خطاب سموترش .. تطبيق فعلي لخطة الحسم
تحليل استراتيجي إعداد/ الدكتور حسين سليمان رداد مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

خطاب سموترش .. تطبيق فعلي لخطة الحسم
تحليل استراتيجي
إعداد/ الدكتور حسين سليمان رداد
مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية
الملخص
يأتي خطاب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في سياق متوافق مع أيديولوجيته الحزبية وخطته المعروفة بـ"خطة الحسم" (2017)، والتي تقوم على ضمّ مساحات واسعة من الضفة الغربية، الجديد في خطابه الأخير هو الانتقال من مشاريع جزئية مثل E1 إلى إعلان نية ضم 82% من الضفة الغربية، ما يعني فعليًا إنهاء إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة، وقابلة للحياة ؛ فالاعلان ترافق مع توقيت حساس تزامنًا مع توقعات باعترافات دولية بدولة فلسطين، وهذا الخطاب يعكس توجهًا سياسيًا تكتيكيًا لقطع الطريق على أي مكاسب دبلوماسية فلسطينية.
الردود الفلسطينية الرسمية والفصائلية والشعبية جاءت رافضة بشكل قاطع، واعتباره إعلان حرب يستوجب مواجهة سياسية وميدانية، فدوليًا، أدان الاتحاد الأوروبي والمجموعة الغربية القرار واعتبروه خرقًا للقانون الدولي مع احتمال فرض إجراءات اقتصادية أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. دول الخليج، خصوصًا الإمارات، اعتبرت الضم تجاوزًا لـ"الخطوط الحمراء" ما يهدد اتفاقات أبراهام. أما الولايات المتحدة فتميل للحذر والاكتفاء بالمراقبة عن بعد دون عقوبات جذرية وتشكيل ستار حديدي في مجلس الامن يحمي اسرائيل من خلال استخدام الفيتو لاي قرار يمكن ان يدين اسرائيل، بينما يبقى المسار الأممي والقانوني عبر الجنائية الدولية الأكثر هو واقعية، والاكثر عجزا في نفس الوقت.
المستقبل يطرح ثلاثة سيناريوهات:
1. ضم اسرائيلي محدود عملاني (مرجح) عبر إجراءات قانونية تدريجية .
2. ضم اسرائيلي واسع مباشر (محتمل) قد يصل لمستويات قريبة من 82% لكنه يحمل مخاطر عزلة دبلوماسية وانفجار شعبي.
3. تراجع أو تأجيل اسرائيلي ( متوقع ) بفعل الضغوط الدولية مع استمرار التوسع الاستيطاني عمليًا.
التوصيات الفلسطينية تركز على: تحشيد دبلوماسي دولي، تحركات قانونية عاجلة، حملات إعلامية مؤثرة، بناء تحالفات داعمة، حماية المدنيين، ومنع تسويق منتجات والعمل في المستوطنات .
خطاب سموترش .. تطبيق فعلي لخطة الحسم
مقدمة
يُمثّل إعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن عزمه ضم 82% من أراضي الضفة الغربية تطورًا نوعيًا وخطيرًا في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، إذ يعكس بصورة مباشرة تطبيقًا عمليًا لما يُعرف بـ"خطة الحسم" التي قدّمها عام 2017، والتي تستند إلى فرض السيادة الإسرائيلية على معظم الضفة الغربية وإلغاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي ومقومات بقاء، ويُظهر الخطاب الأخير انتقالًا من مشاريع استيطانية مجزّأة، مثل مشروع E1، إلى إعلان سياسي واسع النطاق يستهدف تفكيك البنية الجغرافية والديمغرافية الفلسطينية وتحويل الدعوات النظرية للضم إلى خطوات سيادية رسمية.
