لسنا أرقاماً.. لنا أسماء ولنا بيوت وأصدقاء

يوليو 21, 2024 - 10:11
لسنا أرقاماً.. لنا أسماء ولنا بيوت وأصدقاء

بهاء رحال

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي نداء الشاب بلال عقل، الذي كتب قبل استشهاده في معركة سيف القدس عام "٢٠٢١" بضعة أسطر على صفحته في الفيس بوك يقول فيها: "أكثر ما يخيفني هو ذكر موتي في استهداف صهيوني كرقم ضمن الأعداد التي تزيد كل دقيقة. لست شاباً عاديًا، ولا رقمًا، استغرقت ثلاثة وعشرين عاما لأصبح كما ترون الآن، أنا لست عادياً، لي بيت، وأصدقاء، وذاكرة، والكثير من الألم". وهذا لسان حال كل الناس في غزة، وهم يعيشون هذه الإبادة التي تقتلهم من دون رحمة وأنا أسمعهم يقولون. لسنا أرقامًا في عدّاد الشهداء، ولا جثثًا تناثرت في لحظة وتحولت إلى أشلاء، ولا أسماءً عابرة بلا عنوان.

لا يريد أيّ منا أن يكون خبرًا في فم المراسل حين يقول استشهد خمسة عشر شهيدًا جراء القصف الهمجي المستمر. لنا أسماء وعائلات، وأجسادنا رغم الجوع لا تزال تحاول أن تكون قوية بلا أمراض، ولنا جيران وأصدقاء، وبيوت كانت تجمعنا تحت سقفها.أسمع صوت كل واحد منهم يقول: لا أريد أن أكون خبرًا عاجلًا، يحمل رقمًا عابرًا للحظة ثم يغيب، فأنا إنسان حملت اسمي لثلاثة عقود، ولي ذكريات طفولتي ولدي الكثير من الأحلام التي لم تتحقق، وليست روحي ذخيرة في جيب أحدهم، وهذه صورتي، ملامحي وشعري الأسود، عينان وحاجبان، ولا أرى أصعب من أن أفقد ذلك لأبدو في لحظة رقمًا في عدّاد الموت لحرب الإبادة التي تسرق أعمارنا، كما تسرق أسماؤنا، ملامحنا وحياتنا. فيا أيها العالم الذي كنت قاسيًا علينا، كنت شاهدًا على موتنا وذبحنا، ودخلت فصولًا من الصمت الرهيب من دون رحمة، وصغرت في كل الأعين وأنت تشهد قتلنا، هدم مستشفياتنا، مدارسنا وجامعاتنا. كنت الأخرس والأعمى ونحن نموت، ولا نزال نموت كل دقيقة وكل لحظة.

ويا أيها العالم كفى صمتًا، وكفى هروبًا من صورة ما يحدث لنا، ولا نريد منك إلا أن لا تنسى أسماء الضحايا، صورهم وملامحهم، وأصواتهم التي كانت تصرخ، وتقرع أجراس النداء بكل اللغات. يا أيها العالم وقد حفظنا قوانينك الدولية ومواثيقك التي كانت تسكن كتبنا المدرسية والجامعية، وحفظنا النصوص عن ظهر قلب، ونجحنا في كل امتحان، ورسبتم أنتم في الامتحان العملي، حين تنكرتم لمواثيق كنا نرى فيها العدل قبل أن نكتشف الحقيقة، هذه الحقيقة التي فضحتها حرب الإبادة علينا.

فيا ليتنا لم نحفظ من تلك المواثيق أي نص وأي فقرة، ويا ليتها لم تسكن كتبنا المدرسية والجامعية، أو ليتنا رسبنا في حفظ تلك المواد التي حفظناها حد النجاح، ويا ليتكم نجحتم في إنقاذنا من هذه المهلكة.

يا أيها العالم الذي كنت قاسيًا علينا، كنت شاهدًا على موتنا وذبحنا، ودخلت فصولًا من الصمت الرهيب من دون رحمة، وصغرت في كل الأعين وأنت تشهد قتلنا.