الشعب السوري والخيارات الصعبة

ديسمبر 28, 2024 - 10:31
الشعب السوري والخيارات الصعبة

يبدو أن الاستعمار، ومنذ أن التف على الانطلاقة المجيدة للرّبيع العربي الذي انطلق في تونس، فرض على بعض الشعوب العربية أن تختار بين اختيارين، بين الأسوأ والسيئ، بين الأمر والمر، ولنا سابقة تاريخية قديمة على ذلك ألا وهي تجربتنا مع الدولة العثمانية، حينما حاول العرب بقيادة الشريف حسين التخلص من هذا الاستعمار، إلا بالتحالف مع استعمار آخر، وهو بريطانيا في حينه، التي تظاهرت بأنها تريد تخليص العرب من الظلم التركي، وأن تقيم لهم دولة عربية واحدة حتى بثوب إسلامي، شريطة أن يقف العرب بجانبها من أجل طرد العثمانيين، ولا أدري إذا ما كان باستطاعة العرب والشريف حسين أن يتحرروا من العثمانيين، وأن يرفضوا بذات الوقت التحالف مع بريطانيا، لا أدري إذا كان باستطاعتهم ذلك أم لا، ونحن حتى هذه اللحظة نعيش البلاء التي سببته لنا بريطانيا، كذلك اليوم وعلى الساحة الفلسطينية توجد حركة حماس الفلسطينية، والتي تأسست من أجل طرد الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، ولكن ولعدم وجود سند من أي دولة عربية، ولا دولة إسلامية، اضطرت حماس للتحالف مع إيران خصم الأمة العربية، فإيران تقف إلى جانب حماس ليس لسواد عيون حماس، وليس لسواد عيون الشعب الفلسطيني، وإنما هي تستعمل وتستغل حماس من أجل التصدي للاحتلال الذي ينافسها على النفوذ في المنطقة العربية،  وهذا ينطبق تماماً على العلاقة بين نظام الأسد وكل من روسيا وإيران، فكلاهما كان يدافع عن نظام الأسد. 

من أجل حماية مصالحه والعكس هو الصحيح، فبشار الأسد كان يستغل ويستعمل دعم إيران وروسيا من أجل تثبيت أركان حكمه بغض النظر عن المؤامرة الدولية التي أُحيكت أصلاً ضد سوريا، ونظام الأسد منذ 2011.

فمنذ 2011 وإيران ممثلة بحزب الله وروسيا يدافعان دفاعاً مستميتاً عن نظام الأسد. فلماذا بين عشية وضحاها تخليا عنه؟ ليتغير مجرى التاريخ في سوريا، ولتنقلب الأوضاع 180 درجة؟

بغض النظر عن منحى هذا التغيير والمسار، لماذا قُلبت المعادلة وتغيرت موازين القوى بعد أربع عشر عاماً من القتال؟ وصمود النظام؛ لتتهاوى المُدن السورية وتسقط كأحجار الدومينو ودون أي مقاومة تذكر. تسقط سوريا بهذه الطريقة وبهذه السرعة في أيدي مجموعة من الدمى التركية والأمريكية والصهيونية، وقبل ساعات من وصول هذه الدمى إلى دمشق يشدّ بشار الأسد رحاله إلى روسيا.

هناك ألف سؤال وسؤال يدور في ذهن كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج، عما حصل ويحصل في سوريا، وما حصل ويحصل في سوريا تم التمهيد له بوقف إطلاق النار في لبنان وهي الجبهة التي انطلقت أصلاً كعامل إسناد لغزة، وكان من المفروض ألا يتم وقف إطلاق النار في لبنان إلا بوقفه في غزة.

فماذا حصل؟ وكيف حصل؟ ولماذا حصل ما حصل؟ هل تخلى حزب الله عن غزة وعن الأسد؟ ولماذا تخلى عن الأسد؟ وهل تم شراء إيران؟ وهل هناك تنسيق بين إيران وروسيا وتركيا وأمريكا؟ وهل تمكنت دولة الاحتلال من تفكيك محور المقاومة؟ وهل تخلى حزب الله عن غزة والأسد لأن إسرائيل حطمته؟ وهل هذا يعني أن إسرائيل حطمت إيران؟ وهل يعني هذا أن إسرائيل هزمت محور المقاومة؟ وبالتالي حطمت المقاومة في غزة، وهل هناك علاقة بين ما حصل في سوريا وبين المقاومة في غزة؟ وهل يعني ذلك أن المشروع الصهيوني نجح؟... إلخ.

