ترامب سوف يرحل وغزة باقية

بهاء رحال
تعاني أمريكا من أزمة أخلاقية لم تعانيها من قبل أي من الإمبراطوريات الكبيرة في السابق، وهذه الأزمة ليست جديدة، بل إنها تتسع مع قدوم ترامب رجل الكازينوهات والصفقات، آخذة في اللامبالاة عن سبق الإصرار، وهي بذلك تكون الإمبراطورية الأولى في التاريخ التي قامت على التطهير العرقي بحق الهنود الحمر، وتواصل ذات الطريقة بحق الشعوب الأخرى، بدلًا من التكفير عن ذنبها. وما كان هذا يحدث في عصر كل الإمبراطوريات التي سبقت قيام أمريكا وسطوتها وسبقت زمان الرجل الأبيض.
بكل تأكيد، حرب غزة لم تكن بداية هذا الاكتشاف، لكنها أظهرت حقيقة غير قابلة للشك، بأن أمريكا سقطت سقوطًا اخلاقيًا في كل المحافل الدولية، وليس أولها مواقفها في مجلس الأمن، ومواقفها من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية في لاهاي، وقراراتها بوقف تمويل الأونروا، وفكرة التهجير والتطهير العرقي إلى دول الجوار، وقطع المساعدات كأداة ضغط وابتزاز، والتلويح بالقوة العسكرية على حساب منظومة القيم الإنسانية، والقوانين الدولية وعلى حساب الشرائع السماوية والأرضية وهذا السقوط يظهر علانية من دون التباس وهي تجاهر بذلك في كل المحافل، فتمنع قرارات وتعطل أخرى بما تملك من "فيتو" ومن وسائل ضغط اقتصادية وعسكرية.
إن حال العالم الذي ينصاع لإمبراطورية ساقطة تعصف بها هالات الظلم وأعراض الابتزاز والشذوذ، يثير الريبة والفزع من مستقبل الحياة على هذا الكوكب.
أمريكا تريد تملك قطاع غزة وتهجير سكانه الذين يعانون ويلات حرب الإبادة والتطهير العرقي، ويعيشون بلا مأوى في عراء النزوح وفوق ركام بيوتهم التي دمرتها آلة الحرب، وهذه أمريكا التي دفعت بترسانتها العسكرية والحربية منذ اليوم الأول لسحق غزة، وهي التي أيدت حصارها ووفرت الحماية السياسية وقدمت مليارات الدولارات للاحتلال وجاءت بأسطولها البحري والجوي، وما كان هذا ليحدث لولا هذا الدعم والإسناد، وصحيح أن ما حدث ويحدث هو بأيدي الاحتلال وجنوده إلا أنه ما كان ليحدث لولا الدعم والموافقة الضمنية الأمريكية. ما أعلن عنه ترامب مدعاة للسخرية، فالفلسطيني ليس له وطن غير فلسطين، ولن يسقط حقه فيها، ولن تستطيع قوة الظلم أن تذيبه أو تصهره، فهو غير قابل لذلك لأنه يمتلك من الحضارة والثقافة والمعرفة والوعي والعلم والقيم التي شكلت هويته الوطنية، وحقه في الوجود على أرضه، فنجا من كل عمليات الشطب والإبادة، كما سينجو من عمليات التطهير العرقي رغم ما يعيشه من ظلم. فغزة يا سيد ترامب ليست للبيع لكي تعلن عن نواياك في تملكها، وهي باقية وأنت راحل لأن القضايا المصيرية للشعوب ليست صفقة ولا مقاولة، بل حق ينتصر طال الزمن أم قصر