زيارة الألف مؤثر.. بين تسويق الرواية والهروب من الحقيقة

د. صبري صيدم

ديسمبر 8, 2025 - 08:29
زيارة الألف مؤثر.. بين تسويق الرواية والهروب من الحقيقة

د. صبري صيدم

يأتي استيراد ما يقارب من ألف شخصية من المؤثرين الرقميين والقيادات الدينية إلى دولة الاحتلال اليوم وفي توقيت شديد الحساسية والبشاعة، بغرض الانتصار للاحتلال الإسرائيلي على ضحاياه، وذلك بهدف إعادة تشكيل الوعي العالمي تجاه ما يحدث في فلسطين، لتُخاض حرب الرواية بلا هوادة وبكل السبل المتاحة، ليس على خلفية الانتصار للحقيقة، وإنما على خلفية البحث عن سبيل واضح  لوأدها.
هذه القوافل القادمة من وراء البحار لا تبحث عن الحقيقة، بقدر ما تُستقدم لتكون أداة في ماكينة الدعاية الإسرائيلية، التي لا تكتفي باحتلال الأرض، بل تسعى لاحتلال الوعي أيضاً. وفي خضم هذا النهج، فإن أحداً لا تنطلي عليه حقيقة أن الرواية حين تُصنع في أروقة القوة، تُغلف بقداسة مصطنعة، وتُسوق على أنها الحقيقة المطلقة، فتكسر المكسور وتعدم السبل الآدمية الممكنة لسواد رواية انتصار العدالة وانتفاء مقومات الصراع والحرب.
يجري استدعاء المؤثرين اليوم للقدس، لا لتأمل مشهد الإنسانية المحرومة خلف الجدران والأسلاك الشائكة، بل لاختصار التاريخ في سردية واحدة: إسرائيل الضحية التي تواجه "الشر"، (كما يزعم الاحتلال) هي من تستحق التفهّم والدعم المزعوم. هكذا تُختزل المأساة الفلسطينية، وتُمحى ذاكرة الشعوب، وتُصنع صورة زائفة تُعرض على منصات التواصل كأنها الحقيقة النهائية.
لقد أثبتت التجربة أن الدبلوماسية الروحية حين تُستغل، وبشكل أعمى، لصالح القوة، إنما تتحول إلى سلاح بائس يحاول وبصورة مكثفة أن يؤيد تصدير رواية ممجوجة تُحمّل الفلسطيني مسؤولية معاناته، وتتجاهل الاحتلال، والحصار، والاستيطان، وتهجير العائلات من بيوتها وكل ما جرى في قطاع غزة والقدس وباقي فلسطين من فظائع لا تُنسى وكوارث لا تُمحَى. الأخطر من ذلك أن هذه الجهود برمتها إنما تسعى إلى تحويل العقيدة إلى أداة سياسية، تُعيد تشكيل الرأي العام في الغرب، وتمنح الاحتلال غطاءً أخلاقياً هو في أمسّ الحاجة إليه.
إن الحقيقة لا تُرى من خلف نوافذ الفنادق الفاخرة، ولا تُكتشف في زيارات خاطفة تُدار بوعيٍ إعلامي محكم. الحقيقة تسكن وجوه الأطفال في المخيمات، ودموع الأمهات، وصمود شعب يحلم بحياة طبيعية على أرضه.
الأجدر بهؤلاء الزوار أن يستمعوا لنبض الأرض، لا لصوت السياسة وحدها. ففلسطين لا تحتاج إلى مزيد من الحملات الدعائية، بل إلى عدالة تُعيد الحق لأصحابه. هنا، تبدأ القصة الحقيقية… لا في مقاطع الفيديو القصيرة، بل في التاريخ الطويل لجراحنا المفتوحة التي تحتاج لمن يضمدها لا لمن ينكؤوها.
لذلك، فإن التأثير الأساس لا يمكن أن يكون في غلبة رواية المحتل على من يحتلهم، بل في رد الحقوق إلى أهلها وإنهاء الاحتلال واستقلال فلسطين وانتصار القانون الدولي وقرارات الحق البشري. إن المكابرة في تجنب الحقوق ليست إلا اغتيالاً لتلك العدالة وإهانة لكل الذين وقفوا في كل أرجاء الأرض ينادون وبصوتٍ عالٍ بحرية فلسطين، حرية تأخرت وفعل طال انتظاره وابتسامة تقهقرت، لكن إلى حين.. إلى حين، للحديث بقية!
ملاحظة: يشتمل المقال على بعض مساهمات الذكاء الاصطناعي!
s.saidam@gmail.com