تعفّن الدماغ الرقمي.. الوجه الجديد لاضطرابات السوشال ميديا

صدقي أبوضهير: باحث ومستشار بالإعلام والتسويق الرقمي

نوفمبر 30, 2025 - 09:37
تعفّن الدماغ الرقمي.. الوجه الجديد لاضطرابات السوشال ميديا

صدقي أبوضهير: باحث ومستشار بالإعلام والتسويق الرقمي

تشهد دول العالم ارتفاعًا ملحوظًا في اضطرابات الانتباه والقلق بين المستخدمين الشباب، تزامنًا مع الانتشار الهائل لتطبيقات المقاطع السريعة مثل تيك توك والريلز. هذا التحوّل دفع باحثين في جامعة أكسفورد إلى طرح مصطلح جديد يُعرف باسم "تعفّن الدماغ- Brain Rot"، لوصف التدهور المعرفي الناتج عن الاستهلاك المكثف للمحتوى القصير.

المصطلح لا يشير إلى مرض عضوي، بل إلى حالة يفقد فيها الدماغ قدرته الطبيعية على التركيز لفترات طويلة، نتيجة الاعتماد المستمر على جرعات الدوبامين السريعة التي تمنحها المقاطع القصيرة. وتشير بيانات أكسفورد إلى انخفاض يصل إلى 20% في قدرة التركيز لدى المستخدمين المفرطين في مشاهدة الفيديوهات السريعة.

 

اضطرابات نفسية جديدة

أصبحت منصّات السوشال ميديا تنتج أنماطًا من السلوك لم تكن موجودة سابقًا، أبرزها:

•   اضطراب الانتباه الرقمي: ظهور نمط تشتّت سريع يجعل المستخدم عاجزًا عن متابعة محتوى يتجاوز ثوانٍ معدودة.

•   إدمان التمرير اللانهائي: حيث يتحوّل تمرير الإصبع إلى سلوك قهري مرتبط بالمكافأة الفورية.

•   تضخم المقارنة الاجتماعية: ما يزيد مشاعر القلق وعدم الرضا لدى الشباب والمراهقين.

وتُظهر دراسات جامعة سان دييغو أن الإنسان يعالج يوميًا عبر السوشال ميديا كمية معلومات تعادل 34 غيغابايت، ما يرهق الذاكرة العاملة ويؤثر على الاستقرار النفسي.

هذا الفائض الضخم من البيانات يدفع الدماغ للعمل في حالة ضغط مستمر، ويقلّل قدرته على الفرز بين المهم وغير المهم.

ومع الوقت، يصبح العقل أقل قدرة على التركيز واتخاذ القرارات، وأكثر ميلاً للإجهاد والانفعالات السريعة.

 

التأثير على الأطفال والمراهقين

الفئات الأصغر سنًا هي الأكثر تأثرًا، إذ تتراجع لديهم مهارات الانتباه طويل المدى، وتنخفض القدرة على التخيل، وترتفع معدلات القلق والاكتئاب بشكل متسارع مرتبط بالاستخدام المكثف للمحتوى السريع.

كما تشير بيانات حديثة إلى تدنّي القدرة على التعلم العميق وحلّ المشكلات بسبب الاعتماد على التحفيز البصري السهل.

وتزداد خطورة الأمر مع غياب الرقابة الأبوية، ما يجعل الدماغ في عمر النمو أكثر قابلية للتأثر والتشويه المعرفي.هل يمكن عكس هذه الحالة؟

تشير المعطيات إلى أن التأثير قابل للعكس إذا تم تخفيض مدة الاستخدام، والعودة تدريجيًا إلى أنشطة أبطأ مثل القراءة والاستماع للمحتوى الطويل، إضافة إلى تعزيز التواصل الاجتماعي في الواقع.

مصطلح "تعفّن الدماغ" تحوّل إلى إنذار علمي يذكّر بأن المقاطع السريعة لا تسرق الوقت فحسب، بل تغيّر طريقة عمل الدماغ نفسه. وفي ظل هيمنة السوشال ميديا، يصبح الوعي والاستخدام المتوازن ضرورة لحماية القدرات العقلية للأجيال القادمة.

كما تبرز الحاجة إلى تدخلات تربوية وصحية تعيد للأطفال والمراهقين مهارات التركيز المفقودة.

وتحمِل المؤسسات الإعلامية والتكنولوجية مسؤولية مراجعة خوارزمياتها التي تُغذي هذا النمط من الإدمان الرقمي.

ويبقى المستقبل رهين قدرتنا على إعادة التوازن بين التكنولوجيا والإنسان قبل أن يتحوّل الاستهلاك السريع إلى نمط تفكير دائم.