مخاطر سحر البيان
مخاطر سحر البيان
جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ المَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا. صحيح البخاري.
الشِّعرُ والخُطَب وغيرُهما من أساليبِ البَيانِ، هي أنواعٌ مِن الكلامِ المُنمَّقِ الذي يُؤثِّرُ في النُّفوسِ، وحُكْمُه حُكْمُ الكلامِ باللِّسانِ بحسَبِ ما فيه مِن المعاني؛ فقد يكونُ شرًّا وسُوءًا، وقد يكونُ حِكْمةً وأخلاقًا. والمرادُ بالبيانِ: اجتِماعُ الفَصَاحةِ والبَلَاغةِ وذكاءُ القَلبِ مع اللِّسانِ، والمعنى: إنَّ مِنهُ لَنَوعًا يُشبِهُ السِّحرَ مِن حيثُ جَلْبُ القلوبِ والغَلَبةُ على النفوسِ والتأثيرُ فيها، فيَحُلُّ مِنَ العُقولِ والقُلوبِ في التَّمويهِ مَحَلَّ السِّحرِ؛ وذلك لحدَّةِ عمَلِه في سامِعِه، وسُرعةِ قَبولِ القلْبِ له، فيُقرِّبُ البَعيدَ، ويُبعِدُ القَريبَ، ويُزَيِّنُ القَبيحَ، ويُعَظِّمُ الحَقيرَ، فَكأنَّهُ سِحْرٌ.
وشبَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الخبرِ البَيانَ بِالسِّحرِ؛ إذ السَّاحِرُ يَستَميلُ قَلبَ النَّاظرِ إليه بسِحرِه وشَعوذَتِه، والفَصيحُ الذَّرِبُ اللِّسانِ يَستميلُ قُلوبَ النَّاسِ إليه بِحُسنِ فصاحتِه ونَظْمِ كلامِه؛ فالأَنْفُسُ تكونُ إليه تائقةً، والأعيُنُ إليه رامِقةً.
واختُلِفَ في هذا الحديثِ؛ هل هو على وجْهِ الذَّمِّ أو على وجْهِ المدْحِ؟ والأقرَبُ: أنَّ هذا الحديثَ ليس ذمًّا لِلبَيانِ كُلِّه، ولا مَدْحًا؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مِن البَيانِ»، فأتى بِلَفظةِ (مِنْ) الَّتي لِلتَّبعيضِ.
وفي الحديث: إشارةٌ إلى ضَرورةِ الحَذَرِ مِنْ مَعسولِ الكلامِ؛ لأنَّه كالسِّحرِ، فقدْ يَقلِبُ الحَقَّ باطِلًا، والباطِلَ حَقًّا. المصدر: الدرر السنية على الشابكة.
ولأن لكل زمان رجال بيان، فإن زماننا اضافة الى سحر بيان الشعراء، ظهر فيه ثلاثة مفوهين يسحرون بقوة بيانهم عقول الناس وقلوبها، سنطلق عليهم وصف المفوهون الثلاثة وهم:
رجل الدين
والمحلل السياسي
والمحلل العسكري
يشترك الثلاثة بالقدرة على تحييد عقلك الظاهر والنفاذ إلى عقلك الباطن ودفعك طواعية للقيام بما يريدونه لتحقيق أهدافهم.
ومع ظهور الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي والانتشار الواسع لهذه الوسائط اصبح للمفوهين الثلاثة أدوات اكثر لتمرير ما يريدونه.
كان سابقا (إن من االبيان لسحرا) في المجالس والمنتديات، ويكون صاحب البيان يقدم سحره وجاهيا امام الجمهور. كان البيان احد ادوات فن الاقناع.
في عالم اليوم اصبحت الصورة، والصورة المتحركة المرئية، اكثر سحرا لأنها تجمع السمع والبصر معا للتأثير على المتلقي. كما ان خلف كل مفوه جيش من تخصصات اجتماعية ونفسية، وعلماء نفس ولغة وخبراء اعلام، واجهزة، وذكاء بشري وصناعي. وموازات بعض الفضائيات أكبر من موازنة بعض الدول.
ويتلقى المفوه لقاء ما يسحر به الناس عائدات مالية اكثر من سخية.
يدرك المفوهون الثلاثة أن السمع والبصر ليستا اعضاء، إنما هي وظائف تقوم بها العديد من الاعضاء، لذلك يقوم الإعلام عبر وسائله المتعددة بتمرير خطط المفوهين الثلاثة عبر مخاطبة كل عضو في جسم الفرد للتأثير في سمعه وبصره الذي يؤدي إلى تحييد عقله الظاهر.
عندما يتم تحييد العقل الظاهر فإن العبث بالعقل الباطني وتوجيهه يتم بسهولة.
لذلك
لا تصدق كل ما تسمع
ولا تؤمن بكل ما ترى
وعادل مشاعرك، قبل الحكم على أي أمر والتصرف.
اجعل لنفسك مرجعا، ودقق بالمصادر، وتوقف عن قضاء ساعات أمام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وتحول من متلقي الأخبار إلى صانع الأخبار والمؤثر فيها عبر العمل والفعل اليومي.
توقف عن رهن سمعك وبصرك وحياتك إلى أي من المفوهين الثلاثة وأدواتهم من الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
أكاديمية فتح الفكرية