خطة ترامب للسلام الاقليمي والتباين في استجابات أطراف المصالح الاخرى

بروفيسور عوض سليمية باحث في العلاقات الدولية

أكتوبر 22, 2025 - 14:33
خطة ترامب للسلام الاقليمي والتباين في استجابات أطراف المصالح الاخرى

خطة ترامب للسلام الاقليمي والتباين في استجابات أطراف المصالح الاخرى

بروفيسور عوض سليمية

باحث في العلاقات الدولية

 

تواجه خطة السلام التي قدمها الرئيس ترامب في المنطقة تحديات كبيرة في تنفيذها، بدأت تظهر مع انطلاق تطبيق المرحلة الأولى من بنودها. من بين أبرز العقبات التي تواجهها هذه الخطة، وفقاً لرؤية حكومة الاحتلال، هو التأخر في تسليم باقي رفاة وجثامين الأسرى الإسرائيليين البالغ عددهم ثمانية وعشرين. هذه الحجة يوظفها نتنياهو ببراعة لتعطيل وعرقلة تنفيذ باقي البنود. من بينها، عدم انتظام فتح المعابر لإدخال المساعدات الاغاثية للمواطنين، الى جانب مواصلة الجيش الاسرائيلي إطلاق النار على المواطنين بحجة الاقتراب من الخط الاصفر – حدود غزة الجديدة، ووصلت ذروتها بتنفيذ عمل عسكري بالطيران الحربي على عشرات الاهداف داخل القطاع بعد مواجهة مسلحة جرت في رفح خلال الاسبوع الماضي.

من تهديداته بفتح ابواب الجحيم الى تفهمه للأوضاع الميدانية المعقدة ومحدودية الامكانيات، تتباين تصريحات الراعي الرسمي لهذه الاتفاقية تبعاً للموقف الى حد التناقض اليومي. من ناحية، يحاول ترامب نشر الامل، ومواصلة التأكيد على متانة الاساس لهذه الخطة وقدرتها على الصمود على الرغم من بعض التجاوزات، ويتفاخر بأنها إنجازاً عظيماً وغير مسبوق تصلح للبناء عليها والتأسيس لسلام اقليمي شامل، كما ويظهر احياناً تفهماً لعدم قدرة حماس على تسليم جثامين الاسرى الاسرائيليين بالنظر الى صعوبة العثور عليها وسط عشرات الاف الاطنان من الركام والدمار. في المقابل، تتغير نبرته بشكل ملحوظ عندما يتعلق الامر بتنفيذ بنود خطته، ويُطلق العنان لتهديداته بسحق حماس إذا لم تلتزم بتنفيذ بنود الاتفاق وان المهلة امامها "صغيرة"؛ أحدث تصريحاته كانت على موقعه الخاص تروث سوشال بتاريخ 21 اكتوبر، قال فيها "لا يزال هناك أمل في أن تفعل حماس الصواب... وإلا، ستكون نهايتها سريعة، وحشية، وقاسية".

رغم هذه التهديدات، أبلغ ترامب "الحلفاء وإسرائيل أن الوقت لم يحن بعد للتدخل عسكريًا ضد حماس في غزة". في الوقت نفسه، يواصل الدفع نحو الانتقال الى بدء تنفيذ بنود المرحلة الثانية من الخطة قبل الانتهاء الكامل من المرحلة الاولى، ووجه نائبه جي دي فانس ومبعوثيه ويتكوف وكوشنير لحث نتنياهو بضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار، لإبقاء الخطة على قيد الحياة والموافقة على الانتقال للمرحلة الثانية، وسط قلق متزايد داخل البيت الابيض من إقدام نتنياهو على انتهاك بنود الخطة من طرف واحد والعودة للحرب. وفي سياق وتيرة التسارع على الارض، تم الاعلان أمس عن افتتاح مقراً للتنسيق والرقابة على عمليات الجيوش متعددة الجنسيات التي يجري النقاش فيها هذه الايام للانتشار في قطاع غزة.