لا شك أن هناك مؤامرة دولية على سوريا كقلعة قومية عربية، وقد أطلقوا على هذه المؤامرة اسم ثورة أو الربيع العربي، وكان وسيلة هذه المؤامرة إيجاد تنظيم أطلقوا عليه اسم داعش.

ومع ذلك فإن الرئيس السوري المخلوع قد أساء للأسف للشعب السوري بعض الشيء وكان والده من قبله قد أساء ليس فقط للشعب السوري، وإنما أيضا للأمة العربية، وذلك عندما قام بانقلابه الأسود على حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1966، وأطلق على انقلابه الحركة التصحيحية.

اليوم تم اسقاط واستبدال بشار الأسد الطاغي الذي باع العباد والبلاد من أجل تحقيق طموحه وأحلامه، تم إسقاطه لتأتي مجموعة (بالبراشوت)، ولا ندري أي جنسية يحمل هذا (البراشوت) هل هي الأمريكية أو الإسرائيلية؟ أم هي الجنسية التركية؟ أم هذا البراشوت يحمل جميع جنسيات هذه الدول؟

فهل الشعب السوري ملزم بالاختيار بين اختيارين لا ثالث لهما؟ الأسوأ أو السيئ الأمرّ أو المُر.

هل الشعب السوري مُلزم أن يختار فقط بين الأسوأ وهو نظام الأسد الذي جعل حزب البعث والدولة السورية وسيلة لتحقيق طموحه وأحلامه؟ وأنه فرعون والرب الذي يجب أن يُعبد، رغم أنني لا أضعه في مربع الخيانة.

 فما ذكرته من استعماله واستغلاله لحزب البعث والدولة شيء والخيانة شيء آخر، لهذا فإنني أنفي عنه صفة الخيانة، وبين السيئ وهو من أتى على ظهر دبابة وتظاهر وادّعى ودَعا الشعب السوري إلى التفريق بين النظام السوري كأشخاص، وبين الدولة كمؤسسات وممتلكات عامة، وأنهم يريدون الحفاظ على المؤسسات والممتلكات العامة لكونها ملك الشعب وليس ملك بشار الأسد، وهذه كلمة حق أريد بها باطل، وهي تدل على الحنكة السياسية التي تمتع بها هؤلاء،- مع أنني متأكد أن هذه فكرة من استعملهم لإسقاط النظام- والهدف من ذلك إيجاد حاضنة شعبية ولجعل الجماهير تلتف حولهم رغم أن الحقيقة أن سوريا ذهبت ولن تعود وهي ذاهبة إلى التقسيم.

فالشعب السوري اليوم يخرج إلى الشوارع ليهلّل ويكبّر ويقيم الأهازيج فرحاً بإسقاط المخلوع بشار الأسد، وأنا لا ألومه على ذلك ولكن على الشعب السوري أن يكون يقظاً فَلَم يحصل شيء جديد ولم يتغير أي شيء أصلاً، كل ما حصل هو مرحلة انتقالية وفرصة منحها له عملاء الأمريكان من أجل تفريغ الكبت وتَنَسّم هواء الحرية بعض الوقت فقط وعلى  الشعب السوري أن يَكُفَّ عن هذه التُرّهات وأن يخرج من صفوفه من ينادي بانطلاق ثورة مضادة على من أتوا على ظهر دبابة أمريكية وتركية، هذا الشعب ليس مُلزماً بأن يختار بين بشار الأسد المستبد الطاغي وبين احمد الشرع الدمية الأمريكية التركية. الشعب السوري، رقص لخلع بشار الأسد وعليه أن يستمر حتى يخلع أحمد الشرع وزمرته وألّا يقبل إلا من يأتيه عبر صندوق الاقتراح، وذلك بعد ان تنطلق الثورة المضادة، وتنجح، ومن ثم يتم تأسيس مجلس وطني أو جمعية وطنية تقود الشعب السوري، وتدعو إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، عندها فقط يستطيع الشعب السوري أن يخرج إلى الشوارع ليغني ويفرح ويقيم الأهازيج ويقول بأعلى صوته عاشت سوريا حرة... ارفع رأسك فوق أنت سوري حرّ