“حين يكتب نافذ الرفاعي، تصحو اللغة وتعرّي العالم
بقلم :فراس الطيراوي
“حين يكتب نافذ الرفاعي، تصحو اللغة وتعرّي العالم
بقلم :فراس الطيراوي
قرأت اليوم مقالة اخي وصديقي الأديب الكبير نافذ الرفاعي" ابو العبد " “اليهودية آرنت وغزة ومروان”، فشعرت أن اللغة استعادت معناها بعد أن أرهقها ضجيج المحللين وضوضاء المنتصرين والمهزومين معًا.
الرفاعي لا يكتب عن الحرب كحدث، بل كجرح في الوعي الإنساني، كاختبارٍ أخلاقيٍّ يفرز البشر بين من يرى في الدم حياةً، ومن يرى في الحياة طريقًا لكرامةٍ تستحقّ الدم.
يأخذنا من بين الركام إلى جوهر السؤال: كيف نقرأ الحرب؟ لا من بيانات العسكر ولا من شاشات الوعّاظ، بل من عيون الناجين، ومن أنين مدينةٍ ترفض أن تموت رغم أنقاضها.
في استحضاره لـحنا آرنت، يواجه الرفاعي العالم المرائي الذي يبرر القتل باسم “الأمن”، ويعيد تعريف “تفاهة الشر” في زمن باتت فيه واشنطن وتل أبيب تمارسانه بأحدث أدوات التكنولوجيا وأبرد لغات السياسة.
ثم يمدّ الجسر إلى مانديلا ومروان البرغوثي، فيضع أمامنا مرآة التاريخ: لن ينجو القاتل من دنسه إلا إذا أنجب من صفوفه من يملك شجاعة الاعتراف، من يفتح باب السجن لا ليهرب، بل ليفكّ الأصفاد عن الحرية ذاتها.
في هذا النص تتجلّى غزة كضمير البشرية، لا كجغرافيا محاصرة بل كبركانٍ أخلاقيّ يفضح العالم. إن ما يسقط في غزة ليس الحجر وحده، بل وهم التفوّق الأخلاقي للغرب، ووهم الخلود لدولةٍ بُنيت على المقابر.
هذه المقالة ليست رأيًا عابرًا، بل بيان وعيٍ في وجه الصمت العالمي، ودعوة لأن نقرأ الحرب من عين من احترق ولم يحنِ رأسه.
فغزة كما يلمّح الرفاعي لا تنتظر شفقة العالم، بل نهوض الأمة، ولا تسأل العالم عن عدله، بل تسأله: هل بقي فيكم إنسان؟
وهذه المقالة
"اليهودية آرنت وغزة ومروان" كما يكتب
نافذ الرفاعي
من أين أقرأ حرب غزة وأنا منغمس ما بين التحليلات والتأويلات، ما بين محتفل بالنصر ومصدوم بالهزيمة، ما بين فرح بالنجاة وباك على الضحايا، ما بين ثنايا الركام ومشاهدة الحبيبة والتي أدمتها الحرب، لقد أصابني الصمم من التحليلات السياسية المنحازة للحرب والمتنافضة مع العدو والصديق، وكان نقاش بيني وبين إحدى الناجيات من الحرب، والتي ترقد في مستشفى الشفاء وأنا رسول الحب بينها وبين حبيبها والذي يقطع الفيافي أملا أن يصل اليها على درب العاشق المتسلل الى غزة.
ارشدتني لقراءة المشهد من زوايا مختلفة اجتماعية ونفسية وفلسفية وفكرية، أن أرى الحرب من زاوية أخرى ليس من جعبة المنتصر ولا من خندق المهزوم.
حاولت مطولا قراءة دور الحرب في تحقيق النهوض الإنساني، واستعراض نتائج الحروب التي قرأت عنها، ولم يكن السابع من اكتوبر أقل أثرا، أو شأنا.
حالما تضع الحرب أوزارها؛ يضحي من الضرورة التخطيط الاستراتيجي الممزوج بالأحلام الكبرى، لكي تنتقل من سلوك القطيع إلى النظام القيمي للسلوك، ومعرفة عدوك جيدا وتداعيات ما نتج عن عدوانه، واستقراء العلم والوعي للحد الفاصل ما بين السقوط والركوع والقفز نحو النهوض والتقدم .
وعليه في قراءتي لهذه الحرب الإبادة من خلال هذا المنظور التاريخي والعلمي والفلسفي والنفسي، استحضر (مانديلا) الذي وضع نهاية للنظام العنصري في جنوب افريقيا، استطاع أن يهز أعماق العنصريين الاستعلائيين رغم أسلحتهم النووية واستحواذهم على الاقتصاد واستعباد السود واطلاق مسمى الزنوج واحتقارهم.