تأتي أهمية هذا الخطاب في توقيته السياسي الدقيق، حيث تزامن مع توقعات باعتراف دولي متزايد بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما يكشف عن محاولة إسرائيلية واعية لإجهاض أي مكاسب دبلوماسية فلسطينية وقطع الطريق أمام مسارات الاعتراف الدولي. إن التدرج الذي سلكه سموتريتش منذ سنوات، عبر الدفع بمشاريع استيطانية متفرقة، وصولًا إلى إعلان ضم نسبة تفوق أربعة أخماس الضفة الغربية، يعكس طبيعة البرنامج الاستيطاني الإسرائيلي القائم على التوسع الممنهج وربط الإجراءات الميدانية بالتصعيد السياسي المدروس.
هذا التطور أثار ردود فعل فلسطينية رافضة بشدة، واعتبر بمثابة إعلان حرب على القضية الفلسطينية، فيما أدانته أطراف دولية وإقليمية باعتباره خرقًا للقانون الدولي وتهديدًا للسلم والاستقرار. وبينما يفتح هذا الخطاب الباب أمام سيناريوهات متعددة تتراوح بين الضم التدريجي المحدود والضم الشامل أو التراجع التكتيكي تحت ضغط دولي، فإن تداعياته تؤكد أن المشروع الاستيطاني يدخل مرحلة جديدة تستدعي من الفلسطينيين والمجتمع الدولي إعادة صياغة استراتيجيات المواجهة.
تشخيص الوضع الراهن
موقف وزير المالية الاسرائيلي سموتريتش يتوائم مع برنامج حزبه الديني المتطرف وهو تطبيق فعلي لخطة الحسم التي اعلنها عام 2017 ، تعبر عنه خطاباته وخطواته السابقة فقد دفع بمشروع [1] E1 ليصبح حقيقة واقعة، فهو دائم الدعوة لضمْ مناطق واسعة من الضفة، والنداءات لضمّ تدريجي أو فرض سيادة، وهذه التصريحات ليست منعزِلة ومفاجئة، بل هي امتداد لمسار محسوب بدأ قبل 2025 [2]، وحتى هذا الخطاب كان تدرّجا تكتيكيا في استراتيجية قديمة تقوم على مساحة اقل لسكان اكثر للفلسطينيين وتطبيقا لمشروع استعماري قديم ( شعب بلا ارض، لأرض بلا شعب)، حيث كان في وقت سابق قد أُعلن عن مشاريع مقطعية مثل E1 ، والملاحظ ان هذا الخطاب يغلب عليه الخطابً السياسي واسع النطاق والذي يعبر عن ترجمة حقيقية من فرض سيادة رسمية وليس تدشين مشاريع بنية تحتية استيطانية تهدف الى تُحوّيل النداءات إلى واقع دائم على الأرض، فلا شك ان هذا الخطاب يختلف عن سابقاته من الخطابات والخطوات وان كان ينسجم مع الموقف الرسمي ل سموترش وتطبيقا لخطة الحسم فالإعلان عن نسبة "82%" والتي يسعى لمضها هي نسبة شاسعة وهي تعني بشكل عمليً تفكيك أي دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا وهذا الخطاب يزيد المبادرات الاستيطانية والادارية والتي تخدم مشروع الضم، حتى لو يتم الضم الكلي والفوري، ومما يعزز فرضية التوقيت السياسي المبرمج ان هذا الخطاب جاء متزامنًا مع اعترافات دولية متوقعة بفلسطين في الجمعية العامة، مما يجعله ردًّا تكتيكياً سياسياً لاستباق نتائج دبلوماسية لصالح الفلسطينيين.[3]
ردود الفعل المتوقعة
1. رد الفعل الفلسطيني رسميًا وشعبيا وفصائليا: فقد تم كان الرفض مطلقا رسميا على اعتبار ان مثل هذا القرار يمثل إعلان حرب على القضية الفلسطينية، حيث دعت السلطة الفلسطينية مجلس الأمن والجمعية العامة لاتخاذ قرارات رادعة حتى لو اضطرت لاستخدام الفصل السابع، والتحذير من انهيار حل الدولتين فيما حذرت الفصائل الفلسطينية من مثل هكذا سياسة منذرة بضرورة مواجهة هذا القرار بكل الوسائل المتاحة، واهمها تصعيد المواجهة شعبيا .
