بعد 14 عام من الحلم المؤجّل.. يوسف أبو شنب يفتتح مقهاه في طولكرم

بعد 14 عام من الحلم المؤجّل.. يوسف أبو شنب يفتتح مقهاه في طولكرم
منذ أن كان طالبًا في الصف الحادي عشر، بدأ يوسف أبو شنب يُكوِّن حلمًا في ذهنه، لا علاقة له بما درسه أو عمل به، بل بما كان يشعر أنه يحبّه حقًا، فمن قلب مدينة طولكرم أراد أن يثبت أنّ الطريق النجاح يبدأ بخطوة وإن تأخرت 14 عامًا، فكان شغفه حافزًا يدفعه نحو تحقيق حلمه البعيد، ينبض به مقهى "LA AURA" ليصبح واقعًا يُلامس قلوب الزوار.
شغفٌ ينتصر
يقول أبو شنب، وهو يستحضر كل لحظة مرّ فيها، " كنتُ أحبُّ الطبخ وصناعة الحلويات، وأجد متعةً خاصة في رؤية الناس يتذوقون نكهاتٍ تُقدَّم كما يجب، فلم يغادرني ذلك الحلم يوماً حتى خلال سنوات دراستي للهندسة".
ولم يكن طريق يوسف سهلاً، فقد كان مهندسًا يعمل بوظيفة مستقرة، إلا أن قلبه لم يهدأ ولم يجد الرضا في حياةٍ تقليدية بعيدة عن شغفه، فلم يستسلم وترك الهندسة وتفرّغ لحلمه الذي حلم به منذ عام 2011.
وما ساعده للوصول لحلمه أنه قضى ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر يعمل داخل أحد المقاهي المحلية، وهناك تدرّب وتطور هوايته إلى أن قرر الاستثمار في حلمه بجدّية أكثر بشرائه ماكينة قهوة، لتبدأ مرحلة جديدة من العمل المستقل تجمع بين التعلم الذاتي والتجربة العملية والإرادة الصلبة.
بين الإصرار والعثرات
طريقٌ طويل مفروش بالعثرات مرّ به يوسف، فلم يكن افتتاح المقهى قرارًا آنيًا أو مغامرة لحظية، بل ثمرة 14 عاماً من المحاولات والتأجيلات، فأولى عقباته كانت فكرة ترك مجال الهندسة الذي درسه وعمل فيه لسنوات، فهي خطوة لم تكن سهلة عليه، وواجه صعوبة في تقبّل المحيطين لهذا القرار، بينما العقبة الأكبر خلال تلك السنوات التي انتظر فيها تحقيق حلمه هي العائق المادي، إذ رغم الدعم المعنوي من العائلة ظلّ التمويل عثرة أخّرت انطلاقته.
أما اليوم، فإن أكبر تحدٍ يواجه يوسف هو الوضع الحالي للمدينة، خصوصًا أن مقهاه افتتح أبوابه وقت الاقتحامات المتكررة وسط أجواء مشحونة بالتوتر، ولم يثنه ذلك بل زاده إصرارًا على أن يكون مقهاه واحة صغيرة للطمأنينة، ومصدرًا للطاقة الإيجابية والأمل لكل من يزوره.
وتشهد طولكرم اقتحاماً مستمراً فيها منذ يناير العام الجاري، وتتكرر عمليات دخول جيش الاحتلال إلى أحياء المدينة ومرافقها المختلفة، مما يزيد من حجم التحديات التي تواجه سكانها يوميًا.
صُنع بحُب
في ركن صغير من المقهى، تجد يوسف مشغولاً بصنع الحلويات بنفسه، حيث تتحول المكونات البسيطة إلى قطع فنية تحمل بصمته الخاصة.
أما حين تخطو داخل المقهى، فأنت لا تدخل مجرد مكان لاحتساء القهوة أو تذوّق الحلوى، فالديكور ليس منسوخاً عن كتالوج ولا مستعاراً من فكرة جاهزة؛ بل هو مزيج ينبض بذكرياته ورؤيته الخاصة، يقول يوسف متأملاً المكان بفخر "اخترت التصميم كما في المقاهي الأوروبية القديمة، بأسلوب الڤينتج الذي يعكس دفء الماضي ويمنح المكان طابعاً فريداً"، وكان تصميم المقهى تحدياً بحد ذاته فيوسف لم يطلب ديكوراً فاخراً بل أراد روحاً، ويضيف، "كنت أرى الصورة في ذهني منذ سنوات طويلة، كيف سيكون مقهاي وكيف سيعبّر عني وعن شغفي، حتى استعنت بالمهندسة آلاء والتي ساعدتني على تحويل كل هذا الغموض إلى فكرة ملموسة".
ويوضح يوسف أن اسم المقهى "LA AURA"بمعنى "الهالة" باللغة الإسبانية، وهو ليس مجرد اسم عابر بل يحمل في جوهره الفكرة التي أراد تجسيدها في كل تفصيلة من المكان، ليكون مساحة تنبعث منها طاقة إيجابية وانطباع دافئ لكل من يزوره أو يختبر تجربته.
عراقة المكان
إنّ أكثر ما يلفت الأنظار في المقهى هي تلك الفناجين الصغيرة بتصميمها الكلاسيكي الدافئ، ليقول يوسف بابتسامة تعانق الذكريات "تعود هذه الفناجين إلى عام 1982، كانت بحوزة والدتي التي جلبتها من الكويت، وظللتُ ألحّ عليها كي تمنحني إياها ليكون لها مكان هنا"، يضيف وهو يمسك بأحدها برفق "لم تكن هذه الفناجين مجرد أدوات عادية، بل كانت جسرًا عاطفيًا تخدم أجواء المقهى".
واللافت أن المقهى يحمل تاريخًا ممتدًا يعود إلى عام 1994، حين كان حين كان ملكًا لوالده واستُخدِم كمحل لبيع اللحوم، ثم تحول إلى محمصة، أما اليوم يواصل يوسف المسيرة حاملاً الجذور نفسها، لكنه يمنحها روحًا جديدة بقوله "إنّ المكان يحمل تاريخًا عميقًا، وأنا هنا لأكمل الحكاية، ولكن بطريقتي الخاصة."
طُموحٌ يكبر
لا يحدّ يوسف طموحه بمساحة المكان التي لا تتجاوز 20 مترًا مربعًا، فرؤيته تتجاوز هذه الحدود وتُعلّق آمالها على تحسّن الأوضاع في المدينة، علّه يتمكن من التوسّع يوماً، ويختتم حديثه بثقة "المكان صغير صحيح، إلا أنّ الطموح ليس كذلك، فعندما تتحسّن الأمور سنفتتح مجالًا أوسع لحلم طال انتظاره."
إعداد: شذى دعمه ورجاء أصلان