خطاب النصر

حسام أبو النصر
لا أحد يتصل بي. أنا الآن أجهز خطاب النصر، إنه مليء بالأحرف المكسورة، وبكثير من الخيبات المجرورة، لا توجد فيه ضمة واحدة، فلا أحد ضم هذا الشعب، أما الفتحات كانت في سين السابع، وكانت في الخيم البالية، لكن فيها أحرف مرفوعة كالهامات الشهيدة، والأعلام المرفرفة، لكنه أيضاً مليء بالنصب، والأحرف المنصوبة، كما نصب علينا تجار السياسة الدولية، ونصب علينا لصوص المدينة حين اعتقدنا أنهم يحرسوننا في الحرب، ونصب علينا تجار السوق، وتجار الدم، ونصب علينا أباطرة نسبة الصراف الآلي، وغيرهم من النصابين. في خطابي هذا أنا لست فاعلاً، أنا مفعول به، في الحرب مفعول به وفي السلم مفعول به، في إطلاق النار مفعول به، وفي الهدنة مفعول به، أنا فقط فاعل حين يطلبون مني إعمار نفسي، وأرمم الكلمات من جديد، وأبحث عن الجمل والجثث المبعثرة، لأدفنها في مكانها الصحيح. خطاب النصر لم يعد بالنسبة لي خبراً، لأني لم أعرف المبتدأ، فالخبر هو إعلان الهدنة، والمبتدأ ٥٠ ألف شهيد، وحرب ٤٠٠ يوم، لا يوجد فيها سكون، سوى في راء الحرب، لكني ما زلت منتصراً، لا أعرف كيف لكنني منتصر، رغم كثرة الكلمات التي تحتوي على الشَّدَّة، إنها بحجم شدات النزوح، والقصف، والبرد، والحرق، صحيح أنه ليس لدي خيمة، ولا شارع يؤدي للمستشفى، ولا مستشفى تؤدي للمقبرة، ولا مقبرة تؤدي إلى الحياة الأبدية، لكنني منتصر، لا اعتقد بعد خطابي هناك أحرف مرفوعة، فلا شيء يرفعها سوى رافعات الركام. بعد هذا الخطاب خرجنا جميعاً أكثر اختلافاً، من السجع والجناس، ولم نتفق إلا على وقف النار لا وقف الحرب، كتوافق شنن طبقة، لكننا منتصرون، ففي الحاضر لم يعد النصر بحاجة لتدوين، كما في التاريخ، النصر هو خبر عاجل على الجزيرة، كموت ١٠٠٠ في يوم واحد، حتى صورة النصر فيها الشَّدَّة، فلا شيء كان عابراً بسهولة، حتى القبور لا نجدها إلا جماعية مرصوصة، نحن انتصرنا، ولا نحتاج لمراجعات ولا تغذية راجعة، ولا كلمات راجحة، هذا خطابنا منذ النكبة، النصر حليفنا في كل شيء، لا يهم كيف خرجنا من المعركة لكننا انتصرنا، على كل من حولنا، ولكن لم ننتصر على أنفسنا.