للتحذير لا للترهيب!

سبتمبر 23, 2025 - 10:03
للتحذير لا للترهيب!

د.صبري صيدم

يقال إن السر إذا جاوز الاثنين ذاع... ومع دخول الإنترنت كطرف ثالث في حياتنا، فإن السر حتماً شاع بموافقتنا وإقرارنا وبعلمنا أحياناً أوبدونه في معظم الأحيان. واليوم ومع دخول التطبيقات على تنوعها، وارتباطها بعالم الذكاء الاصطناعي فالسر حتماً شاع وضاع، بل باع، أو بالأحرى بيع لمالكه الجديد! بعلمنا؟ ربما! لكن على الأغلب بدونه، وذلك بموافقتنا على اقتناء تلك التطبيقات وعدم اكتراثنا بقراءة الشروط المختبئة خلف صفحاتها وملاحقها التي تخفي معظم الشروط المعقدة لاقتنائها وتشغيلها! 

مالك البيانات يعرف مواقعنا ومواهبنا وهواياتنا وأصدقائنا وأقربائنا واهتماماتنا وحتى نوازعنا. يعرف جيراننا وشركاءنا ومركباتنا وطعامنا وشرابنا وحلنا وترحالنا، يعرف ببساطة كل أسرارنا. يبيع البيانات لأغراض عدة منها التسوق والتجسس، ومنها الدعاية والإعلان وتحديد أولويات السوق، ومواقف المجتمع إزاء قضاياه، ومواطن الاهتمام ومواقع الخلل والقائمة تطول. 

شركات كبرى تبيع الأسرار والخصوصيات عبر شركات مستترة ضمن قائمة يتزايد معها عدد اللاعبين في مضمار طويل من الشركاء الذين انخرطوا في جرائم الإبادة في غزة، وجرائم أمنّية في الضفة الغربية وفق تقارير منظمات حقوقية كمنظمة العفو الدولية والتي أشارت إلى تورط شركات مرموقة من دول معادية لفلسطين ودول صديقة لها لعبت دوراً محورياً في تزويد الاحتلال بأدوات مراقبة متقدمة، إضافة إلى مشاركته بيانات حساسة ودخول مستدام إلى خوادم وكاميرات ومواقع ومجموعات للتواصل تعمل عبر منصات الإعلام الاجتماعي. 

الأمر لا يبدو موقفاً سياسياً بقدر ما هو حسابات تجارية وأمنّية، إذ إن هناك دولة تصدر بيانات الشجب والاستنكار ولا تتوانى عن دعم فلسطين في المحافل الدولية لكن شركاتها تمارس دوراً آخراً وهو ما يستوجب التدخل والضغط السياسي لكشف تلك المنظومة. 

لقد تمكن الاحتلال خلال العامين الماضيين من جمع "كنز" هائل من البيانات الأمنية والعسكرية من غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، لتشمل صوراً وفيديوهات ومواد حساسة أخرى. هذه البيانات يمكن أن تتحول إلى سلعة تباع بمبالغ ضخمة أو تُشارك مع شركات تقنية دولية لتطوير منتجاتها الأمنية والعسكرية، في إطار علاقة منفعة متبادلة تأتي على حساب الدم الفلسطيني.

الصورة الأكبر تعكس واقعاً عالمياً قاسياً: أمريكا تبيع الأسلحة، ودول أخرى تبيع التكنولوجيا، بينما لا يهم أيّ منهما من يتعرض للقتل أو القصف، فالأولوية هي العائد الاقتصادي. 

وفي المقابل، تظل الشعوب العربية تتابع المشهد بقدر من العجز الممزوج بالسخرية. المسألة لا تتوقف عند السلاح أو الكاميرات الذكية، بل تتجاوزها إلى سباق كبريات الشركات باتجاه خدمة الاحتلال الإسرائيلي، بما يشمل تطوير أدوات تصنيف وتحليل الأشخاص بناءً على الصور والسمات الشخصية. ويكمن الخطر الحقيقي في أن هذه الأدوات تعتمد على كمّ هائل من البيانات التي يتم جمعها من أجهزتنا اليومية. فكل هاتف ذكي يحتوي على ما يقارب 36 حساساً يلتقط حركاتنا وأفعالنا دون إذن مباشر أحياناً، وبإذن مستتر أحياناً أخرى، لتُخزن هذه البيانات في مستودعات "البيانات الكبرى"، وهو ما يجعلها مادة دسمة للاستخدام ضد أصحابها.

بذلك، يصبح المشهد مزيجاً من تجارة دولية غير أخلاقية، وتواطؤ تقني، وانكشاف شبه كامل لخصوصية البشر، ليدفع الفلسطينيون وغيرهم الثمن الأكبر. 

على العموم، فإن ما ذكرته أعلاه إنما جاء من باب التنبيه لا تخويف الناس ودفعهم نحو النفور من عوالم الانترنت والذكاء الاصطناعي، لذلك سأخصص مقال الأسبوع المقبل لتقديم بعض المقترحات الهادفة لدرئ أكبر قدر من المخاطر. أبقوا آمنين. للحديث بقية!