تداعيات فوز ترامب على السياسات الخارجية للشرق العربي

نوفمبر 10, 2024 - 14:48
تداعيات فوز ترامب على السياسات الخارجية للشرق العربي

كريستين حنا نصر

فوز ترامب بالرئاسة الامريكية مؤخراً كان فوزاً كاسحاً مقابل المرشحة هاريس، حيث ربح بفارق كبير، إضافة إلى سيطرة واضحة للحزب الديمقراطي على مجلسي الشيوخ والكونغرس الأمريكي، نجاح تاريخي فسياسة ترامب تختلف جذرياً عن سياسة بايدن وهاريس، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية ، عندما يقرر ترامب فإنه ينفذ وبسرعة حاسمة، خاصة فيما يتصل بالوضع الامريكي الداخلي الاقتصادي، كذلك فيما يخص الوضع الخارجي الاقتصادي والأمني فهو دائماً يسعى للسلام.

 في فترة بايدن مقارنة مع سياسة بايدن الاقتصادية، لم يكن ما نشاهده اليوم من هذا الغلاء موجوداً، حيث كانت نسبة الغلاء في أمريكا تبلغ حوالي 1.4%، وعند مقارنتها بالنسبة في فترة بايدن نجد أنها بلغت اليوم حوالي 9%، مما يشكل عبئاً كبيراً على المواطن الأمريكي، وقد انعكس هذا الغلاء سلباً على العالم أيضاً، حيث منع بايدن من إنتاج النفط الأمريكي، اذ يوجد لديهم مخزون يمثل الاحتياطي الأكبر في العالم، وعندما يستلم ترامب فإنه سوف يسمح بانتاج النفط الامريكي المحلي والذي من شأنه التأثير بخفض سعر النفط عالمياً، وهذا بالطبع سوف يؤثر ايجابياً على الاقتصادين الامريكي والعالمي .

   والهدف الاساسي لترامب هو احلال السلام والأمن في العالم، ولقد كان هذا واضحاً عندما كان رئيساً لامريكا عام 2016م ، فلم تكن هناك حرب قائمة بين روسيا وأوكرانيا ولم تكن الحرب المشتعلة الآن في الشرق الأوسط، وأعتقد أنه سوف يسعى لانهاء حرب أوكرانيا، كما تربطه علاقات جيدة مع الرئيس الروسي بوتين ، وقد وعد بأنه سوف يسعى أيضاً لوقف الحرب في غزة ولبنان ، ويخمد الصراعات خاصة في الشرق الأوسط وسوف تكون منطقة الشرق العربي نظيفة وهادئة من الحروب في عهده .

الأمريكيون يدركون أن ترامب هو الأنجح اقتصادياً وهذا كان واضحاً منذ صغره حيث سيرته الناجحة في مجال العقارات، وهو الرئيس الأمريكي الذي يعرف كيف سوف يُدير الأمور الاقتصادية محلياً، وحتماً سيكون لنجاحه تأثير مباشر على العالم اقتصادياً، لا سيما في مجال سرعة تأثيره على سعر النفط العالمي .

إن السياسات الخارجية التي يمكن أن يلعبها ترامب ودور امريكا المهم للغاية الذي حتماً سوف يؤثر على الشرق العربي، هي أولاً:  أعتقد أن ترامب يريد التفاهم مع بوتين أي روسيا فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، التي لها تأثير كبير على أسعار الغاز الطبيعي وتداعياته على أوروبا، كذلك ما يتصل بالخط القادم من روسيا إلى أوكرانيا وأوروبا ودول حلف النيتو، وكل هذه الدول التي عانت من مشكلة توفر وتأمين الغاز الطبيعي.

 ثانياً : العلاقات الامريكية مع الشرق العربي خاصة مع المملكة العربية السعودية التي ابتعدت عن الولايات المتحدة الأمريكية، تحديداً خلال مدة ادارة بايدن وفتحت ابوابها ودبلوماسيتها للتوسع بعلاقات مع روسيا والرئيس بوتين ، وايضاً الانفتاح السعودي مع الصين ودول البركس  التي تتحكم بها دبلوماسية تسير بنفس الخط السياسي ، مقارنة بامريكا التي تتغيير سياستها استناداً للحزب الحاكم والفائز في الرئاسة الامريكية ( الديمقراطي أو الجمهوري) ، فكل حزب منهما تتغيير سياسته مع دول الخليج ، وأيضاً العلاقة الامريكية مع دول المشرق العربي مثل سوريا والعراق التي تعاني اليوم من النفوذ الايراني والميليشيات الايرانية المتواجدة فيها ، فعلى سبيل المثال سياسة بايدن كانت سلسة مع ايران واعادت لهم  المبالغ المالية المرتبطة بالملف النووي ، كما يلاحظ المرونة السياسية أو نبرة غزل في التصريحات المتبادلة بينهم ، وغزل مواجهة في مسألة اطلاق الصواريخ الخجولة بينهم .

