خطة ترامب صفقة أم مقايضة

مُنال زيدان كاتب وانشط مجتمعي

أكتوبر 22, 2025 - 14:42
خطة ترامب صفقة أم مقايضة

خطة ترامب صفقة أم مقايضة

بعد سنتين من الحرب على غزة والسابع من اكتوبر ينقسم الشارع من المنتصر إسرائيل أم المقاومة وكأن أكثر من سبعين الف شهيد و25 الف جريح مبتوري الأطراف واكثر 180 الف مصاب وجريح مجرد أرقام هامشية نهيك عن تدمير كامل لتسعين بالمئة من القطاع تدمير كلي ولم يعد القطاع صالح للعيش بشريا او زراعيا أو تجاريا .

في المقابل كانت إسرائيل ورغم تفوقها المطلق عسكريا وامنيا واستخبارتيا مع دعم مطلق من دول الغرب لم تستطع أن تحسم المعركة وخسرتها بامتياز اعلاميا ودبلوماسيا واقتصاديا نهيك عن الخسائر البشرية وما رافق هذه الحرب من هجرة الشباب الاسرائيلي للخارج بلا عودة حسب التقارير الاعلامية الاسرائيلية وتفكك الجبهة الاسرائيلية الداخلية ولولا الدعم العسكري الامريكي والاوروبي والعربي أيضا لخسرت عسكريا .

سنتين لم تحقق اسرائيل أي هدف بالقوة فلم تستطع أن تخرج رهينة واحدة ولم تسحق وتنهي المقاومة ولم تستطع تهجير الفلسطينين ورغم ما مرت به غزة من تعب وانهاك وموت ودمار ومجاعة لم تنكسر ولم تستسلم وبالمقابل خلقت وعي جديد في جيل لطالما كان متضامن ومؤمن بإسرائيل فقلبت الطاولة راسا على عقب وكسرة الهوة بين الممكن والمحظور كنقد إسرائيل ومعادة السامية وجردتهم اخلاقيا وانسانيا وقانونيا ولاول مرة رغم المحظور في المس بإسرائيل تحكم محكمة الجنايات الدولية ضد رئيس وزرائها ورئيس اركانها كمجرمي حر وتصدر قرار باعتقالهم وخسرت الجامعات ونبذت رياضيا وادبيا وفنيا واقتصاديا وحتى الشركات الداعمة لها خسرت خسائر فاضحة ومعظمها اغلق مئات المقرات بسبب المقاطعة  وخسرت الراي العام العالمي نهيك عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الداخلية والأهم اصبح شعار الحرية لفلسطين ترند الراي العام العالمي في كل عواصم العالم اصبحت القضية الفلسطينية في اعلى سلم واولوية في اجندة العالم بعدما كانت مهمشة ومجمدة ومنسية في السياسة الخارجية سواء لدي الدول العظمى صاحبة القرار أو في دهاليز المؤسسات الدولية كمجلس الأمن والامم المتحدة وغيرها.   

لم تتعلم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة طوال عقود من تجارب التاريخ الطويل مع الفلسطينين من الحروب أن السلام لا يمكن تحقيقه بالقوة بل من خلال المفاوضات ولم يفهم أو يتعلم الفلسطينين من تجاربهم السابقة أن ما دفعه الفلسطينيون من اثمان السلام مع الاسرائيلين كان أكثر تكلفة وخسائر من ثمن الحرب والمقاومة ضدها فقامت هذه الحرب في لحظة من التاريخ الطويل الذي همش القضية الفلسطينية التي كانت مجمدة وفي غيبوبة كاملة من النسيان السياسي العالمي وجاء السابع من اكتوبر ليدق ناقوس الخطر ورسالة للعالم مفادها افيقوا فالشعب الفلسطيني ليس مجرد رقم في اجندتكم السياسية والقضية الفلسطينية ليست شعارترفعوه متى شئتم وتسقطوه متى شئتم.

 يجب الإعترف أن السابع من أكتوبر أحيا القضية من حالة الموت السريري الى النهوض بالحق الفلسطيني وحقوق الفلسطينين بالعيش بكرامة وحرية واستقلال وانتزع تائيد عالمي جارف وقلب المعادلة السياسية والاعلامية والراي العام العالمي حتى اصبحت القضية الفلسطينية في قمة اعلى اولويات العالم في عالم لطالما كان المدافع عن اسرائيل اكثر من اسرائيل نفسها والاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية دليل على ضغط الرأي العام العالمي على حكوماته للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ومن بينهم فرنسا وبريطانيا وما يمثله هذا الاعتراف وبالذات من فرنسا وبريطانيا وما له من دلالات سياسية وقانونية ودبلوماسية..

