حتى لا تغيب الصورة

فبراير 12, 2024 - 09:47
حتى لا تغيب الصورة

بينما يواصل الاحتلال حربه على غزة، ويواصل عدوانه الآثم، ويرتكب المذابح والمجازر، تقف غزة في وجهه كالعنقاء التي لا يمكن أن تموت، بل تصمد بثبات وتواصل صبرها لتخرج إلى الحياة وتعود مرة أخرى، وتنجو من ويلات الحرب.


غزة التي تحتمل ظروف ومعاناة حرب الإبادة، وتحديات الجوع والقتل والتدمير والهدم، وكل ما حدث ويحدث لها من ويلات، لم تعد تراهن على الصوت الدولي ولا الصوت العربي، وقد واجهت العدوان وحدها طيلة ما مضى، حيث اصطف العالم عاجزًا عن إدخال المساعدات وحتى عجز عن إيصال شربة ماء. فيحق لغزة أن تلومنا وأن تعتب علينا وأن تلعن عجزنا وضعفنا، ولا يحق لنا أن نتركها لتواجه مصيرها المبهم وحدها.


أن تترك غزة لمواجهة مصيرها ما بعد الحرب، أخطر ما يمكن أن ينتظرها، في واقع الخراب الذي حل والكارثة التي حدثت، والدمار الهائل الذي ضربها في كل مفاصل الحياة، وهذا ما لا تقدر عليه وحدها بعد أن تنتهي هذه الحرب.


غزة التي صبرت واستطاعت الصمود وحدها في وجه العدوان خلال أكثر من أربعة أشهر، وهي مستمرة بالثبات، رغم الواقع الصعب والحصار المطبق والخراب الكبير ورغم فصول الحرب المستعرة التي لم تنته، إلا أن الخوف هو أن يعتاد البعض على الصورة، فتتضاءل قوة التضامن وتتراجع عمليات الدعم والمناصرة، وهذا الفتور مخيف في ظل استمرار الحرب والعدوان، وفي ظل استعداد الاحتلال لاجتياح دموي لرفح. كما وأن الأمر الذي يخيف أكثر هو أن تدخل غزة المصير المبهم، كلما تراجعت صورتها في الأخبار ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وكلما تراخى البعض وتراجع حظها في الحضور.


يبدو أن بعض الفضائيات عن قصد بدأت تغيّب غزة شيئًا فشيئًا عن ذلك الحضور القوي، عبر هوائها المفتوح الذي كانت عليه خلال الأشهر الماضية، وفي ظل عدم وقف الحرب والعدوان فإن الصورة بدأت تضعف، ومع استمراره وتواصل عمليات الإبادة الجماعية تتراجع الأقلام وتتوقف بعض الفضائيات عن التغطية الشاملة، وتصبح الأخبار أقل، وهذا يجعلنا نشكك في حسن النوايا التي تعمل عليها بعض الفضائيات.


غزة اليوم أقل حضورًا في فضاء الإعلام المفتوح، المرئي والمسموع، وفي عديد من المحطات التي لم تعد تُسخّر الساعات بالبث المباشر من الميدان عبر شبكة مراسلين كانت تصل في بعض الأحيان عشرة على شاشة واحدة. فماذا حدث لتبدو الصورة أقل حضورًا؟


تراجع حضور غزة ليس من باب الصدفة، وليس لأن العدوان توقف، أو أن المقاومة انتهت، أو أن الاحتلال تراجع وانسحب، ولكن يبدو أن لدى البعض سياسة جديدة تجاه غزة، وهذا خطر وجب الالتفات إليه، مع ضرورة عدم التراخي والفتور في ظل استمرار الحرب والعدوان، وهذا واجب لا يسقط، ولا بد أن تبقى غزة حاضرة كل الوقت وأن لا تغيب أو تُغيّب، عن قصد أو من دون قصد.