شرق أوسط جديد ليس لنا في عالم يعاد رسمه من دوننا

يونيو 17, 2025 - 10:48
شرق أوسط جديد ليس لنا في عالم يعاد رسمه من دوننا

توفيق العيسى

"عالم ليس لنا"... كتبها غسان كنفاني عن ‏الفرد الفلسطيني المعلّق في لجوء بلا أفق، والآن يبدو أن ‏الخريطة نفسها تقولها لشعوب بأكملها. ليس فقط فلسطين ‏المنفية، بل عالم عربي يُعاد تصميمه بين يدي قوى تتصارع ‏عليه كمن يفاوض على بيت غاب أصحابه، وبعرف الاحتلال ‏فهذه ليست المرة الأولى أن تتعامل مع أهل البلاد الأصليين ‏بمنطق وقانون "أملاك الغائب".‏

في كل لحظة يُعاد فيها رسم الشرق الأوسط، تبدو شعوبه ‏مجرد ظلال على الحواف، لا لاعبين ولا حتى شهودًا معترفًا ‏بهم. ما بين انتصار إسرائيلي مشحون بالقوة، وانتصار إيراني ‏مثقل بالطائفية، يتكرس واقع جديد يصعب وصفه بغير عنوان ‏كنفاني العميق: إنه عالم ليس لنا.‏

إذا انتصرت "إسرائيل،" فستترجم ذلك إلى "خارطة استقرار" ‏يديرها الأمن، ويُسوّق لها عبر مشاريع اقتصادية تفترض أن ‏الفلسطيني يشبع من الميناء والمعبر، وينسى الدولة المستقلة  ‏والسيادة والمقدس، وستصبح فلسطين مجرد بند في جدول ‏التفاوض الإقليمي، وتُحذف من الحاضر بصياغات ناعمة ‏ومواثيق دولية، حينها، سنصير مجرد "تفاصيل سكانية" في ‏شرق أوسط يُعاد تصميمه حول مركزية " تل أبيب".

وسيكون ‏انتصار الاحتلال بمثابة النفي بالأمن وتطبيع التهميش.‏

أما إذا انتصرت إيران، فلن نكون أقرب إلى التحرر، بل على ‏الأرجح أكثر التصاقًا بصيغة هوياتية ضيقة تُنتج تبعية مذهبية ‏لا تحرراً وطنياً. ‏

تجربة النفوذ الإيراني في العالم العربي تشير إلى أدوات لا ‏تؤمن بالشعوب، بل توظفها، وحين تهتف باسم فلسطين، فهي ‏تهتف باسم معركة تخصها، لا قضية تخصنا.‏

في وجه كل ذلك، المشهد العربي لا يقل تشظيًا. دول بلا ‏مشروع مشترك، وفصائل فلسطينية منقسمة على فهم القضية ‏نفسها. تحولنا إلى "أصوات قلقة" في مؤتمرات لم تعد تصغي. ‏حتى فلسطين، لم تعد "قضية العرب الأولى"، بل أصبحت ما ‏يُستخدم في الخطاب، لا ما يُبنى عليه القرار.‏

 

من "عالم ليس لنا" إلى "شرق ليس لنا"‏

 

غسان كنفاني كتب عن عالم ليس لنا من زاوية المنفى ‏والمعاناة الفردية. لكن المنفى تمدد، وصار منفى جماعيًا داخل ‏الخرائط السياسية. نحن اليوم أبناء إقليم يُعاد هندسته على ‏أساس معادلات لا تسأل عن حضورنا، ولا تعترف بثقلنا، ولا ‏تستوعب أحلامنا. تمامًا كما كان اللاجئ في قصص كنفاني... ‏نحن الآن أمّة كاملة بلا عنوان.‏

ليس الحل في استبدال راية براية، ولا في التشبث بمحاور ‏متناقضة. بل في صناعة مشروع مستقل، يبدأ بالوعي ويكبر ‏بالإرادة، بألا نكون مجرد أداة، بل بداية سردية تحررية لا ‏تقبل التأجيل، وإن لم يعد للمنطقة صوتها المستقل، فسيكتب ‏التاريخ مستقبلًا أن الشرق الأوسط قد ولد من جديد، لكن بلا ‏أصحابه الأصليين.