يواجه نتنياهو تحديات معقدة تتراوح بين ضغوطات ترامب مع بعض الخروقات المسموحة امريكياً تحت مسمى الدفاع عن النفس " نقبل دفاعكم عن النفس من أيّ اعتداء في غزة ولكن لن نسمح بتهديد اتفاق وقف إطلاق النار"، ومواقف اليمين المتطرف الضاغطة نحو ضرورة العودة للحرب لاجتثاث حماس وإنهاء حكمها، والا سيتم تفكيك التحالف الحكومي؛ هنا يتنفس نتنياهو برئة واحدة. من ناحية، يحاول اقناع الادارة الامريكية ان حماس قادرة على العثور على جميع جثث الاسرى وإعادتهم دون الحاجة الى معدات ثقيلة ويزعم انها "تحاول خلق أزمة بصورة متعمدة" لتأخير الوصول للمرحلة الثانية، ويظهر إصراراً على عدم الانتقال لبدء تنفيذ بنود المرحلة الثانية ما لم يتم إنجاز بنود الاولى بشكل كامل. عند هذه النقطة، يبدو ان نتنياهو يرسل اشارات للطرفين. لحلفائه المتطرفين، بن غفير وسموترتيش ان العودة للحرب امر وارد بمجرد الانتهاء من تسليم رفاة الاسرى الاسرائيليين، وأنه لن يستسلم للضغوط الامريكية، ويتفاخر امامهم بأنه القى أكثر من 153 طن من المتفجرات على قطاع غزة في اخر خرق لوقف إطلاق النار. بالمقابل، يرسل اشارات للإدارة الامريكية انه ملتزم بالخطة بقدر ما تلتزم بها حماس. بعبارة اخرى، أي خرق للاتفاقية بغض النظر عن شكله او حجمه او من يُنفذه سيواجه برد عسكري قوي، في محاولة منه لترسيخ النموذج اللبناني.

وسط هذا التباين في المواقف بين الحلفاء/ امريكا واسرائيل، يظهر تباين آخر في المواقف: الدول العربية والاسلامية بما فيها الضامنة لوقف إطلاق النار والوسطاء. وفقاً لوسائل اعلام، يحاول فريق اقناع ترامب بالإبقاء على حكم حماس في قطاع غزة بعد إعادة تشكيلها، بحيث يقتصر وجودها على العمل السياسي فقط بعيداً عن استخدام السلاح؛ او على الاقل قبول مشاركتها من خلال أشخاص متعاطفين معها في حكومة التكنوقراط التي نصت عليها خطة ترامب. وهو ما يرفضه نتنياهو. بالمقابل، يطالب فريق آخر بتنفيذ خطة ترامب بجميع مراحلها بما فيها إنهاء حكم حماس في القطاع، والتوجه نحو انشاء حكومة تكنوقراط مستقلة الى حين استكمال الاصلاحات في السلطة الفلسطينية، وبغير ذلك لن يكون هناك أي مساهمة في نشر قوات دولية في القطاع ولن يكون هناك صناديق مالية لإعادة الاعمار، بينما يسعى فريق ثالث الى ايجاد مقاربة في المواقف بين الطرفين تحافظ على السيادة الفلسطينية الكاملة على قطاع غزة.

من ناحيتها، تدعوا السلطة الفلسطينية الى ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار والتمسك به، مع التأكيد على اهمية إلزام نتنياهو بتنفيذ جميع البنود الواردة في المرحلة الاولى لخطة ترامب بما فيها، فتح المعابر بشكل دائم وإدخال المساعدات الاغاثية العاجلة للمواطنين في قطاع غزة دون تأخير، والانسحاب الاسرائيلي الكامل من اراضي القطاع؛ الى جانب الدفع نحو ايجاد مقاربة سياسية في المواقف والخطط تقوم على اساس ان قطاع غزة جزء اصيل من اراضي دولة فلسطين وان السلطة الوطنية الفلسطينية هي صاحبة السيادة عليه، ولا يمكن فصل القطاع عن الضفة الغربية والقدس الشرقية سواء سياسياً او جغرافياً. وفي سياق الحديث عن القوات الدولية، تشدد القيادة الفلسطينية على أن وجود القوات الدولية في قطاع غزة يجب أن يكون مؤقتاً ومرهوناً بتفويض واضح من مجلس الأمن الدولي، بما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة دون المساس بالحقوق السيادية الفلسطينية.

في الوقت الذي يواصل فيه ترامب تكرار رغبته في الانتقال الى المرحلة الثانية من الخطة، وانه قادر على ضبط مفاجآت نتنياهو حتى الان على الاقل، وافتراضه ان اسرائيل تريد السلام، إلا ان رغباته تصطدم بواقع عدم توافر نوايا حسنه في معسكر اليمين المتطرف وسط تزايد دعوات لاستئناف الحرب من جديد. من جهة أخرى، تستمر قيادة حماس في التأكيد على رفضها تسليم سلاحها، وسط غموض يحيط بموقفها حول مستقبل الحكم في القطاع وطبيعة مشاركتها، مع تباين في مواقف بعض الاطراف العربية-الاسلامية. هذه العوامل مجتمعة تجعل احتمالات نجاح خطة ترامب محدودة، خاصة في ظل اعتمادها على ضغوط قد لا تؤدي إلى نتائج مضمونة. ومع الأخذ بعين الاعتبار عدم ضمان تصرفات نتنياهو وسياسات ترامب المتقلبة، يبدو أن الخطر الأكبر الذي يهدد الخطة قد يأتي من قرار ترامب التالي أكثر من مخاطر تباين مواقف باقي الاطراف الاخرى.