ضُخّوا الحنان والحب!

يوليو 18, 2024 - 10:01
ضُخّوا الحنان والحب!

فراس عبيد

صدّق أو لا تصدّق.. إن الدواء الشافي لأحزان البشر وآلامهم النفسية والجسمية هو الحنان والحب!
لكن كثيراً من البشر يتجاهلون هذه الحقيقة ويتناسونها.


فهم لا يعلمون أن ضخ موجات كثيفة وعميقة ومتواصلة من الحنان والحب على إنسان محزون أو مجروح، سيبعث في كيانه الأمل وحب الحياة من جديد، وسيزوده بالقوة الكافية لينطلق في الحياة بفرح وثقة، وسيصل به إلى إحساس (الولادة من جديد).


وحتى ينجح هذا الضخ الذي يباركه الكون وخالق الروح فإنه ينبغي أن يكون صادقاً، ثابتاً، منزهاً عن الغرض، وأن يحركه حبّ الإنسانية وتقديس الروح.


ولصلاح حال هذا الجنس البشري، فإنه ينبغي أن نجعل دافِعَي الحب والحنان هما الركيزة الأولى في الوعي البشري والسلوك الاجتماعي، واللذَين يتحدد على أساسهما السلوك الإجمالي للبشر.


فأن تكون إنساناً يعني أن تكون حنوناً ومُحباً، وإلا فما الداعي للصق صفة الإنسانية بك!
داووا أحزانكم وآلامكم بالحنان وبالحب!
اغمروا مَن تحبون بالحنان والحب!
أظهروا للمحزونين والمتألمين أن هناك دواءً شافياً اسمه الحنان والحب!
قولوا لهم إنه لا يزال هناك بشر قادرون على منح الحنان والحب، بل وضخه عليهم!
اكشفوا لهم أن جوهر الحياة والسعادة هو الحنان والحب لا غيرهما!
انثروا هذه الكلمات حيثما حللتم.. (الحنان والحب هما المفتاح السرّي والمقدّس والنّهائي لهذا الوجود)!
واعلموا أن ما يحاسَب عليه الإنسان بعد رحيله عن الدنيا هو مقدار نبذه للحنان وللحب في تعاملاته مع الخلائق!


وأود أن أُذكركم بأنّ ملايين وقائع الحب (يحلو للناس تسميتها بقصص الحب) تحدث يومياً للبشر في هذا الكون، وهي على قِصرها الزمني وبساطتها وبراءتها، تساهم في إنقاذ أرواحهم من الشقاء والكآبة والإحباط.


وهذه الوقائع شاهد على قدرة مشاعر الحنان والحب على إحياء طاقة الحياة لدى الإنسان من جديد، حتى لو لم تصل تلك الوقائع إلى درجة علاقة حب كاملة ومتواصلة.


وفي القصة التي سأرويها لكم الآن مثال بسيط على ما قلنا..

قصة "كوب النسكافيه"
هي امرأة لا يعرفها من قبل..
لكنه لمَح الإنسان فيها يفيض حباً على الآخرين، ويشعّ عليهم احترامه!
الأنثى الجميلة.. تمثلها وتتمثل فيها!
الأم الحنون، التي تتحمل بصبر وهدوء مسؤولية تربية صغارها وتقويتهم.. هي!
الحوار بينهما بدأته نوافذ الأرواح، أي العيون، حتى إذا ما ائتمنَتِ الروحُ الروحَ واستأنسَتْ بها، انطلق اللسان بمكنون النفوس، وتكشّفَ المخبوء والمستور!
هل يفوّتُ العقلاء لحظةَ ائتمان الأرواح على القلوب؟!
سردتْ له قائمةَ أفراحها وأحزانها.. قَدَرَها العامّ، نسبة تعليمها، مستوى دخلها، قناعاتها، زواجها، أطفالها، حالها هذه الأيام..
بادَلها السردَ بمثله!
أشفقتْ عليه، حبَّته،.. فقد حسّ قلبُها الكبير أنّ حزنه أكبر أضعافاً من أحزانها المتفرقة، ورغم ذلك هو متفائل، صابر، يحب جميع الناس.. مما زاد إعجابها به.
سألَته بمودة فائقة: ومنذ متى وأنت بلا امرأة؟
ردّ عليها: سنة..
قالت: هل أُعدّ لك كوبا من النسكافيه؟
قال: بالتأكيد سيكون طعمه طيباً من يديك..


بمهارة المرأة وسرعتها التي لا تُجارَى، كان كوب النسكافيه في يده خلال أقل من نصف دقيقة، ولم يكد يرشف أول رشفة من الكوب حتى رأى جسمها الرشيق يستدير بسرعة فائقة في نصف مواجهة معه، ورأى يدها تمتدّ نحو يده، تُعطيه كعكة محشوة بالتمر، دون أن تنبس بكلمة، بل مكتفية بتركيز نظرتين مُحبتين، عميقتين، عظيمتين، من عينيها إلى عينيه المذهولتين!
واصلتِ التحديقَ في عينيه بينما هو يقضم كعكتها، كأنّها تقول له:
خذْ كلّ ما تحتاج من قوّة، حتى لكأنك لم تعرف في حياتك الحزنَ قَط!
تناول الكعكة من يدها، ووضعها في اللحظة نفسها على شفتيه كأنه يُقبّلها، قضمَ منها قضمة، فسرى في بدنه إحساسٌ غريبٌ، وانتابه إدراكٌ عجيبٌ، في اللحظة نفسها أيضاً.. إن هذه الكعكة هي ألذّ كعكة تناولها في حياته، فهي مُحمّلة بطاقة هائلة من المحبة والرحمة والعطف، سَرَت من روح تلك المرأة إلى يدها، إلى الكعكة، إلى كيانه!


استمرّ في قضم الكعكة متمنياً أن لا تنتهي، لا بل أن تتوقف حياته بضعة أعوام عند هذه اللحظة.


وأضحَتْ حياته وكلّ ذكرياته، من لحظتها، في كفّة.. والطاقة التي منحته إيّاها هذه المرأة وكعكتها في كفّة أُخرى!
وكلما مالَ الميزان إلى الكفَة الأولى، سرعان ما رجحتْ عليها الثانية!


ولم يعترِ قلبَه خوفٌ على الحياة أو منها، وانصرف عن نفسه القلق.. منذ تناولَها.
وعرَف..


أنّ الحياة أضعف بكثير.. من أن تُخبئ له شيئاً غير القوة، والخير، والنجاح، من تاريخ تناول الكعكة فصاعداً!
ولا تنتهي قصص المحبة عدداً.


طوبى ثم طوبى لكل من يمنح الحنان والحب للخلائق.

داووا أحزانكم وآلامكم بالحنان وبالحب!
اغمروا مَن تُحبون بالحنان والحب!
أظهروا للمحزونين والمتألمين أن هناك دواءً شافياً اسمه الحنان والحب!