شرق أوسط جديد ليس لنا في عالم يعاد رسمه من دوننا

توفيق العيسى
"عالم ليس لنا"... كتبها غسان كنفاني عن الفرد الفلسطيني المعلّق في لجوء بلا أفق، والآن يبدو أن الخريطة نفسها تقولها لشعوب بأكملها. ليس فقط فلسطين المنفية، بل عالم عربي يُعاد تصميمه بين يدي قوى تتصارع عليه كمن يفاوض على بيت غاب أصحابه، وبعرف الاحتلال فهذه ليست المرة الأولى أن تتعامل مع أهل البلاد الأصليين بمنطق وقانون "أملاك الغائب".
في كل لحظة يُعاد فيها رسم الشرق الأوسط، تبدو شعوبه مجرد ظلال على الحواف، لا لاعبين ولا حتى شهودًا معترفًا بهم. ما بين انتصار إسرائيلي مشحون بالقوة، وانتصار إيراني مثقل بالطائفية، يتكرس واقع جديد يصعب وصفه بغير عنوان كنفاني العميق: إنه عالم ليس لنا.
إذا انتصرت "إسرائيل،" فستترجم ذلك إلى "خارطة استقرار" يديرها الأمن، ويُسوّق لها عبر مشاريع اقتصادية تفترض أن الفلسطيني يشبع من الميناء والمعبر، وينسى الدولة المستقلة والسيادة والمقدس، وستصبح فلسطين مجرد بند في جدول التفاوض الإقليمي، وتُحذف من الحاضر بصياغات ناعمة ومواثيق دولية، حينها، سنصير مجرد "تفاصيل سكانية" في شرق أوسط يُعاد تصميمه حول مركزية " تل أبيب".
وسيكون انتصار الاحتلال بمثابة النفي بالأمن وتطبيع التهميش.
أما إذا انتصرت إيران، فلن نكون أقرب إلى التحرر، بل على الأرجح أكثر التصاقًا بصيغة هوياتية ضيقة تُنتج تبعية مذهبية لا تحرراً وطنياً.
تجربة النفوذ الإيراني في العالم العربي تشير إلى أدوات لا تؤمن بالشعوب، بل توظفها، وحين تهتف باسم فلسطين، فهي تهتف باسم معركة تخصها، لا قضية تخصنا.
في وجه كل ذلك، المشهد العربي لا يقل تشظيًا. دول بلا مشروع مشترك، وفصائل فلسطينية منقسمة على فهم القضية نفسها. تحولنا إلى "أصوات قلقة" في مؤتمرات لم تعد تصغي. حتى فلسطين، لم تعد "قضية العرب الأولى"، بل أصبحت ما يُستخدم في الخطاب، لا ما يُبنى عليه القرار.
من "عالم ليس لنا" إلى "شرق ليس لنا"
غسان كنفاني كتب عن عالم ليس لنا من زاوية المنفى والمعاناة الفردية. لكن المنفى تمدد، وصار منفى جماعيًا داخل الخرائط السياسية. نحن اليوم أبناء إقليم يُعاد هندسته على أساس معادلات لا تسأل عن حضورنا، ولا تعترف بثقلنا، ولا تستوعب أحلامنا. تمامًا كما كان اللاجئ في قصص كنفاني... نحن الآن أمّة كاملة بلا عنوان.
ليس الحل في استبدال راية براية، ولا في التشبث بمحاور متناقضة. بل في صناعة مشروع مستقل، يبدأ بالوعي ويكبر بالإرادة، بألا نكون مجرد أداة، بل بداية سردية تحررية لا تقبل التأجيل، وإن لم يعد للمنطقة صوتها المستقل، فسيكتب التاريخ مستقبلًا أن الشرق الأوسط قد ولد من جديد، لكن بلا أصحابه الأصليين.