استطاع هؤلاء المقهورون الانتصار على الطغاة البيض العنصريين، وحسموا الحرب أدراكيا، حولوهم الى مطاردين أمام محاكم العدالة في أصقاع الأرض، ليواجهوا العالم ويتبرأ منهم الغرب ويبيعهم بأبخس الأثمان سريعا.
سارع زعيمهم( دي كليرك) بالذهاب إلى السجن ليفك اصفاد مانديلا، بعدما أدرك أن خلاصهم من عار العنصرية لن يكون إلا على يد هذا الأسطورة.
حالما وضعت الحرب أوزارها، يدفن الفلسطينون مواتهاهم ويرممون مشاعرهم ويستعرضون الإبادة العنصرية، ليس أمامهم سوى خيار الحياة.
يستعرض الإسرائيلي حربه وجنون طائراته وقنابله التي كسرت حلمه الاستعلائي والعنصري، يهتز هذا المجتمع المنهار أمام انكساره ومطاردة جنرالاته أمام المحاكم الدولية،.يزيل القناع عن دعوات وهم دولته المزعومة من النيل والفرات، يذوي هذا الحلم على أشلاء غزة المحاصرة والفقيرة والمهدمة للحسم الإدراكي.
في دولة الاحتلال يستحثون عمن يملك شجاعة دي كليرك ويذهب إلى السجن ويفك اصفاد مروان البرغوثي، للنجاة من مستقبل عار العنصرية الذي لن يغسله الدم والقتل والقنابل والطائرات، بل موسوم على درب السلام وليس الأشلاء.
في وصيته قبل هزيعه الاخير ،كتب صنو جيفارا الفلسطيني بيده المقطوعة وجمر عينيه اغنية ستغنيها الأجيال.
في طريق العابثين والقواليين الذين صموا اسماعنا بنصائح باردة كجلودهم، وتحليلهم أن هذه هزيمة أو انتصار، وتفذلكوا أكثر من رداءتهم، وعلينا أن نقف اليوم ليس أمام جدل باهت، بل نقرأ التداعيات للغد وللنهوض.
توقف الحواويط عن الجدل البيزنطي حول الفوز والهزيمة وأيهم المنتصر وأيهم الصامت العاقل، ومن هو المغامر، ومن أثار جنون الفاشي في القتل والدمار،
كما تقول الباحثة اليهودية (حنا آرنت) التي تعرضت للتعذيب في معسكرات الاوشفيتز النازية وهي تتساءل في محاكمة مجرم الحرب (أيخمان)، استنتجت نظرية تفاهة الشر، وعليه سيستيقظ الف آرنت ليتفقهوا في حرب الإبادة العنصرية في غزة ومقاضاة مجرمي الحرب ودعاة التلذذ بقتل الأطفال واغتصاب السجناء، وستكتب أن أي منهم شرير سخيف متعصب، وستكشف أن بايدن وبلينكن اسخف من السخف معهم حكام الغرب المتلذذين بقتل الاطفال والابرياء بذخائرهم.
ما فعلته هذه الحرب واستخدام العلم والفلسفة وعلم النفس وعلم الجريمة في إثارة الأسئلة، التي يكشف عنها وزن القنابل والتعطيش والتجويع وتدمير المستشفيات والحرمان من الكهرباء وحرق الخيام وتدمير المخابز، وتؤرخ أن (سديه تايمان) أيقونة البطش والتعذيب وإدخال الهواتف النقالة في خلفيات المعتقلين ليتمتعوا برنينه.
لن تشفع لهم اليهودية الإنسانة (راشيل كوري) التي نهشت جرافة المحتل صدرها وهي تدافع عن غزة، سيكون نداء عظيم من يهود يعلنون البراءة من مجرمي الحرب الصهاينة، يترافعون مع هند رجب لإدانة من قتل الاطفال والابرياء.
هل تعلمتم الدرس؟
وهل سيأتي من يحمل مفاتيح السجن ويفك أصفاد مروان البرغوثي معلنا أن عصر الحروب والموت والعنصريين والمهوسيين بالقتل الى زوال على درب مانديلا المبعوث الفلسطيني.
يعبر مع عائدي المنافي الطوعية والجبرية، الى مشفى المعمداني ، يزيلون ركام بقية المشافي أملا في شفاء المنطقة من الحروب والموت والدمار.