2. الاتحاد الأوروبي والمجموعة الغربية : حظي هذا التصريح بإدانات رسمية، وبيانات تستنكر مثل هذا السلوك معتبرين ان مثل هذا الضم يعتبر خرقًا للقانون الدولي، ومن المتوقع ان تتخذ العديد من الدول الاوروبية إجراءات دبلوماسية كحظر استيراد منتجات من المستوطنات، تجميد تعاون معيّن)؛ فقد سبق ان ادان الاتحاد الأوروبي خطط E1. اضافة الى ان هناك احتمالية ردود صارمة ليس على مستوى التصريحات[4]، ومن المتوقع ان تتخذ اجراءات سياسية من قبيل الاصرار على الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتجميد او تقليص علاقات دبلوماسية نتيجة رد الفعل الاسرائيلي على هذا الاعتراف
3. دول الخليج المنخرطة باتفاقات أبراهام: الإمارات اعلنت أن الضم تعدى "الخطوط الحمراء" التي هزّت قواعد التطبيع خاصة ان الامارات العربية كانت قد بررت عام 2020 اقامة هذه العلاقات بانها تهدف الى منع الضم كليا او جزئيا، ومن المرجح ان تُعيد الامارات تقييم علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع اسرائيل ، ومن المتوقع ان تحذو كل من البحرين والمغرب حذو الامارات، ومن شأن هذا الاعلان ان يبطأ او يعرقل الطموحات الامريكية بمزيد من خطوات التطبيع مع دول اخرى كالمملكة العربية السعودية.
4.الولايات المتحدة الامريكية: سيعتمد موقف الولايات المتحدة الامريكية على التفاعل السياسي الداخلي الأمريكي وحسابات توازن المصالح الاستراتيجية، فقد تكتفي بالتصريحات والتحذير مع تجنّب عقوبات صارخة إذا رغب الطرفان في الحفاظ على قنوات اتصال، ومن المتوقع ان تظهر موقفا لا مبالي، لاعطاء كامل الفرصة لاسرائيل للمارسة الضغط على الفلسطينيين لتحقيق شروط استسلام، وهذا الموقف يعتمد ايضا على موقف الدول العربية ضمن مصفوفة المصالح.
5. المجتمع الدولي (الأمم المتحدة/منظمات حقوقية/محاكم دولية): الضم يرفع احتمالات مآخذ قانونية وطلبات إحالات و تحقيقات للجنائية الدولية أو دعاوى أمام محاكم دولية أو دعاوى حول انتهاك اتفاقيات جنيف، ويبقى هذا المسار هو الاحتمال القانوني ودبلوماسي الاكثر واقعية.
السيناريوهات المتوقعة
لا شك ان هناك مخاطر لتفجّر صدامات محلية واسعة، زيادة نشاطات مسلحة وانفلات أمني مع احتمال عالي الضغط على الحدود الإقليمية وإضعاف فرص التهدئة في غزة والضفة على حدّ سواء، نتيجة احتمال وقوع احد الاحتمالات التالية:
السيناريو الاول ( المرجح ): ضم محدود لكن عملاني ( ويمثل 45% )
يبدا بإجراءات إدارية قانونية على أجزاء كبيرة (مثل E1 ومناطق تجمعات استيطانية) و تشريع داخلي لتثبيت وضع قانوني، ومن المتوقع ان يلاقى هذا الضم ردودا غربية شديدة اللفظ مع إجراءات اقتصادية محدودة.
وهذا الضم سوف يؤدي الى تقطيع الضفة وإنهاك إمكانية قيام دولة متصلة.
