بصرااااحة

بقلم سعدات عمر

نوفمبر 8, 2025 - 08:10
بصرااااحة

ليست مهمة سهلة أن يُطلب من المرء الكتابة عن أبي عمار على صفحات الكتب والمجلات والصحف أن يُكتب عن سيرة حياة كاملة من الكفاح من الجهد الفكري والعملي الثوري الفاعل الذي بذله أبو عمار لشق الطريق نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. أن يُكتب عن سيرة حياة كاملة بما حوته من صور وملاحم نضالية صنعها شعبنا الفلسطيني وثورته وأسهم أبو عمار بقسطها الوافر في ذلك وعكسها جهراً وسراً وضمناً بحثاً ودرساً وعلاقات، واستنباطاً في سائر ميادين الحياة الفلسطينية.
كانت عوامل الجنوح واردة وهي مُغرية وكثيرة لا مجال لاخفائها أو نُكرانها فأبو عمار كان يحمل في دقات قلبه شيئاً منا شيئاً عنا شيئاً لنا نحن الشعب العربي الفلسطيني نحن جماهير حركة التحرر العربية نحن الأحزاب القومية والوطنية نحن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج الذين نُحب ونحلم ونناضل ونتوق إلى الوحدة والنصر والغاء الحدود وتظل إلى جانب ذلك أجواء الرهبة مُسيطرة خٍشية أن لا يخط القلم للتاريخ حقاً ومكانة شرعيين اكتسبهما بما قَدَّمَ في غمرة صراعه لٍكبحٍ جٍماح العاطفة مدحاً أشار رفاق درب أبي عمار والأصدقاء والنُقَّاد السياسيون والزعماء الثوريون حتى الأعداء في معرض تقييمه بأنه مراحل نُهوض إشراقاً وقوةً رغم مراحل الهبوط الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية وهم في هذا الحُكم لا شَكَّ محقون ومهما كانت طبيعة الاجتهادات والتقييم لٍتتابع المراحل في الحقبة الثورية فإن عناصر رئيسية مُحددة هي أساس قوتها الحقيقية ظلت مُلازمة لٍنهجها العام على مدى سيرة حياته كلها فالسمة الأساسية لنهج أبو عمار هو تماسٍّهٍ بالحدث بالحركة الحية للمجتمع الفلسطيني. رغم كل هذا الحب لفلسطين ولشعبها وكل هذه التضحيات لٍبيتٍ المقدس وأكناف بيت المقدس والآهات شهيداً شهيداً شهيداً لم تشفع لفلسطين وحدتها فأصبحت عين جالوت وحطين شاهدتين على وحدة المصير والمجزرة في آن واحد فكان الزلزال الأسود في العام 2007 هذا الزلزال الذي أرادت منه حماس أن يُفسر بصيغة تجهيل الفاعل وإجراء محاولات مُثابرة لكي تفرض على جماهير شعبنا الفلسطيني والعربي القناعة بأن هذا الزلزال بالرغم من سلخه قطاع غزة عن الأصل عن الوطن عن الشرعية الفلسطينية بطريقة بشعة وشنيعة هو زلزال المُعجزات الخَيٍّرة قد تُشَكٍّل كما في الأساطير بفعل روح غير مرئية وعزوا حدوث الزلزال الجغرافي والسياسي الدموي بعوامل وأسباب سياسية تطرح الصيغ العامة المبهمة عن إحتمال تفجُّر الصراعات الفلسطينية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات أو صراع القوى الإسرائيلية على العودة لاحتلال قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية ودون نسيان وتآمر الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع استبعاد يكاد يكون كُلٍّيَّاً للبحث في العوامل والأسباب الفلسطينية الداخلية أو في دور القوة الشٍّريرَة التنفيذية ولو من قبيل تفسير حالة الإستعداد المُسبق لدى تلك الفئة، والسلطة الفلسطينية الشرعية لتلقي فعل العوامل الخارجية والاستجابة إليها سلباً أم إيجاباً. في الحقيقة إن هذه الصيغة الجديدة السياسية كانت آنذاك لتجهيل الفاعل ويُقصد بها التعمية وإخفاء المسؤولية عن الفئات والقوى المحلية الفلسطينية والإقليمية التي تسببت عملياً في كل ما يُعانيه شعبنا الفلسطيني من مآسي الحصار والقتل والاجرام والتدمير حتى تدمير قطاع غزة بالكامل بعد الاجتياح في 2024/10/8 والتهديد والوعيد بالمزيد، وإذا كان البعض من قادة الفصائل الفلسطينية قد سقط مع قادة حماس في لعبة تفسير البدء بنقطة ليست هي نقطة البدء الحقيقية أو بعوامل ليست هي العوامل الأساسية لم يستوعب هول الأزمة ولم يستطع الإستمرار في تحمل ضغط الأزمة الطاحنة المُتمادية فأخذ يسعى إلى مخرج وإلى صياغة حلول بعيداً عن العوامل الواقعية التي تخلق بتوازناتها في كل لحظة في كل مرحلة الحالة السياسية الملموسة وترسم اتجاهات تطورها فهو ما يزال تحت تأثير مخاوف وعوامل