الاستيطان.. أداة إبادة سياسية في الضفة

أبريل 7, 2025 - 11:33
الاستيطان.. أداة إبادة سياسية في الضفة

د. دلال صائب عريقات

في ظل استمرار حرب الإبادة على غزة، والضغوط السياسية التي تشتدّ على الفلسطينيين من كل الجهات، تمر مشاريع الضم الزاحف والاستيطان في الضفة الغربية بهدوء قاتل. ومع كل وحدة استيطانية جديدة، وكل طريق التفافي، وكل أمر عسكري بمصادرة الأرض، يُرسم واقع جديد لا يمكن التراجع عنه بسهولة.

مستوطنات متناثرة من شمال جنين إلى جنوب الخليل، تتوزع كحبّات نار فوق الجغرافيا الفلسطينية. هي ليست مجرد مستوطنات، بل أدوات تنفيذية لمشروع استعماري إحلالي، هدفه الأساس فرض السيادة الإسرائيلية على الأرض المحتلة، وتفكيك أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة. إنها خريطة فرض الأمر الواقع، تنفذه حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، وتتباهى به علناً دون مواربة.

لقد خرج مشروع الضم من أروقة التفكير الاستراتيجي الصهيوني، إلى التنفيذ الممنهج على الأرض. فاليوم، ومع صعود حكومة تضم شخصيات لا تؤمن أصلاً بوجود الشعب الفلسطيني، بات الاستيطان يُستخدم كأداة مركزية لتكريس واقع دائم، تتآكل فيه الحدود، وتُسحق فيه الحقوق، ويُحاصر فيه الفلسطيني بين جدار ومستوطنة وحاجز عسكري.

في مناطق كل المناطق من الخليل، والقدس، ونابلس والأغوار وكافة المخيمات، تتضاعف وتيرة المصادرة والهدم والتهجير. لا يُسمح للفلسطيني بالبناء، فيُجبر على الرحيل. لا تُقدَّم له البنية التحتية، بينما تُمدّ الكهرباء والمياه والطرق للمستوطنات المجاورة. القانون لا يُطبق على الجميع، بل يُفصَّل بحسب الهوية.

وما يجري في القدس تحديداً، هو تهويد معلن باسم "التنظيم"، وسحب هويات باسم "القانون"، وهدم منازل تحت مسمى "البناء غير المرخص"، وعلناً ضم المستوطنات الكبرى مثل "معاليه أدوميم" تنفيذاً لمشاريع E1 , E2 التي تهدف بشكل مباشر لفصل القدس عن أي تجمع فلسطيني وعزل الضفة عن القدس بالكامل. كل ذلك يحدث بتواطؤ دولي وصمت عربي وإقليمي مريب.

منذ السابع من أكتوبر، وجدت إسرائيل في الوضع الإقليمي فرصة تاريخية لتوسيع نطاق القمع في الضفة الغربية بذريعة "الأمن". أصبحت البلدات الفلسطينية تُعامل كعدو جماعي، وتُفرض عليها العقوبات الجماعية من اقتحامات متكررة، واعتقالات يومية، وهدم للمنازل، واستباحة كاملة من قبل المستوطنين الذين باتوا يمارسون عنفهم بدعم مباشر من الجيش.

إن أخطر ما في المشهد ليس فقط التوسع الاستيطاني، بل نجاح الرواية الإسرائيلية في تسويق الاستيطان كأمر واقع. في خضم الحديث عن "حل الدولتين"، تمضي إسرائيل في ترسيخ دولة واحدة على الأرض، لكنها دولة أبرتهايد، تميز بين البشر بحسب الهوية والانتماء الديني.

إننا كفلسطينيين، وكمجتمع واعٍ، مطالبون أكثر من أي وقت مضى بكسر هذا الصمت، ومواجهة هذا المشروع، لا فقط بالسياسة والحقوق، بل أيضاً بالوعي. يجب أن يعرف العالم، ويعرف أبناؤنا، أن ما يجري في الضفة ليس بناءً عمرانياً، بل تدمير ممنهج لفكرة الدولة، ولمستقبل الأجيال القادمة.

الاستيطان ليس ملفاً تفاوضياً مؤجلاً، بل تهديد وجودي آني. وإن لم يُواجه هذا التوسع الاستيطاني بحراك شعبي، وموقف سياسي حازم، وخطاب إعلامي صريح، فإن خريطتنا سيعاد رسمها بأيدٍ لا تعترف بنا، ولا ترى فينا شعباً يستحق الحياة بكرامة.

..........

مع صعود حكومة تضم شخصيات لا تؤمن أصلاً بوجود الشعب الفلسطيني، بات الاستيطان يُستخدم كأداة مركزية لتكريس واقع دائم، تتآكل فيه الحدود، وتُسحق فيه الحقوق، ويُحاصر فيه الفلسطيني بين جدار ومستوطنة وحاجز عسكري.