تأليب الحواضن والمناطق العازلة.. الهدف المشترك في الساحات الثلاث

سبتمبر 28, 2024 - 09:37
تأليب الحواضن والمناطق العازلة.. الهدف المشترك في الساحات الثلاث

وسام رفيدي

أهداف عديدة وضعتها دولة الإبادة لتحقيقها في لبنان والقطاع والضفة. في لبنان ينتصب هدف ضرب وحدة الساحات بفرض تراجع حزب الله عن إسناد المقاومة الفلسطينية على رأس الأهداف، أما في القطاع فباتت معروفة الأهداف التي لم تتحقق: التهجير من القطاع، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، والقضاء على المقاومة وحكم حماس. وفي الضفة القضاء النهائي على ظاهرة المقاومة المسلحة العلنية، وتحديداً في مخيمات ومدن الشمال.

أما أبرز وسائل تحقيق تلك الأهداف‪، فباتت أيضاً واضحة: الإبادة والمجازر والتقتيل العشوائي، وهذا ما يمارسه المحتل منذ ما يقارب العام في القطاع والضفة، وما بدأ به منذ أكثر من أسبوع في لبنان.

..

أن يسقط ما ينوف على 600 مواطن لبناني شهيداً، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين في الجنوب والضاحية والبقاع، فالمسألة تتجاوز حدود تبرير المحتل الإسرائيلي المعتاد لتسويق جرائمه، والقائم على أن المقاتلين يتمركزون وسط المدنيين، إنها مجازر موصوفة قائمة على التقتيل العشوائي المقر سلفاً. ويترافق مع هذا التقتيل العشوائي والمجازر، والتدمير الواسع للمباني والمنازل والبنى التحتية، والهدف واضح: أن يدفع اللبنانيون، أغلبيتهم إن شئنا الدقة، ثمن التفافهم حول المقاومة، لا لينفكوا عنها في أسوأ الأحوال، إن لم يخرجوا للشوارع ليقولوا (كفى) في وجه المقاومة، بل وأيضاً لتعزيز مكانة وموقف تلك القطاعات اللبنانية التي تُظهر عداءً متأصلاً، سياسياً وطائفياً، تجاه المقاومة، من مثل حزبي الكتائب والقوات اللبنانية، وأوساط عديدة من التيار الوطني الحر و14 آذار، والمدعومة من أنظمة الخليج والإدارة الأمريكية، وبعضها، شأن القوات اللبنانية، من الصهاينة مباشرة. ومثلما سمعنا في فلسطين مَنْ حمّل المقاومة وزر الإبادة، في تبرئة للفاشيين الإسرائيليين، هناك في لبنان مَنْ يفعل الشيء نفسه.

ومنذ العام تقريباً والمحتل الفاشي يسعى بأكثر من طريقة لتأليب الحاضنة الشعبية في القطاع ضد المقاومة، فالتدمير الواسع والإبادة والمجازر، وتحريك عصابات السرقة والنهب والبلطجة، واغتيال ضباط وعناصر الشرطة الحمساوية التي تحاول تنظيم بعض مجريات الحياة اليومية، والسعي الفاشل مراراً لاستقطاب أوساط عشائرية لموقع العداء للمقاومة، والتخريب المتعمد لقطاعات وبنى تحتية أساسية ومعدات مثل شبكات المياه والصرف الصحي، ومعدات البلديات والدفاع المدني والإسعاف، كلها تهدف ليس فقط لدفع الغزيين للرحيل، فهذا الهدف سقط تماماً، بل لتأليب الحاضنة الشعبية على المقاومة.

وحتى في مخيمات جنين ونور شمس ومدن جنين وطولكرم فالتدمير الممنهج للبنى التحتية والمنازل والمحال لم يكن ذات صلة بالاشتباك مع المقاومين، بل لتأليب الحاضنة الشعبية على المقاومين هناك، وتدفيع السكان ثمن انحيازهم للمقاومة.

وهذا الهدف مشترك في الساحات الثلاث، فاليوم يتزايد الحديث والنقاش عن إنشاء منطقة عازلة في شمال القطاع، بحيث يجري فرض الحكم العسكري عليها، وهذا يتم عبر السعي لتكثيف المجازر في مخيمات وقرى وبلدات الشمال بهدف الترحيل لإقامة المنطقة العازلة. ولكن مع تواتر الأنباء حول فعاليات عسكرية لبؤر مقاومة في الشمال، وعدم القدرة على ضبط نهائي لحركة المقاتلين بين الشمال والجنوب، يبدو مصير المشروع/ الهدف، ذات مصير الأهداف الأخرى التي تحددت ولم يتحقق منها شيء.

ذات الهدف يطرحه العديد من المسؤولين العسكريين والأمنيين والسياسيين في دولة الإبادة عندما يتحدثون عن مناطق عازلة بعيداً عن المستوطنات في الضفة الغربية، وهذا ما يترجمونه في عمليات الترحيل القسري في الأغوار والرماضين مثلاً تحت مسميات (قانونية) عديدة من نوع محميات طبيعية، ومناطق تدريب وعدم الترخيص للبناء، وهذا ما دعى له (المتصرّف الأوحد) في شؤون الضفة في حكومة نتنياهو، سموتريتش الذي دعا لمناطق عازلة مفرّغة من الفلسطينيين والواقعة بقرب المستوطنات اليهودية، والحجة المساقة: ضمان عدم تكرار 7 أكتوبر في الضفة!

أما في لبنان، فالهدف قديم/ جديد وقوامه دحر حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وتوفير منطقة عازلة من الحدود الفلسطينية اللبنانية وحتى النهر. أما التاريخ فيحكم على هذا الهدف بالفشل الذريع، فقد سبق للمحتل أن أقام ما أسماه بالشريط الحدودي، وهو منطقة عازلة بمعنى ما، ونصّب عليه عملاءه، والنتيجة جرى دحر المحتلين منه بإذلال في العام 2000، والكل يذكر صور الجنود المنسحبين ليلاً بطريقة فوضوية لا تخلو من الذل.

ليست وحدة الساحات فقط بوحدة المقاومين في لبنان وفلسطين، بل وفي (وحدة) هدفي تأليب الحاضنة الشعبية على المقاومين، وإنشاء منطقة عازلة بين المقاومين وجموع المستوطنين في الساحات الثلاث، والذين تعلنهما دولة الإبادة صراحة ودون مواربة. أهداف دولة الإبادة، المعلنة وغير المعلنة، وكل تاريخ الصراع، يؤكد (وحدة) أهداف دولة الإبادة ليس فقط لدول الطوق وشعوبها، بل وللأمة العربية برمتها، الأمر الذي يستوجب التأكيد على المجرّب: وحدة ساحات المقاومة. إن المقاومة اللبنانية اليوم، والشعب اللبناني برمته، يؤكد بدمه ودماء المقاومين في الجنوب حقيقة وحدة الساحات وضرورتها.