السابع من أكتوبر هو الرصاصة التي شلت الاتفاقيات الابراهيمية وما كان سيكون لو أن السعودية واندونسيا وغيرهم طبعوا ووقعوا اتفاقية سلام مع اسرائيل،.

كشفت غزة عمق عهر العالم ومؤسساته وزيف شعاراته من حرية وحقوق انسان وقوانين دولية مع غياب تام للدول العربية والاسلامية بل الأنكى من كل ذلك دعم بعض الدول العربية لإسرائيل وفتح ممرات برية وبحرية لتغطية احتياجاتهم الاقتصادية والزراعية والعسكرية في الوقت الذي يموت أهل غزة جوعا وعطشا..

كان الفلسطيني ينظر له في الدول الاوروبية على انه ارهابي ودائما تحت المجهر ومنبوذ وبعد سنتين على حرب غزة انقلب السحر على الساحر وصار اليهودي منبوذ والفلسطيني في اعلى قمة من الاحترام والقضية الفلسطينية طاغية على الخطاب السياسي والاقتصادي والفني والادبي والرياضي وغيره حتى في المطاعم وفي الحافلات وفي الشوارع يطرد الاسرائيلي  ويهان والتضامن هز الاعلام الغربي وفرض عليه الاعتراف بالقضية الفلسطينية ومن كان مؤيد لاسرائيل اصبح اكثر شراسة في الهجوم عليها الاعلامي الامريكي تاكر كارلسون وغيره من مؤيدي إسرائيل وبعد سنتين من الحرب على غزة اصبح أشهر الاعلامين يتحدثون بجرئة ضد الكيان الاسرائيلي حتى ذهب البعض لإتهام إسرائيل وراء تفجيرات  الحادي عشر من سبتمر عام 2001 ويتهمون إسرائيل باغتيال تشارلي كيرك الناشط الشبابي والسياسي اليمني المعروف بتائيده المطلق لإسرائيل. ولكنه غير خطابه من مؤيد ومناصر الى رافض لما ترتكبه أسرائيل من ابادة ومجاعة في القطاع وأما المرشح الديمقراطي سيث مولتون فقد قرر إعادة كل اموال حملته الانتخابية التي جمعها عبر لجنة العلاقات الامريكية الإسرائيلية ايباك رفضا للابادة والمجاعة بغزة مما سجل سابقة هزت الشارع الامريكي والاسرائيلي والشواهد كثيرة وتزداد يوميا.  

 حتى باتت اسرائيل تتحدث عن حاجتها لعشرات السنين لمحو صورتها الاجرامية من وجدان وعقول جيل الشباب في عواصم العالم من شرقه الى غربه.

يقول الصحفي الاسرلئيلي جدعون ليفي "أصبحت غزة هيروشيما لكن روحها لا تزال حية كانت القضية الفلسطينية قد اختفت تماما من الاجندة الدولية ولو تحقق السلام مع السعودية لاصبح الفلسطينيون هم الهنود الحمر ثم جاءت الحرب ووضعتهم عل رأس الأجندة العالمية واصبح العالم يحبهم ويشعر بالأسف لأجلهم ولا عزاء لاهل غزة الذين دفعوا ثمنا لا يوصف ولكنهم الان في صدارة العالم".

ولكن ايا يكن من مخرجات هذه الحرب ووقف إطلاق النار وفق الخطة فثمة حلقة مفقودة فلا إسرائيل قادرة على نفي وشطب الشعب الفلسطيني ولا الفلسطينيين قادرين على محو وتدمير دولة الإحتلال الاسرائيلي وصحيح أن الخطة اوقفت النار لكنها لم توقف الحرب ولو وقفت الحرب فهي موقتا أو كما يقولون استراحة المحارب وستبقى شرارة الحرب متقدة ما لم يتم تغير المفاهيم والنظرة ما بين الفلسطيني والاسرائيلي أولا وثانيا ما لم يجلس الطرفان وجها لوجه والتفاوض ،فكل الخطط والمؤتمرات والمقترحات لن تجلب السلام ما دامت تطبخ بدون الفلسطينين والاسرائيلين حتى لو كانت بقرار من مجلس الامن.

السؤال الكبير الان الذي لم يطرحه أحد هل هذه الحرب الدموية تستطيع قلب المفاهيم لدي الشارع الفلسطيني والاسرائيلي وقلب الطاولة على عشرات السنيين من العداء والقتل والدموية على الشعبين وبعد 75 عام من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هل حققت إسرائيل الامن والأمان لشعبها هل حققت السلام مع الشعوب العربية والإسلامية .