السيناريو الثاني ( المتوقع ): ضم واسع ومباشر فعليًا ( ويمثل20 %)
إعلان سيادة رسمي على مساحات كبيرة قريب من الرقم 82% مع تحصينات إدارية ووجود أمني موسع، مع اخذ بعين الاعتبار اسرائيليا ان هذا الضم سوف يؤدي لعزلة دبلوماسية كبيرة لاسرائيل وتصعيد شعبي ومقاومة وحدوث أزمة دبلوماسية كبرى، والمخاطر باتفاقات التطبيع، وربما يؤدي ذلك لتعمق حملات مقاطعة وفرض عقوبات وحرمان امتيازات.
السيناريو الثالث التراجع أو التأجيل ويمثل ( 35%)
كنتيجة للضغوط الدولية وإلاقليمية قد يدفع الحكومة الإسرائيلية بتأجيل أو تعديل الإجراءات مثلاً مشاريع استيطانية دون فرض سيادة، ليس اقتناعا بضرورة حل الصراع سياسيا وانما تجاوز هذه الضغوط مع استمرار التوسع الاستيطاني وزيادة البؤر الاستيطانية.
التوصيات
. 1تحشيد دبلوماسي إحاطات عاجلة للدول الأوروبية، الخليجية، وأفريقيا واللاتينية لشرح خطورة الضم على السلم الإقليمي والدولي، وطلب مواقف موحدة بشأن الاعتراف شروط التطبيع أو فرض العقوبات على المستوطنات، استنادًا لردود أوروبا والخليج السابقة.
. 2التحرك القانوني المتوازي من خلال رفع ملفات سريعة إلى المحاكم الدولية/الجنائية وطلب رأي استشاري في محكمة العدل الدولية أو فتح تحقيقات جنائية أو توثيق الأدلة لانتهاكات محتملة. احتمالية نتائج قانونية زمنية متوسطة، لكن تأثير سياسي كبير.
.3 حملة إعلامية إقليميّة ودولية، عبر رسائل مركّزة باللغات الرئيسة (إنجليزية، فرنسية، عربية) توضح أثر الضم على الحقوق الإنسانية، الاقتصاد، وانعكاسات السلام.
4. تحالفات جديدة، في محاولة ربط موقف الدول التي تعتزم الاعتراف بفلسطين مع خطوات عقابية (مثل حظر منتجات المستوطنات)، واستغلال الزخم في الجمعية العامة للتنسيق بين الاعتراف والدعم العملي.
5. منع الاستفراد بالمجتمعات الفلسطينية ودعم العمل المدني لتنظيم حضور حضري وقانوني في المناطق المعرضة للضم، توثيق فوري لمنع تنفيذ قرارات إدارية دون رقابة دولية.
6 .سلامة السكان واحتواء تصعيد من خلال وضع خطط لحماية مدنية وإخلاءات آمنة، والضغط للحصول على ممرات إنسانية تحت إشراف دولي عند الحاجة.
7 . استهداف اقتصادي للمستوطَنة: العمل ضمن تحالفات أوروبية ودولية لمنع استيراد منتجات من المستوطنات وفرض قيود على شركاء اقتصاديين مرتبطين بخطوات الضم، والدعوة لحث الفلسطينيين على عدم العمل في المشاريع الاستيطانية في الضفة.
المراجع
- الموقع الالكتروني ل وكالة الانباء رويترز: https://2u.pw/N82vM
- الموقع الالكتروني للجزيرة: https://2u.pw/pn7iZ
- الموقع الالكتروني لصحيقة الجارديان : https://2u.pw/Ae1Y4
- الموقع الرسمي الالكتروني للاتحاد الاوروبي: https://2u.pw/He0s8
[1] الموقع الالكتروني ل وكالة الانباء رويترز: https://2u.pw/N82vM
[2] الموقع الالكتروني للجزيرة: https://2u.pw/pn7iZ
[3] الموقع الالكتروني لصحيقة الجارديان : https://2u.pw/Ae1Y4
[4] الموقع الرسمي الالكتروني للاتحاد الاوروبي: https://2u.pw/He0s8