ان سياسة ترامب سوف تتغيير بالنسبة للجمهورية الاسلامية الايرانية وسوف يكون قاسياً وحازماً في قراراته معها ، وسيعتمد ترامب في سياسته الجديدة على الاستراتيجية المتمثلة بخنق ايران اقتصادياً ، بسبب دعمها الى حلفائها في المنطقة العربية ، أي حزب الله والحوثي ، وبخصوص تواجدهم في العراق أيضاً ، والاهم السعي الامريكي بادارة ترامب القادمة لمحاصرة طموحات ايران النووية وتقليم نفوذها العسكري في منطقة الشرق العربي ، وهذه هي السياسة التي اتخذها ترامب في الماضي مع ايران .

 فعلى سبيل المثال كانت سياسة ادارة ترامب اتخذت الامر باغتيال قاسم سليماني وبالتالي القضاء نفوذه المتزايد في العراق ، اعتقد أن علاقة ترامب سوف تكون اسوأ من قبل اي مما كانت عليه في الماضي ، حيث سيزيد ويشدد من العقوبات الامريكية على ايران مجدداً ، واثناء حملة ترامب الانتخابية صرح عدة مرات أن ايران كانت وراء محاولة اغتياله والتي لم تنجح ، ولكن ادت الى اصابة أذنه فقط ، وصرح :" أن الرب قد نجاه من اجل أن يخدم وطنه "، حتماً الأمور سوف تذهب الى التصعيد مع ايران ولابد من حسمها حتى ولو عسكرياً ، سياسة ترامب قائمة على حسم الأمور مع ايران بشكل خاص ، ويرتبط بها تخليص المنطقة العربية في الشرق العربي من النفوذ الايراني وبشكل كلي وقطعي ، والمتمثل بأذرع ايران في سوريا والعراق ولبنان واليمن ومنع توسيعها لنفوذها في البلدان العربية التي تطمع ايران دائماً في السيطرة عليها ، ومع الادارة الامريكية الجديدة الان والمتمثلة بالرئيس القادم ترامب حذرت امريكا الدولة العراقية وطلبت منها عدم السماح لايران باستخدام الاراضي العراقية لضرب اسرائيل ، ان سيادة العراق على اراضيه خط أحمر ، وغير مقبول من الادارة الجديدة وجود حالة تهديد من أيران لمصالح حلفاء امريكا في المنطقة مثل الأردن والسعودية ، وبالطبع منع الصواريخ التي تستهدف حليف امريكا الاقوى أي اسرائيل.

ان الموضوع المهم ايضاً ، هو أن ترامب خاطب الشعب الايراني وليس الدولة الايرانية ووعدهم أنه سوف ينصفهم من هذا الحكم الطاغي وسوف يحررهم منه ، وبات واضحاً أن ايران تشهد مظاهرات عارمة من شعبها خاصة المرأة الايرانية التي تظاهرت عدة مرات بخصوص معارضتها لاعادة فرض الحجاب عليها ، والمظاهرات ضد الحكم المتمثل برجال العمائم القاسية والمتجبرة على الشعب الايراني الذي أصبح يعاني كثيراً .

أتوقع أنه سوف تكون هناك ثورة قادمة على ايران ، وسوف يستمر الشعب الايراني في الانتفاض على سياسة القمع الذي يعيش تحتها  ، حيث وعدهم ترامب بانهم يستحقون العيش الأفضل ، ومن الواضح ان ترامب قد نجح في الماضي من القضاء على المنظمات الارهابية في المنطقة العربية ، مثل داعش في سوريا خاصة وجودها في منطقة الشمال السوري ، واعتقد ايضاً أن ترامب سوف يواصل جهوده في القضاء على الفصائل بكل أنواعها وسوف يسعى الى إنهاء دورها في الشرق العربي ، ولن تؤثر على الأمن العربي مستقبلاً بعد اليوم ، وفي كل المنطقة في العراق وسوريا ولبنان وغيرها ، والاهم ان سياسة ترامب سوف تسعى لتحقيق رؤية شرق أوسط جديد آمن ، وستفرض فيه ارادة عالمية اقتصادية جديدة ، خاصة أن امريكا تشكل ثلث الاقتصاد العالمي وهي اقوى الاقتصاديات في العالم وميزانيتها حوالي 33 ترليون دولار ، وهذه القوة الاقتصادية الامريكية من وجهة نظر ترامب بدلا من أن تستخدم في الحروب العسكرية المكلفة في العالم خاصة الشرق العربي ، يجب ان تستغل في الاقتصاد الداخلي الامريكي الذي يعاني من تحديات بسبب سياسة وادارة بايدن الحالية .