والان هل الشارع الفلسطيني والإسرائيلي قادران على إختراق المفاهيم المتطرفة والعنصرية والإحتلالية و يحققان السلام والامن والأمان  للجميع وكفى حروب وقتل ونفي للأخر والدعوة لحل الدولتين حقنا للدماء والاعتراف المتبادل بحق الشعبين العيش بحرية وسلام وازدهار بمعنى كيانين يتعايشان جنبا الى جنب ضمن دولة  للفلسطينين ودولة لاسرائيل أو ضمن دولة واحدة وقانون واحد.

 أعتقد أن الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي قادران على ذلك. فالحل يكمن في الإنفتاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي  فالطريق المؤدي من حاجز قلنديا الى تلأبيب وبين القدس ورام الله اقرب من الطريق المؤدي الى شرم الشيخ والاتفاقيات الابراهيمية او بالاستيطان الذي يفصل الضفة ويأكلها أو مؤتمر هنا وهناك كمؤتمر نيويورك ولقاء باريس فما دام الشعبين على أرض الواقع لا يعترفان بحقوق بعضهما البعض لن يكون هناك سلام اللهم هدنة هنا وهناك واستراحة لبعض الوقت .فتقصير المسافة بينهما أمر ضروري لتحقيق السلام والأمن والأمان..

إسرائيلي جربت السلام مع الاردن ومصر ونجحت لحد كبير جدا في الحفاظ على امنها وامانها واختصرت طريق طويل جدا من الحروب والدماء وطريق السلام الذي مهد لها الكثير من الرفاهية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والامنية ولو أن القيادة واصحاب القرار في اسرائيل تقدموا خطوة نحو السلام مع الفلسطينين لكانت الان تنعم بدولة ذات سيادة وحدود وأمن والفلسطينيون سيكونوا مشغولين ببناء دولتهم  بسلام وأمن وازدهار وكل يوم يمر بلا سلام بين الفلسطينين والاسرائيلين سيكون بمثابة طريق طويل من الالغام وسينفجر في اي لحظة وليس مهم من بدأ بتفجير وزرع الالغام فالطرفين يقفان على نفس المسافة ،فالاسرائيليون غير قادرين على شطب الشعب الفلسطيني وقضيتهم والفلسطينيين غير قادرين على القضاء على الدولة الاسرائيلية والكل يدور في فلك القتل والحروب ولا طريق امامهم غير السلام المبني على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني واقامة دولته جنبا الى جنب إسرائيل وعلى الاسرائيلين إدراك أن الحرب والصراع بيننا لن تحسمه القنابل والطائرات الحربية والقصف والقتل والحصار والضم والتجويع  بل الايمان والقناعات لدى الشارعين أن طريق السلام يتحقق بالمفاوضات والحوار.والانفتاح الاقتصادي والثقافي بين الطرفين.فخطة ترامب لها ايجابية واحدة فقط وهي وقف القتل والمجاعة أما سياسيا فهي خالية من أي حلول تؤدي لحل الدولتين ولا طريق لمفاوضات مستقبلا بين إسرائيل والفلسطينين فمن يتذوق طعم العصي ليس كمن يعدها أو كمن يفرضها فخطة ترامب مبنية عما يريد من ارضاء لغروره وليست خطة مبنية على قرارات الشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بل العكس هي تشطب حل الدولتين ولا توقف ضم الضفة  وبالتالي هي عبارة عن خطة مؤقتة لوقف الحرب أو صفقة سياسية وتجارية تخدم ترامب ولن تحقق السلام هي مقايضة بين امريكا وقطر بدل انتهاك إسرائيل لسيادتها وقصف قيادة حماس على ارض قطر كما حدث بين إسرائيل والاردن عندما حاولت إسرائيل إغتيال مشعل على الاراضي الاردنية فقايض الاردن إسرائيل باللقاح المنقذ لمشعل وإخراج الشيخ احمد ياسبن المؤسس لحماس من السجن وبالتالي ارادت امريكا ان تثبت لقطر أنها غير ضالعة ومتورطة بالقصف الاسرائيلي لسيادتها فاعطتها متنفس من خلال الخطة التي هي خطة مصالح امريكية قطرية عربية مؤقتة لإمتصاص الغضب العربي وخاصة الخليجي وحفاظا على المصالح الامريكية مع دول الخليج .

مُنال زيدان كاتب وانشط مجتمعي

monalzaidan@yahoo.com