الصبر مفتاح الفرج

بهاء رحال
ل لي صديق كنت أرافقه بالأمس في شوارع المدينة التي انتكس حالها كحال المدن والقرى الأخرى، بعد أن تعطلت الحياة فيها بفعل الحصار والبوابات والإغلاقات والاقتحامات العسكرية، وبفعل تعطل وتوقف السياحة التي هي المصدر الرئيسي للمدينة التي يعتاش غالبية سكانها من السياحة الخارجية والداخلية، فأُغلقت الفنادق وتوقف العمل في المصانع الصغيرة التي تعمل على حرفة الحفر على خشب الزيتون والخزف، كما توقفت الأيدي العاملة في قطاعات عديدة عن العمل. وبين شكوى واقع الحال وعلامات البؤس في قسمات الوجوه التي مررنا بها صار يكلمني حول الوضع السياسي الراهن وموقف أمريكا المنحاز، وهذا الانحياز المغفَّل لا يليق بدولة عظمى على حد زعم الصديق، وقد أبدى مخاوفه من تراجع بعض الدول التي أعلنت عزمها الاعتراف بفلسطين أثناء اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة، جراء الضغوط التي سوف تمارسها الإدارة الأمريكية عليها، فأمريكا ستحاول الضغط بكل ما أُوتيت من وسائل، كي تُفشل عمليات الاعتراف القادمة.
فكرت في عتمة الليل بكلام الصديق والتفتُّ إلى صوته الأخير، إذ قال حين هممنا بالوداع بعد أن انتهى المسار الذي استغرق قرابة الساعة ونصف: "الصبر مفتاح الفرج"، خاصةً وأننا قطعنا أشواطًا من أعمارنا رهن انتظار الفرج، وصبرنا ومن قبلنا صبر آباؤنا وأجدادنا ولم نمسك بعد بالفرج، ولم يأتِ لنلقاه أو يلقانا صدفة، بل إن الأفق يضيق وتنحسر الأمنيات وتتضاءل الفرص، ويصير واقع الحال أكثر بؤسًا مما مضى. ثم تذكرت أن التلاميذ لن يذهبوا إلى مدارسهم اليوم، وأن وزارة التربية استبقت إجراءات اتحاد المعلمين ووعيده حال استمرت الحكومة بعدم دفع الراتب، وشكوت لنفسي هذا التذاكي الذي لا يضع الحلول، بل يرحِّل المشكلات، وكعادتنا أمام كل مشكلة لا نقوم بحلها، بل سرعان ما نؤجلها إلى أجل غير مسمّى. هكذا تأجل افتتاح العام الدراسي بين ليلة وضحاها، يحدث ذلك فقط في بلادنا، ولا يحدث في أي بلد آخر، فنحن الاستثناء القابل لكل استثناء.
صباحًا خرجت من البيت، وما دفعني للكتابة عن جولتي بالأمس هو بائع الكعك الذي صادفني في الطريق، وعندما سألته عن أحواله، أجاب: نحن في أسوأ حال، ثم واصل طريقه بعكس الاتجاه الذي كنت أسير فيه، وهو يقول بصوت مرتفع، "بدها صبر".