واليوم على سبيل المثال العراق يعاني اقتصادياً بالرغم من أنه دولة نفطية ، فأين تذهب ايرادات وأموال النفط والشعب يعاني اقتصادياً ؟ للاسف بعض المصارف العراقية تُهرب الدولارات الى ايران ، وفي الماضي وأثناء ولاية ترامب السابقة وضع عقوبات مالية على هذه المصارف والبنوك التي تُهرب الأموال الى ايران ، ولكن يبدو أنها عقوبات لم تكن كافية واعتقد أنه سوف يعمل على تجديد فرضها ، من أجل ردع هذه البنوك العراقية ، وبالتالي سوف ينجح في وقف تهريب الأموال الى ايران على حساب الشعب العراقي  المغلوب على أمره ، الذي يستحق العيش الكريم والافضل بدلاً ممن يعتاش عليه وعلى أمواله .

هناك أيضاً واقع معقد هو الحرب في غزة المشتعلة منذ السابع من اكتوبر عام 2023م ، وما تبعها من معارك الثامن من اكتوبر من حرب مستمرة في الجنوب اللبناني ، واتساعها لاحقاً ضمن ما يسمى وحدة الساحات في اليمن والعراق ، وتداعياتها على منطقة مضيق باب المندب واثارها الاقتصادية على المنطقة كلها ، بما في ذلك وقف الحركة التجارية في البحر الأحمر والتي اثرت من الناحية الاقتصادية على اسعار السلع والبضائع في المنطقة ، ورافقها أيضاً ارتفاع اسعار النفط بشكل كبير وما زلنا نعيش الان تداعياتها ، كذلك ما تزال الضربات الصاروخية مستمرة بين ايران واسرائيل ودول الشرق العربي  التي تعيش وسط هذا الصراع ، ايران تضرب اسرائيل ، واسرائيل ترد وحزب الله يرد ومعارك برية في قطاع غزة والجنوب اللبناني  ، وكل هذا لا أحد يعلم الى أين ؟ كل هذا بات تأثيره واضحاً على الاقتصاد الامريكي التي ترسل الاسلحة من قبلها ، وهي مأخوذة من أموال دافعي الضرائب  الامريكيين "Tax payer" ، وفي ظل تزايد شحنات الاسلحة عندما تزيد ايران من تصعيدها بضرب الصواريخ ، يضاف الى ذلك ادارة بايدن للحرب في الشرق العربي والحرب الروسية الاوكرانية ، والشعب الامريكي هو واقتصاده من يدفع الثمن  ، وتاثير هذا كان واضحاً عندما ضرب اعصار الهاريكين لولاية ميامي ولم تعمل ادارة بايدن شيئاً لاغاثة هذه المنطقة المنكوبة ، بينما المال كله ذهب الى الحروب في سياسة بايدن وهاريس .

   تسعى سياسة ترامب بدلاً من الانفاق على الحروب وتاثيرها  المباشر على واقع يُظهر  تهالك وتضرر الاقتصاد الامريكي والعالمي خاصة الوضع في الشرق العربي المتهالك اقتصادياً جراء الحروب المشتعلة ، نحو سياسة تعتمد السعي الى اخماد الحروب والعمل على تطوير الاقتصاد والنهوض بالتنمية المحلية لامريكا ، والعمل على حفظ مستوى اسعار النفط من الارتفاع ، ولا شك أن كل ذلك سينعكس ايجابياً محلياً ودولياً ، خاصة اذا توصل ترامب الى حل الصراع في غزة ولبنان  ، ويقول ترامب أنه سيكون منصفاً لكل الأطراف المتصارعة والمتحاربة ، ولا يخفي علاقته القوية مع نتنياهو ومصلحة اسرائيل ، خاصة أنها الابن المدلل لامريكا ، وبالرغم من كل ذلك سيكون ترامب منصفاً كما وعد الجالية العربية والاسلامية في امريكا في بذله الجهود لوقف الحرب ، واعتقد انه سيحقق هذا الهدف حتى ينجح بخلق وايجاد شرق اوسط نظيف من الحروب والصراعات ، وبعدها يدخل الشرق الاوسط في مرحلة جديدة في اعتقادي أنها ستشهد انتعاش اقتصادي للشعوب العربية ، ومعها سيكون الامن والسلام الذي يسعى ترامب بشدة نحو تحقيقه .