بين الرد المحسوب وعدم الرغبة في توسيع الحرب.. تستمر الإبادة

سبتمبر 1, 2024 - 16:55
بين الرد المحسوب وعدم الرغبة في توسيع الحرب.. تستمر الإبادة

وسام رفيدي

لطالما أكد محور المقاومة على موقفين، الأول (عدم الرغبة في حرب مفتوحة مع الجاهزية لها إن فُرضت)، والثاني (الرد المحسوب)، وقد تأكد هذا الموقف سواء في الرد الإيراني في نيسان على اغتيال البعثة الدبلوماسية الإيرانية في دمشق، أو رد حزب الله على اغتيال القائد شُكر، وفي الحالة الإيرانية كان الرد رداً رمزياً، بالإضافة لكونه محسوباً.
ولطالما أيضاً أكدت الحاضنة الشعبية والحزبية الملتفة حول خيار المقاومة ومحورها على المستوى الإقليمي، تفهمها لهذين الموقفين، ففي النهاية يدفع المحور بمختلف أطرافه، خاصة اللبناني واليمني،
أثماناً جدية، وبالأخص اللبناني، فقد تهجّر من الجنوب أكثر من 100 ألف، ناهيك عن التدمير الواسع للقرى، واستشهاد ما ينوف على 500 شهيد، أغلبيتهم الساحقة مقاتلون وكوادر وقيادات في الصف الأول في حزب الله، وعليه، أخلاقياً، وقبل الإجلال والتقدير الواجبين لهذه الوقفة الإسنادية وتضحياتها، ينبغي احترام حسابات صاحبها في تقديره لمديات الإسناد ومستوياته ونوعيته، خاصة أن معركة الطوفان فرضت نفسها عليه وعلى جاهزيته وحساباته دونما معرفة بها. أضف لذلك حقيقة أن أي رد عسكري مرهون بحسابات عديدة - تتعقد كثيراً في الساحة اللبنانية- عسكرية وسياسية، يمتلكها بالأساس مخططو ذلك الرد.
تطورات وأسئلة حارقة
ومع ذلك، يبدو أن التطورات باتت تطرح أسئلة تتطلب فحصاً جدياً من المحور ومكوناته.
لنبدأ بالتطورات: أولاً، لقد اتضح أن الفاشية الصهيونية لا تتطلع لوقف العدوان والانسحاب عبر توقيع اتفاق، بل تستخدم المفاوضات بهدف توفير غطاء سياسي ودبلوماسي لاستمرار حرب الإبادة. هل هناك مَنْ يعتقد بغير ذلك، بعد شهور من المفاوضات/ الفخ/ الإبادة؟ قرار حكومة الفاشيين الأخير بتعيين حاكم عسكري للقطاع دلالة صريحة بأن لا وقف للعدوان، وأن احتلال القطاع سيطول، وبالتالي لا اتفاق.
أما اجتياح مخيمات شمال الضفة، وتصعيد اقتحامات المدن والقرى والمخيمات في كل الضفة، فهو مؤشر على ما يخطط له. الشروع بتنفيذ مخطط تهجير للمخيمات باتجاه المدن، وإن أمكن باتجاه الأردن في ظرف مواتٍ، لخلق معازل مدينية مقطعة الأوصال كأفق نهائي لمستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. تلك رؤية قديمة وموضوعة في السياسة الصهيونية منذ شارون، وليست فقط وليدة هذه الحكومة. فكل حكوماتهم فاشية متفقة على تهجير الشعب الفلسطيني، وبالحد الأدنى عزله ومعاملته معاملة العبيد. إنها ترجمة لما ذهب إليه سموتريتش منذ العام 2017 عندما (خيّر) الفلسطينيين بين القتل أو التهجير أو العيش كعبيد لليهود. سموتريتش ليس منعزلاً في مواقفه وايديولوجيته، كما يتوهم بعض الراغبين في رؤية (تنويعات سياسية بين يمين ويسار) في أوساط المستوطنين في الدولة. يسارهم ويمينهم، ليبراليوهم وعلمانيوهم ومتدينوهم، كلهم رضعوا ويرضعون حليب أيديولوجية فاشية عنصرية إبادية هي جوهر الصهيونية.
هذا ما يتم الآن. تهجير بطيء في الضفة، واستمرار الإبادة في غزة، وتدمير يخلق ظروفاً يصبح العيش في ظلها في القطاع مستحيلاً، وبالحد الأدنى ظرفاً يشكل حافزاً للهجرة القسرية، أي للتهجير. لا توقف للعدوان، ولا مكان لاتفاقات وصفقات نهائياً، وبالتالي فهي حرب استنزاف، ليس فقط لدولة الإبادة، بل وللمقاومة أيضاً.
