح الشرق الأوسط أو الشرق الأدنى (كباقي المسميات البريطانية) لا تعطي الدول العربية هوية قارّيّة (Continental Identity)، ومع أنه يرى أن مصطلحاً مثل (MENA) له بعد قاري محصور في أفريقيا، إلّا أنه ينكر هوية الدول العربية في غرب آسيا، ولذلك فهو من المؤمنين أن مصطلح (وانا) أو غرب آسيا وشمال أفريقيا، (West Asia and North Africa WANA) هو المصطلح الأفضل. وبالنسبة إلى الشرق العربي، فهو يرى أنه مكوّن من العرب والفرس والكرد والترك، ويمكن أن نضيف إليه مستقبلاً مصطلح اليهود.

ولكي نصل إلى تلك الخطوات المتقدمة، فعلى الوطن العربي أن يحدد موقفاً متماسكاً يصرّ فيه على ضرورة أن يكون الحل للصراع العربي الإسرائيلي مجسداً للحل الذي قبِل به العرب عام 2002 في قمة بيروت بلبنان، وأن عليهم جميعاً أن يتحملوا مسؤولية التمسك بهذا الأمر، وألّا يدخلوا في أي اتفاقات مع إسرائيل حتى تقبل بحل الدولتَين على أساس المبادرة العربية، التي هي متطابقة مع قرارَي مجلس الأمن 242 و338 عام 1967، اللذين قبلت بهما الدول العظمى، ولم يقم أي منها بالتصويت ضده.

ومن بعد أن يوقع الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي جدول الأعمال هذا، يُمنح الطرفان خمس سنوات لتنفيذ الخطوات المطلوبة من انسحاب إسرائيلي من الأراضي التي احتلتها وأقامت عليها مستعمرات وكيبوتسات زراعية وتعيدها إلى أصحابها سواء كانت للحكومة أو للأهالي. وبانتهاء السنوات الخمس تكون الدول العربية قد اعترفت كلّها بإسرائيل، ومن بعدها الدول الإسلامية وتفتح معها علاقات رسمية وتجارية وغيرها. ويوضع ضمن هذا الإطار ميثاق سلوكي خلقي يتقيّد به الجانبان بألّا يتخذ أي منهما أي إجراءات قد تمسّ كرامة الطرف الآخر أو مقدساته ومثله العليا، وتتعهد الدول الكبرى وتضمن قيام إسرائيل بتنفيذ كل القرارات التي التزمت بها، وكذلك الدول العربية خاصة الموقعة لمعاهدات سلام مع إسرائيل.

إذا تمكن العرب بإصرارهم وبموقفهم الموحد من الوصول إلى اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل، في نهاية العام 2030 أو 2031، فإنّ الوقت سيكون معهم لكي يُعيدوا هيكلة اقتصادهم وينجزوا المشروعات والقرارات الإنتاجية والتوزيعية التي تساهم مساهمة قوية ومباشرة في تنمية اقتصاداتهم، وتعزيز إنتاجيتها، وتأكيد تنافسيتها ما يغنيهم عن النفط في حدود العام 2040، أو عندما يتحول النفط والغاز الطبيعي من المصادر الأساسية للطاقة إلى مواد خام مختلفة تدخل في صناعة البتروكيماويات التي ربما يستمر استخدامها حتى نهاية القرن الحادي والعشرين.

وهكذا يكون العرب قد حققوا حلمهم في تنمية اقتصاداتهم بعيداً عن الوقود الحفوري (الصخر الزيتي أو النفط الخام أو الغاز)، بواسطة الفوائض التي يحققونها من بيع هذه المواد في المدى القريب. وسوف يقومون بذلك بكل كفاءة لو أنّ العرب بدأوا من الآن في تحسين علاقاتهم الداخلية، وإعادة هيكلة المؤسّسات العربية المشتركة الآيل معظمها، إن لم يكن كلّها، للسقوط حتى تصبح هذه المؤسسات أكثر فاعلية، خاصة في التصدي للمشكلات العربية المشتركة، وحل القضايا الفاصلة بين الدول العربية، وفي تحقيق التعاون المستمر فيما بينهم، وبدون ذلك؛ فإنّ مستقبلهم لن يكون براقاً والسّلام مع إسرائيل سيعني سيطرة الاقتصاد الإسرائيلي على القرارات العربية، وهذا أمر لا يرضاه أيّ أحد من أيّ أحد آخر. واسألوا ترامب عن ذلك إن كنتم ترغبون.