خطاب السيسي في القمة العربية الإسلامية: إعادة تعريف العلاقة المصرية – الإسرائيلية بين ضغط غزة ومعادلة الطاقة
جمال العبادي باحث في العلاقات الدولية

خطاب السيسي في القمة العربية الإسلامية: إعادة تعريف العلاقة المصرية – الإسرائيلية بين ضغط غزة ومعادلة الطاقة
جمال العبادي باحث في العلاقات الدولية
مقدمة
شكّل خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القمة العربية الإسلامية التي عُقدت مؤخرًا في الدوحة محطة لافتة في مسار السياسة الخارجية المصرية، إذ وصف إسرائيل بأنها "عدو"، وهو توصيف غير مسبوق منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979. لا يمكن التعامل مع هذه العبارة باعتبارها انفعالًا سياسيًا عابرًا، بل هي انعكاس لحالة مركبة من الضغوط الداخلية والخارجية، ترتبط بالسياق الإقليمي المشتعل في غزة، وبالتوترات الاقتصادية الناتجة عن تجميد إسرائيل صفقة غاز ضخمة مع مصر تقدر بـ35 مليار دولار. ومن ثم، فإن الخطاب يعبر عن إعادة تموضع مصري تكتيكي في مواجهة سياسات إسرائيلية متشددة، ويطرح تساؤلات حول حدود التحول في الموقف المصري (وكالة أنباء الشرق الأوسط، 2025
دلالات التوصيف بـ"العدو"
يمثل استخدام مصطلح "العدو" خروجًا عن القاموس السياسي المصري الذي التزم منذ كامب ديفيد خطابًا دبلوماسيًا متوازنًا تجاه إسرائيل. ويمكن قراءة هذا التحول من زاويتين: داخلية وخارجية. على المستوى الداخلي، جاء الخطاب استجابة لضغط شعبي متزايد، خاصة مع تصاعد الغضب جراء حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة، حيث وُجهت للنظام المصري انتقادات بتساهله في إدارة معبر رفح أو بعدم اتخاذ موقف حاسم ضد إسرائيل (بركات، 2024). ومن ثم، فإن الخطاب يسعى لامتصاص الاحتقان وتأكيد أن القاهرة لا تقف على الحياد في مواجهة المذابح.
أما على المستوى الخارجي، فإن الوصف جاء كرسالة سياسية موجهة إلى إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء، تؤكد أن حدود الصبر المصري بدأت تضيق. فمصر، التي راهنت على الحفاظ على شراكة استراتيجية مع تل أبيب، وجدت نفسها في مواجهة سياسات إسرائيلية تهدد مصالحها الاقتصادية وتهمش دورها الإقليمي (International Crisis Group, 2024).
البعد الاقتصادي: تجميد صفقة الغاز
البعد الاقتصادي يحتل موقعًا محوريًا في تفسير التصعيد الخطابي المصري. فقد علّقت إسرائيل المصادقة على صفقة غاز تقدر بـ35 مليار دولار، كانت مصر تعوّل عليها لتعزيز موقعها كمركز إقليمي للطاقة وتصدير الغاز المسال إلى أوروبا. هذا القرار كشف لمصر أن تل أبيب تتعامل معها باعتبارها طرفًا ثانويًا، بل وأداة يمكن الضغط عليها عبر الطاقة (Brookings Institution, 2024). ومن ثم، جاء الخطاب ليعكس استياءً مصريًا من هذه السياسة، خصوصًا في ظل أزمة مالية تعاني منها الدولة المصرية.
البعد الإقليمي: استعادة الدور المصري
على الصعيد الإقليمي، يمثل الخطاب محاولة من القاهرة لإعادة تثبيت نفسها لاعبًا محوريًا في النظام العربي والإسلامي. فقد وجدت مصر نفسها في منافسة مع قوى إقليمية أخرى مثل قطر وتركيا، التي عززت دورها في ملف غزة عبر الوساطات والاتصالات مع الفصائل الفلسطينية (Carnegie Middle East Center, 2023). ومن خلال توصيف إسرائيل كعدو، سعت القاهرة إلى التميز عن مسار التطبيع الذي تسير فيه بعض الدول العربية، بما يمنحها هامشًا أكبر من الشرعية الشعبية والإقليمية.
البعد الدولي: رسائل إلى واشنطن
على المستوى الدولي، أرادت القاهرة أن توجه رسالة إلى واشنطن بأن الاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يتحقق من دون أخذ المصالح المصرية في الاعتبار. فمنذ بداية الحرب، كانت الولايات المتحدة تضغط لتأمين الحدود المصرية –الفلسطينية ومنع تدفق اللاجئين، من دون أن تقدم ضمانات ملموسة للمصالح الاقتصادية والأمنية المصرية (Inbar, 2024). ومن هنا، فإن الخطاب يمكن قراءته كورقة ضغط على واشنطن من أجل تعزيز المساعدات أو ضمان دور مصري مركزي في إدارة مرحلة ما بعد الحرب.
حدود التحول المصري
رغم قوة الخطاب، فإن حدود التحول تظل واضحة. فمصر لن تقدم على القطيعة مع إسرائيل أو نقض معاهدة السلام، نظرًا لاعتمادها على الدعم الأمريكي وعلى التعاون الأمني مع تل أبيب في سيناء (وزارة الخارجية المصرية، 2025). كما أن القاهرة ما تزال ترى في العلاقة مع إسرائيل عنصرًا ضروريًا لحماية استقرارها الداخلي وضمان دورها الإقليمي. ومن ثم، فإن ما حدث أقرب إلى تعديل تكتيكي في اللغة والموقف، يهدف إلى رفع كلفة السياسات الإسرائيلية، أكثر من كونه تحوّلًا استراتيجيًا طويل المدى.
خاتمة
إن توصيف السيسي لإسرائيل بأنها "عدو" يعكس بلا شك تراكمًا من الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية، لكنه في الوقت نفسه يظل محاطًا بحدود واقعية تفرضها اعتبارات مصر الاستراتيجية والإقليمية. وهنا يبرز التساؤل الجوهري: هل يمثل هذا التوصيف بداية لتحول استراتيجي طويل الأمد في السياسة المصرية تجاه إسرائيل، بحيث تنتقل القاهرة من خطاب الشراكة الحذرة إلى لغة العداء الصريح، أم أنه مجرد رد فعل ظرفي فرضته لحظة استثنائية تتعلق بحرب غزة ومعادلة الطاقة في شرق المتوسط؟
قائمة المراجع
بركات، مصطفى. (2024). السياسة الخارجية المصرية بعد 2013: بين التوازنات الإقليمية والتحديات الاقتصادية*. القاهرة: المركز القومي للبحوث.
وكالة أنباء الشرق الأوسط. (2025). نص كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة العربية الإسلامية بالدوحة
وزارة الخارجية المصرية. (2025). بيان حول الموقف المصري من الحرب على غزة القاهرة.
Brookings Institution. (2024). Egypt, Israel, and the Shifting Energy Dynamics in the Eastern Mediterranean. Washington, DC.
Carnegie Middle East Center. (2023). Egypt’s Regional Role and the Gaza War. Beirut.
Inbar, E. (2024). Israel’s Strategic Concerns in the Gaza WaTel Aviv: Institute for National Security Studies (INSS).
International Crisis Group. (2024). Egypt’s Balancing Act in the Gaza Conflict. Brussels: ICG Report.