أيديولوجية ومنها بشكل خاص التأثيرات الديماغوجية التي تكونت جميعاً  في سياق تطور تاريخي معروف وبالتالي كان لديه نوع من الإستعداد الضمني إلى درجة ما لٍتَقَبُّل التفسيرات عن أسباب تدهور وتفحير الوضع لإلقاء المسؤولية على الاخرين، وعلى النقيض من التفسيرات الضبابية وإسناد هذه التفسيرات بوقائع غير صحيحة من التاريخ مُجتزأة اعتباطياً ومشوهاً نستلهم لقيادة حماس في الوطن وقطر وتركيا وبريطانيا تسليم أنفسهم للسلطة الفلسطينية الشرعية على ما سببوه من ارباك في الساحة الفلسطينية على التخريب والدمار الصهيوني اللذان بتجاوزان الصعيد المادي إلى ما يهدد مصير فلسطين والقضية بالزوال نستلهم الله لهم جلاء الغشاوة عن عيونهم وأن يهديهم إلى سرعة تسليم أنفسهم للعدالة الفلسطينية لما فيه خير وصالح شعبنا الفلسطيني. إذن فالسمة الأساسية لنهج أبو عمار هو تماسه بالحدث بالحركة الحية للمجتمع الفلسطيني لكن هذا التعاطي مع الحدث لم يكن تعاطياً مع الحدث الآني المباشر بل مع الحدث الذي يحمل دلالة ثورية إجتماعية سياسية ويكون مؤشر تَوجُّه في هذه العملية الثورية الإجتماعية السياسية وبالتالي يُصبح الموضوع جدٍّيَّاً وحقلاً لأعمال الفكر والبحث والثورة والدولة والاستقلال من أجل كشف جوهره وتناقضاته الداخلية. أثره وعلاقاته وتسليط الضوء على ظواهره وتجلياته واستشفاف عناصر التحريك الداخلي والخارجي وتحديد إتجاه حركة الشعب الفلسطيني ومثل هذا الجهد الفكري والمعرفي الثوري لأبي عمار وحده يستطيع أن يُسهم في تقديم الأساس لاستنتاج مواد ومبادئ الخطة العملية للنشاط الوحدوي الوطني متوافقة مع ضرورات ومتطلبات حركة المجتمع الفلسطيني الموضوعية بيد أنه لا بد من الاشارة إلى سمة الواقعية الصارمة هذه التي لازمت نهج أبي عمار باستمرار لم تكن واقعية محايدة تكتفي برصد الأحداث وتحليلها وتفسيرها من موقع ما فوق المجتمع الفلسطيني لتكون في أفضل الاحتمالات تتبعاً لسير الحركة العفوية في مجتمعنا الفلسطيني. بالعكس لقد حرص أبو عمار باستمرار وبإصرار ليس فقط على تجذير وتعميق صلته بالمجتمع الفلسطيني والعربي والدولي بل كذلك على تحديد موقعه ودوره فيه ففي هذا المجتمع الذي هو جزء منه ككل إلتزم أبو عمار وانحاز بصراحة ووضوح باستقامة إلى جانب التقدم والتحرر والوحدة الفلسطينية بمعناها الواسع السياسي والإقتصادي والإجتماعي والفكري إلى جانب الديمقراطية إلى جانب التحويل الثوري منطمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية الوطنية وهذا الإلتزام وهذا الانحياز هما تعبير عن الإلتزام والانحياز الأساسي شعبنا الفلسطيني إلى أناس العمل وانطلاقاً من موقع المسؤولية المبدئية الذي حكم مسار ونهج أبو عمار تجددت السمة الثالثة وهي هاجس التكامل والشمولية فيما يعتنقه ليُقدم في صور فكرية مكثفة في مختلف جوانب التضحية والنضال على جميع الصُعد والسعي إلى تأطيرها من خلال ترابطها وتناقضها في إطار لوحة  فلسطينية وطنية موحدة وبحكم هذه السمات وبحكم الإنطلاق من المسؤولية تجاه قضية شعبنا الفلسطيني بأكمله وطنياً وقومياً وبحكم الهاجس الدائم إلى الشمولية والتكامل في النضال كان أبو عمار دائماً رائداً لجميع الفصائل والتيارات والأفكار وبذلك لم يكن رغم انتمائه أيديولوجياً وسياسياً إلى حركة فتح لم يكن فئوياً بل إطاراً يعكس كل غٍنىً وتنوع وتفاعل ابداعات الثورة الفلسطينية المعاصرة والفئات الإجتماعية والقوى والتيارات السياسية التي تضمهم موضوعياً وعاطفياً بالقوة أو بالفعل الجبهة العريضة الوطنية المُوحدة للوصول بشعبنا الفلسطيني إلى بر الأمان، وتمر حوالي ثمانية عقود والحرب الصهيونية تدور على الأرض الفلسطينية وتطحن القيم المادية والمعنوية تسحق الإنسان الفلسطيني تُسقٍط مئات الألوف من الضحايا في الداخل والشتات وتأتي المُعجزة من نبراس أبو عمار ومن على منبر الأمم المتحدة وعلى لسان الرئيس أبو مازن رجل المواقف ليزلزلها تحت أقدام وفكر الصهيونية دولة فلسطينية مستقلة إلى طريق الوحدة والبناء لإبعاد الكارثة الإنسانية الإقتصادية والإجتماعية عن طريق الهلاك وتهديد فلسطين والقضية.