لسان الحال والأحوال.. علقم يا وطن

ديسمبر 31, 2024 - 09:29
ديسمبر 31, 2024 - 09:29
لسان الحال والأحوال.. علقم يا وطن

إياد أبو روك

لقد أصبحت غزة اليوم، حكاية من الألم والمعاناة، وهي قصة لا يستطيع فهمها إلا من يعايشها بشكل يومي. الشوارع، التي كانت يومًا تحتضن الأحلام والطموحات، تحولت إلى ساحة من الدمار، حيث تتناثر آثار الحرب والعنف الصهيوني في كل زاوية من زوايا المخيمات والشوارع. حياة الناس في غزة لم تعد تُقاس بالزمن، بل بالآلام التي تراكمت على مدار سنوات طويلة، وتراكم عليها هذا السيل من الكوارث، حتى أصبحت الذاكرة الجماعية لشعب غزة محملة بالجرح الذي لا يشفى من هول الاحداث.

في ظل هذا الوضع المأساوي، أصبحنا نشهد مشهدًا آخر من المعاناة التي تضاف إلى القائمة: المعاناة من عناد القادة أمام حجم الكارثة التي تحل بهذا الشعب. إن حال الشارع الغزي الآن يتجنب التحدث عن السياسة لأن السياسة، في كثير من الأحيان، لم تكن قادرة على تقديم الحلول أو الإجابة عن الأسئلة الصعبة التي تواجهها غزة وسكانها الأبرياء. فالوضع ليس بحاجة إلى الخطابات السياسية، بل بحاجة إلى رؤى واقعية تلامس الواقع وتفتح أفقًا جديدًا للمستقبل لوقف الحرب التي يدفع ثمنها المواطنين ومن تسقط علي رؤوسهم آلاف من أطنان القنابل التي لا تفرق بين كبيرهم أو صغيرهم. .

في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن العناد والمكابرة في المواقف قد تؤدي إلى نتائج كارثية. ولعل التاريخ يشهد على ذلك، حيث كان هناك العديد من الأمثلة التي تقدم دروسًا قيمة في أهمية التفكير في مصلحة الشعب قبل أي مصلحة شخصية أو سياسية.

على سبيل المثال وإحقاقاً للحق التاريخي، عندما ضربت الولايات المتحدة الأمريكية هيروشيما وناغا زاكي في اليابان بقنبلتين نوويتين أواخر الحرب العالمية الثانية، كانت اليابان أمام خيار حاسم: الاستمرار في القتال والمكابرة أو الاستسلام لإنقاذ شعبها من مزيد من الدمار. في تلك اللحظة، أدركت القيادة اليابانية أنه لا مناص من الاستسلام. لم يكن الاستسلام فقط من أجل الحفاظ على السلطة، بل كان قرارًا لحماية الشعب والحفاظ على الأرواح. فالقيادة اليابانية اختارت أن تعيش وتعيد بناء وطنها بدلاً من المكابرة التي كانت ستؤدي إلى إبادة الشعب الياباني. هذه كانت رؤية بعيدة النظر، رؤية أدركت أنه لا يمكن للبلد أن ينهض في ظل تدمير أبنائه.

إن هذا المثال التاريخي يجب أن يكون درسًا حيًا لنا في غزة اليوم. إذا كانت دول قوية مثل اليابان قد اختارت في لحظات الحسم أن تضع مصلحة شعبها فوق أي حسابات سياسية أو عسكرية، فما الذي يمنعنا من أن نتبنى نفس الرؤية؟ نحن اليوم أمام واقع مرير، والتمسك بالمكابرة والعناد لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة. الأمل في النصر لا يأتي من الحروب المستمرة دون فائدة، بل يأتي من الحكمة والقدرة على التفاوض، ووضع مصلحة الشعب في المقام الأول.

من هنا، يجب أن نوجه نصيحة صادقة إلى حركة حماس، وهي نصيحة ليست من باب اللوم أو الانتقاد، بل من باب الحرص على مصلحة الشعب الفلسطيني. يجب على حركة حماس أن تعيد تقييم حساباتها وتدرك أنها قد فشلت فشلًا ذريعًا في قيادة الشعب الفلسطيني خلال هذه المرحلة الصعبة. فبعد سنوات من المعاناة، ومن المحاولات غير المثمرة لتحقيق النصر، آن الأوان للاعتراف بالفشل في حسابات الحركة وعدم جاهزيتها لأن تكون قيادة شعبية حقيقية.

إن المسؤولية الوطنية تتطلب أن نضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، لذلك يجب على حركة حماس أن تسلم زمام الأمور بالكامل إلى السلطة الفلسطينية تحت راية منظمة التحرير، وأن تتنحى تمامًا عن المشهد السياسي. لا يمكن لنا أن نعيش في حلقة مفرغة من الفشل والمكابرة، ولا بد من أن تكون هناك خطوة جادة نحو التغيير والبحث عن حلول عملية تضمن بناء وطن حر وموحد تحت رايه واحدة بعيداً عن التحزب الذي لا يخدم سوي مصالح خارجيه . 

لقد حان الوقت للاعتراف بأن حركة حماس، رغم نواياها التحريرية، لم تكن جاهزة لتكون هي القيادة الحقيقية التي يحتاجها الشعب الفلسطيني في غزة وأن التسليم بالواقع والتخلي عن السلطة في غزة هو ما سيسمح لنا جميعًا بالتركيز على بناء مستقبل أفضل، ووضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق أي حسابات ضيقة. 

إن حريه الوطن والنضال ليس مرهون بحركة حماس وأنها هي فقط القادرة على تحريره وإن اختفاء حماس عن المشهد السياسي ذلك لا يعني أن نتنازل كشعب فلسطيني عن استرجاع حقوقنا أو أن نتوقف عن نضالنا المشروع من أجل الحرية. بل على العكس، إن النضال هو حق مقدس، ولا ينبغي أن يتوقف. ولكن يجب أن نكون واعين بأن الحلول السياسية والاستراتيجية التي تتخذ في هذه المرحلة ينبغي أن تكون مدروسة بشكل دقيق، وأن القيادة يجب أن تكون تحت أيدي من يمتلكون القدرة على التعامل مع هذا الصراع بكل تعقيداته.

 ومن هم على قدر كبير من المسؤولية تجاه شعبهم، والذين يمكنهم قيادته في هذه المرحلة الحساسة من دون المساومة على أرواح الأبرياء.