حقائق تاريخية - 5 - حل الدولتين
كتب: بلال حمدان

حقائق تاريخية
- 5 -
كتب: بلال حمدان
حل الدولتين
لا يُعتبر حلّ الدولتين إنجازًا لأي دولة أو حزب أو فرد يعيش بيننا اليوم، بل هو الحل الأممي الذي طُرح منذ ثورة 1936، وتبلور بقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947 رقم (181)، والذي رفضه النظام العربي عمومًا، بينما قبله الصهاينة وأعلنوا قيام دولتهم، بل على أكثر مما أعطاهم القرار الأممي.
فالقرار الأممي، الذي صدر في 29 تشرين الثاني سنة 1947 بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين واحتدام الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة، جاء بعد أن رفعت بريطانيا – دولة الانتداب – القضية إلى الأمم المتحدة، فتم تشكيل لجنة سُمّيت (UNSCOP)، حيث أوصت بالتقسيم بعد دراسة شكلية لحلول جاهزة.
مضمون القرار:
1- إنهاء الانتداب البريطاني.
2- تقسيم فلسطين إلى دولتين:
دولة لليهود وتشمل 56% من مساحة فلسطين.
دولة للفلسطينيين وتشمل 43% من مساحة فلسطين التاريخية.
3- الأماكن الدينية (القدس وبيت لحم) وتشمل 1%، توضع تحت وصاية دولية.
كان القرار انتصارًا كبيرًا للصهاينة، فقبلوا به شاكرين، بينما رفض العرب القرار وأعلنوا استعدادهم للحرب لإبطاله.
أما عن سبب الرفض العربي، وبعيدًا عن الافتراضات والمؤامرات والإشاعات، فقد لخّصها المناضل الكبير المرحوم صائب عريقات بقوله:
> "الدول أسرى لمصالحها، والدول مصالح وليست جمعيات خيرية."
فإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كان سينهي الدور الوظيفي لأنظمة قامت أصلًا من أجل هذا الصراع.
أما دولة الخلافة سابقًا (تركيا) التي احتلت فلسطين كإقليم يتبع سيادتها، فكانت ثالث دولة بعد أمريكا وروسيا تعترف بالدولة الجديدة (إسرائيل). ومصالحها مع الغرب عمومًا، ومع أمريكا خصوصًا، الزعيم الجديد للعالم، شكّلت دليلًا قاطعًا على تحوّلها النهائي من الإسلام كدين للدولة إلى العلمانية.
أما روسيا، الدولة الأكثر فرحًا بإقامة وطن لليهود والأكثر معاناة من "المسألة اليهودية"، فقد ابتهج سادتها بالتخلص من عقدة أوروبا ومشكلتها الأكبر عبر قرنين، إضافة إلى مشكلتها الخاصة بوجود أكبر جالية دينية (اليهود) ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي الشيوعي (اللا ديني).
لكن هل قَبِل الفلسطينيون هذه الهزيمة؟ وهل استسلم العرب جميعًا بعد الحرب التي انتهت بنتائج مفجعة سمّاها الفلسطينيون النكبة؟
فقد قامت دولة إسرائيل بلا حدود، وعلى أرض بمساحة 78% من فلسطين، أي بزيادة 22% عما أعطاها القرار الأممي. وتم تهجير غالبية الشعب الفلسطيني، وقُسّمت فلسطين بين:
الدولة الجديدة،
والمملكة المصرية التي اكتفت بإخضاع قطاع غزة لسيطرتها الإدارية والأمنية،
والمملكة الأردنية التي ضمّت الضفة الفلسطينية وأسقطت الهوية الفلسطينية عن سكانها ومنحتهم الهوية الأردنية، بما في ذلك اللاجئون إليها، باستثناء أبناء قطاع غزة.
