فلسطين بين الواقعية والرمزية

الكاتب: معمر العويوي

أكتوبر 28, 2025 - 09:53
فلسطين بين الواقعية والرمزية

الكاتب: معمر العويوي

ينقسم الشارع الفلسطيني مجددًا حول ما أُعلن و ما يُتداول عن إمكانية تولي السيد حسين الشيخ رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية في حال شغور منصب الرئيس.

انقسامٌ يعكس في جوهره أزمة الثقة العميقة بين الشارع والنظام السياسي، لكنه في الوقت ذاته يعيد فتح النقاش حول سؤال جوهري:

كيف يمكن للفلسطينيين أن يضمنوا استمرار مؤسساتهم الوطنية دون انزلاق نحو الفراغ أو الفوضى؟

الآراء المؤيدة ترى أن المرحلة الراهنة لا تحتمل الفراغ ولا المغامرة.
فالنظام السياسي الفلسطيني يواجه تحديات غير مسبوقة: احتلال متغول، ومخططات ضمّ، وانقسام داخلي طال أمده، ومجتمع دولي بالكاد يلتفت إلى معاناة الشعب الفلسطيني.

وفي ظل هذا الواقع، يعتقد المؤيدون أن اختيار شخصية تمتلك الخبرة السياسية، والعلاقات الدولية، والقدرة على إدارة المرحلة الانتقالية هو خيار ضروري، وأن حسين الشيخ أحد الأسماء التي يمكن أن تؤدي هذا الدور بقدر من الاتزان والمسؤولية.

في المقابل، يرى المعارضون أن هذا التعيين ليس مجرد إجراء إداري، بل خطوة سياسية ذات دلالات أعمق.

فمنهم من يعتبر أن اختيار حسين الشيخ يمثل استمرارية للنهج القائم دون مراجعة أو إصلاح حقيقي، ومنهم من يقرأه كـ محاولة استباقية لإقصاء رموز وطنية بارزة من المشهد المستقبلي، وعلى رأسهم الأسير مروان البرغوثي، الذي يرى فيه كثيرون شخصية قادرة على تجديد الشرعية، وبناء جسر بين الشارع والقيادة، واستعادة روح الوحدة الوطنية.

وبهذا المعنى، يخشى هؤلاء أن يكون القرار موجّهًا ضد احتمالات التغيير والإصلاح من الداخل، أكثر مما هو استعداد لمرحلة انتقالية وطنية جامعة.

لكن، ما بين الرأيين، تبقى الحقيقة المؤلمة أن الفراغ السياسي هو الخطر الأكبر على القضية الفلسطينية.
فغياب القيادة أو انقسامها في هذه اللحظة الدقيقة قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية، أو صراع داخلي يبدد ما تبقّى من كيان وطني موحد.
ومن هنا، يصبح السؤال الأهم ليس من يتولى المنصب؟ بل كيف نحافظ على النظام السياسي من الانهيار؟

المنطق الوطني السليم يقتضي أن يكون أي انتقال للسلطة منظمًا، محسوبًا، وبإجماع وطني قدر الإمكان، يحافظ على استقرار المؤسسات ويمنع الانزلاق نحو المجهول.
وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى تعيين حسين الشيخ — إن تم — كخطوة مؤقتة لضمان الاستمرارية، شريطة أن تُفتح بعدها بوابات الإصلاح، والحوار، والتجديد السياسي.

إن الشعب الفلسطيني الذي صمد في وجه الاحتلال والانقسام، يستحق قيادة قادرة على احتواء الاختلاف، وتوحيد الجهود، وإعادة الثقة بالشرعية الوطنية.
فالقضية لم تعد تحتمل مزيدًا من التصدع، ولا مجال للمكابرة أو الإقصاء، لأن الخاسر في النهاية ليس فصيلًا ولا شخصًا، بل فلسطين نفسها.

في النهاية، يبقى الأمل أن يُدار هذا الملف بعقل دولة لا بعقل فصيل، وبروح وطنية لا بمنطق الغلبة.
فمن يُمسك بمفاتيح القرار الفلسطيني اليوم، عليه أن يتذكر أن الشعب يريد من يقوده لا من يحكمه، ومن يوحده لا من يضيف إلى انقسامه صدعًا جديدًا.