مع الحياة وِفق قاعدةِ الزوال
فراس عبيد
في لحظة عالية الإشراق، سيُبصر الإنسان أنه مخلوق سائر إلى الزوال من الكوكب الأرضي والجسم الأرضي الممنوح له، تماماً كما سيُبصر أن كل ما يتحرك أمام عينيه، وكل ما ينتصب أمامها من بناء، وكل ما يستوي على مد الشوف من طرقات تسير عليها الناس، وكل ما في العالم الأرضي من قصص وعلائق ومشكلات وصراعات ودول عظمى ودول صغرى، هي جميعاً إلى زوال كذلك.
كل شيء يزول، إلا الكون العظيم.
كل البشر تموت وفق دورة الزوال الخالدة، لكن نسلهم يظل يتجدد بلا فناء في الكون العظيم.
وفق قاعدة الزوال الكبرى تلك، يطرح الإنسان على نفسه سؤالاً في لحظة الإشراق ذاتها: ما دمتُ سائراً إلى زوال، وما دام كل ما أراه أمامي سائراً أيضاً إلى زوال، فكيف أنظر إلى تجربة الحياة؟ وكيف أعيشها وأساهم فيها؟
تأتيه الإجابة واضحة في لحظة الإشراق ذاتها: لا يمكنك أن (تغامر) بأن تكون (سلبياً)، أو بأن تكون عنصر أذى وهدم في حياة المخلوقات.
بل العكس هو الصحيح. عليك أن تكون إنساناً في منتهى الإيجابية، متربعاً على قمة سفوح الخير، كياناً مغدِقاً للمحبة على المخلوقات، عنصر دعم إيجابي دائم لها.
ودافعك إلى تلك الإيجابية هو بالضبط هذا التصميم الإيجابي، العطائي، الخيري، الإبداعي، النوراني، المحب، العادل، الذي يتصف به هذا الكون العظيم. وهو لا يكفّ في أي يوم عن احتضاننا بأبوية لا لبس فيها، وهو لا يخذلنا في أي يوم بأن يحجب عنا مقومات الحياة كالشمس والماء والهواء، والنباتات والحيوانات، والطاقة بأنواعها، وميكانيكا الحركة، والذكاء، وقبل ذلك كله الحب.
إن الكون – بأمر خالقه ومشيئته النافذة - يمنحنا كل ما يجعلنا نقول عن الحياة: يا لها من تجربة جميلة فريدة ساحرة!
ومن ثم.. يكون ما ينبغي علينا فعله، هو أن نعكس التصميم الكوني، وتناغم جميع مكوناته على سلوكنا نحن البشر، فنستنبط من هذا الانعكاس قواعدنا الأخلاقية الكبرى، ونتبين المقاصد الحقيقية لوجودنا القصير في هذا الكون العظيم.
حينذاك، سنحسّ نحن الإنس ببهجة غامرة تملؤنا، وبراحة كبرى تعيننا، وبيقين كبير يلهمنا. فقد وضعنا نصب أعيننا وبصائرنا كبرى قواعد الوجود، قاعدة الزوال.
(انتبه قليلا.. لا ذنب لتصميم الكون المدهش في جنوح البشر على أحد كواكبه (الأرض) إلى الظلم، والجشع، والكراهية، والاستحواذ المرَضي على المال، وصناعة الحروب.. مشوِهين بأفعالهم تلك صورة الكون العظيم، وعابثين بمقدّراته وتوازناته، ومخرِبّين علائق الخَلق بالخَلق).
إن الكون – بأمر خالقه ومشيئته النافذة - يمنحنا كل ما يجعلنا نقول عن الحياة: يا لها من تجربة جميلة فريدة ساحرة!