(فهل لو قَبِل العرب بالقرار، لكانت فلسطين اليوم ضعف مساحتها الجغرافية؟ وما كان تم التهجير للفلسطينيين؟ ولا كانت هناك ازدواجية بالهوية؟ ولا كان هذا الصراع المستمر منذ نكبة 1948؟)
الحاج أمين الحسيني
كان القائد الفلسطيني الأبرز وصاحب المكانة الدينية والعشائرية والوطنية الأكبر في فلسطين، بل فرض نفسه زعيمًا ليس فقط عربيًا، بل دوليًا أيضًا. فأعلن قيام حكومة عموم فلسطين، غير أنّ خصومه العرب أولًا، والإسلاميين والحلفاء ثانيًا، روّجوا أنه كان حليفًا لهتلر، وأنه ساعد في دفع شعوب مسلمة في أوروبا للتحالف معه حين دعاهم للجهاد ضد الحلفاء.
استثمر الصهاينة هذه الإشاعات، وشنّت حكومات عربية ضده حربًا ضروسًا أسفرت عن مقاطعة واسعة للزعيم الفلسطيني الأوحد. فما إن أعلن عن إقامة حكومة عموم فلسطين حتى رُفضت من العالم أجمع، وحتى من دول عربية.
حكومة عموم فلسطين
في أيلول 1948، أعلن مفتي القدس الحاج أمين الحسيني تشكيل حكومة عموم فلسطين، بمبادرة من الهيئة العربية العليا وبدعم من حكومة مصر في قطاع غزة (الأراضي الفلسطينية الوحيدة البعيدة عن المعارك). وكان من أهم أسباب إعلانها:
التأكيد على الهوية الفلسطينية.
منع ضم الأراضي الفلسطينية إلى دول عربية.
تشكيلة الحكومة:
أحمد حلمي عبد الباقي – رئيسًا.
جمال الحسيني – وزيرًا للخارجية.
راغب النشاشيبي – وزير الأوقاف.
محمد علي الطاهر – وزير الإعلام.
أكرم زعيتر – وزيرًا لشؤون فلسطين.
أحمد الشقيري – وزير دولة.
عبد اللطيف صلاح – وزير الداخلية.
أنور نسيبة – وزير الاقتصاد.
سليم عبد الرحمن – وزير المالية.
يوسف الصايغ – وزير الشؤون الاجتماعية والعمل.
إميل الغوري – وزير الزراعة.
عبد الحميد شومان – وزير التموين والتجارة.
أهم إنجازاتها رغم ضعفها:
1- إعلان استقلال فلسطين وإقامة دولة فلسطين العربية.
2- إصدار دستور فلسطيني مؤقت.
3- الإعلان عن علم فلسطين الوطني.
4- إصدار عملة فلسطينية.
5- إصدار هوية وجواز سفر فلسطيني.
لكنها لم تحظَ بسلطة فعلية بسبب:
سيطرة الكيان الصهيوني على معظم فلسطين.
سيطرة الأردن على الضفة الفلسطينية ورفضه الاعتراف بالحكومة الفلسطينية، بل واعتقاله المئات من مؤيديها، ووضع وزرائها المقيمين في الضفة تحت الإقامة الجبرية.
سيطرة مصر إداريًا وأمنيًا على قطاع غزة، مع فرض محاذير مختلفة حدّت من حركة الحكومة ومنعتها من أي قدرات تنفيذية.
وبقيت الحكومة رمزية بلا تحرك فعلي حتى سنة 1956، حين احتل الكيان الصهيوني قطاع غزة خلال العدوان الثلاثي على مصر.
وتبقى هذه التجربة أول محاولة لإقامة دولة فلسطينية، لكنها فشلت بسبب تضارب وجودها مع مصالح دول الإقليم، والخلافات العربية – العربية، والتوازنات والمشاريع التي اتفقت عليها دول الاستعمار (بريطانيا وفرنسا) مع الكيانات العربية الحديثة، خدمةً لمصالحهم وأهدافهم، وفي مقدمتها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
... يتبع