والتطور الآخر الذي ينبغي الاعتراف به، كنتاج للتجربة منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، أن المجتمع الإسرائيلي يدعم سياسة الإبادة، وليس في وارد الخروج للشارع ضد الحرب على القطاع، كما فعل في الحرب على لبنان 1982، فحتى الذين في الشارع يطالبون باتفاق تبادل، يطالبون مع ذلك بالعودة للحرب بعد إطلاق سراح أسراهم. إنها الرغبة الدموية المجنونة بالتقتيل تعويضاً عن هزيمة 7 أكتوبر، وعن صمود المقاومة منذ أحد عشر شهراً، ورغبة في استرداد هيبة مفقودة. مجتمع مشحون بالفاشية من رأسه حتى أخمص قدمية، بيمينييه ويسارييه، وليبرالييه، وعلمانييه، ومتدينيه، وهذا يشكل مصدر قوة لحكومة نتنياهو، فحكومته ليست معزولة أو مأزومة، فحجم خسائرهم البشرية والعسكرية، نتيجة ضربات المقاومة، والانقسام السياسي والشعبي، وحجم التناقضات داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية والحكومية، كل ذلك لا يؤثر على وحدة الموقف تجاه استمرار الإبادة، وبالتالي تحملها لحرب استنزاف طويلة، وهذا عكس ما رسخ في القناعة السياسية الفلسطينية من أن مجتمعهم لا يحتمل الخسائر، ولا حرب الاستنزاف. هذا ما ينبغي ملاحظته والإقرار به. وكل ذلك يقود لطرح الاسئلة.
أسئلة لا بد منها
ألا تغيّر تلك التطورات/ الحقائق من مستويات الإسناد من قبل محور المقاومة لشعبنا، خاصة مع اتضاح أن مستوى رد حزب الله الأخير على عملية الاغتيال لم يغيّر في مسار التفاوض للوصول لاتفاق؟ ألا يستغلون في دولة الإبادة موقف (الرد المحسوب وعدم الرغبة في حرب مفتوحة) للاستمرار في حرب الإبادة، مطمئنون من أنهم لن يواجهوا مستويات أعلى مما هي الآن؟ هل يمكن لمحور المقاومة أن يستمر بذات مستوى الردود وهو (مردوع) بفعل عدم رغبته في الحرب المفتوحة في المنطقة؟
أسئلة حارقة نعم، ولكن شعبنا من حقه، وهو يعيش الإبادة والتهجير والتقتيل اليومي، أن يسألها، لا بل من حقه أن يقول، ومن موقع التقدير الكبير، السياسي والأخلاقي، لتضحيات المحور وإسناده: أعيدوا النظر في الحسابات، فأية حسابات يظل لها معنىً في ظل الإبادة؟
بالتأكيد ليست الحرب لعبة يتلهى بها الصغار، وأثمانها فادحة جداً، وتتطلب حسابات عسكرية ولوجستية وسياسية وبشرية وديموغرافية كثيرة، وأهمها الحد الأدنى من الثقة بالانتصار، وتلك ثقة يؤكدها نصرالله في خطاباته دائماً. ومع ذلك فمع استمرار حرب الإبادة، تغدو أثمانها، وبحسابات عسكرية تحدد شكل الحرب ومدياتها ومستوى توسعها، أقل من الثمن الذي يدفعه شعب يتعرض للتقتيل والمجازر والإبادة يومياً.
أما الحسابات السياسية، مثل حسابات الساحة اللبنانية، ففي لحظ موجبة لا يجب أن تكون حائلاً دون اتخاذ قرار تغيير مستويات الإسناد. وبالعكس فتطورات إيجابية وقعت هناك من نوع الدعم (السني) من الجماعة الإسلامية لقتال حزب الله (الشيعي) في الجنوب، وهو ما يحدث للمرة الأولى في تاريخ الصراع، ما يعني اختراق الجبهة السنية الحريرية المعادية تاريخياً للمقاومة، وكذا (تفهّم) دروز لبنان لموقف حزب الله بالإسناد، كما أكدت تصريحات جنبلاط. باختصار، فحتى التعقيدات السياسية الداخلية في لبنان نراها في وارد تحمل تغيير ما في مستويات الإسناد، أما القوى الانعزالية المسيحية، الفاشية أباً عن جد، في حزب الكتائب والقوات اللبنانية، والمدعومة خليجياً، فهي معادية حتى لموقف سياسي، لا عسكري فحسب، داعم لشعبنا، كيف لا وهي مَنْ ارتكب المجازر ضده في صبرا وشاتيلا.
هي أسئلة أعتقد من الواجب طرحها بعد أحد عشر شهراً من حرب الإبادة، وبعد كل تلك التضحيات والإنجازات الميدانية، ليس من شعبنا فقط، بل ومن الشعب اللبناني واليمني والعراقي أيضاً، وصولاً لهزيمة المشروع الصهيوني. ربما أن الإجابات تفتح الطريق لمزيد من تسجيل النقاط، حسب تعبير نصر الله، في حساب شعبنا وضد مجتمع المستوطنين.
..............
ألا تغيّر تلك التطورات/ الحقائق من مستويات الإسناد من قبل محور المقاومة لشعبنا، خاصة مع اتضاح أن مستوى رد حزب الله الأخير على عملية الاغتيال لم يغيّر في مسار التفاوض للوصول لاتفاق.