نفرح ونسأل: هل يغادر اليسار الأوروبي عقلية الرجل الأبيض؟

يوليو 10, 2024 - 12:15
نفرح ونسأل: هل يغادر اليسار الأوروبي عقلية الرجل الأبيض؟

وسام رفيدي

بالتأكيد نفرح لفوز اليسار، كما يوصف إعلامياً على الأقل، في فرنسا وقبلها في إسبانيا، أما في بريطانيا فرأس حزب العمال لا يخفي يمينيته، وهو مَنْ قاد حملة عزل اليساري فعلاً، جيرمي كوربن، من على رأس الحزب قبل عام لسبب موقفه من فلسطين.


نفرح لأن اليسار هزم النازيين الجدد المؤيدين دون مواربة للعنصرية الصهيونية ولذبح شعبنا، نفرح لأن قضية فلسطين، كما أشارت تقارير إعلامية عديدة، فعلت فعلها في العملية الانتخابية في بريطانيا وفرنسا لصالح مَنْ يتخذ موقفاً مع حقوق شعبنا، حتى أن التقارير تلك أشارت إلى أن مرشحي حزب العمال في بريطانيا في دوائرهم، أنما نجحوا بفعل موقفهم المؤيد لشعبنا، على العكس من زعيم حزبهم. لذلك ليس غريباً أن يعلن زعيم الجبهة الشعبية الجديدة في فرنسا، مالانشون، سريعاً أنه سيعمل من أجل الاعتراف بدولة فلسطين. ونفرح لأن اليسار يتخذ موقفاً داعماً لمصالح وحقوق الفئات الشعبية، وتحديداً العمال والمهاجرين وسكان الأحياء الفقيرة من الأفارقة والعرب، ونفرح لأنه يعلن صراحة حق شعبنا في دولة مستقلة، مخترقاً بذلك موقف الاتحاد الأوروبي المتذيل للإمبريالية الأمريكية، رغم اقتران هذا الحق بالنسبة له بشرعية المشروع الصهيوني في فلسطين.


وعليه يتوجب تطوير العلاقات مع هذا اليسار، باتجاه خطوات عملية على الصعيد الدولي، لتطوير إسناد ودعم شعبنا وحقوقه نحو مزيد من الإنجازات، وفي مقدمتها دفع هذا اليسار في دوله بتبني مطلب طرد دولة الإبادة، باعتبارها دولة إبادة بالذات من الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية. لا تنقص المعطيات التي تدعم هذا المطلب رسمياً.
ومع ذلك، ودون التقليل من أهمية الفوز التاريخي في فرنسا، ينبغي تسجيل بعض النقاط على هامش هذا الفوز التاريخي.


* هذا اليسار، سواء في فرنسا أو في إسبانيا، هو خليط غير متجانس من اتجاهات فكرية وسياسية عديدة، بل ومتناقضة في العديد من المفاصل. شيوعيون واشتراكيون وخضر وتروتسكيون وماويون..... وهذا الخليط، وإن توحّد لدحر النازية الجديدة، كما في فرنسا، في خطوة وحدوية تاريخية وهامة، خليط يطلق عليه إعلامياً وصف "يسار"، فضفاض جداً بحيث يجعل من الطبيعي أن تنفجر خلافاته في قادم المرحلة سواء ما تعلق منها بالقضية الفلسطينية أو حتى بالقضايا الاجتماعية الداخلية.


* هذا اليسار الفضفاض تغلغلت الصهيونية فيه تاريخياً، خاصة اليسار الاشتراكيي، وحتى الشيوعي، يسار حمل على أكتافه وزر الجرائم الأوروبية النازية ضد اليهود التي ارتكبها خصومه أصلاً لا هو، حيث دعم المشروع الصهيوني واعتبر العديد من أطرافه الصهيونية حركة تحرر لليهود، واتخذ العديد من أطرافه في أحيان كثيرة موقفاً مناوئاً للمقاومة الفلسطينية. كان لافتاً مثلاً أن الحزب الشيوعي الفرنسي قطع علاقاته مع الجبهة الشعبية إثر اغتيال الجبهة لرجل الترانسفير رحبعام زئيفي، معتبراً الاغتيال عملية إرهابية، ومتناسياً تاريخه في المقاومة المسلحة ضد المحتل النازي، وبضمنه تنظيم الحزب لفرق اغتيال الضباط آنذاك. يسار تغنى (بالكيبوتسات) كنماذج اشتراكية لحظة تأسيس دولة الإبادة، مغرداً ببغاوية خلف التحليل السوفيتي الغبي آنذاك.


* يوماً ما قبل سنوات كنت أتابع برنامج جورج غالاوي، المناصر بقوة لشعبنا، واليساري المعروف، على إحدى الفضائيات، وإذا به يقول بالحرف (على العرب أن يتعلموا الديموقراطية). حتى لو افترضت أنها (فلتة لسان)، مع أنه من الصعب تصور فلتات لسان من قائد وسياسي محنك مثل غالاوي، إلا أنها تعكس، في العقل الباطن على رأي علم النفس، تلك الثقافة العنصرية المتغلغلة لدى الأوروبيين على مختلف مشاربهم الفكرية والسياسية، ثقافة تضع الرجل الأبيض الأوروبي في موقع (المعلم) للشعوب في العالم، في موقف اعتبر رأس حربة تبرير الاستعمار دائماً. تلك العنصرية ميّزت موقف الشيوعيين الفرنسيين من القضية الجزائرية مثلاً، أما الاشتراكيون في كل أوروبا فامتازوا تاريخياً، باستثناء اشتراكي النمسا برونو كرايسكي آنذاك صديق الراحل ياسر عرفات، بالعداء للمقاومة ودعم دولة الإبادة.


* جرد سريع لمواقف اليسار في أوروبا عشية السابع من أكتوبر يلاحظ من خلاله أنهم جميعاً، والألماني كان أكثر وضوحاً، انضموا لجوقة الدفاع عن دولة الإبادة، وحقها (في الدفاع عن نفسها) في تبرير صريح لحرب الإبادة، وإدانة العملية العسكرية في السابع من أكتوبر، ووصف المقاتلين الفلسطينيين بأبشع الأوصاف التي تكرر أوصاف الصهاينة لهم، فدولة المشروع الصهيوني بالنسبة لهم يجب أن لا تمس، وإن اتخذوا موقفاً ضد الاحتلال للعام 1967.


لذلك قلنا في عنوان المقالة (نفرح ونسأل)، فلدينا العديد من موجبات الفرح سجلناها أعلاه، ولنا الحق في التساؤل بعد مسيرة تاريخية ليسار تلوث في العديد من مواقفه بثقافة الرجل الأبيض. والرهان أن القاعدة الشعبية لهذا اليسار، وأيضاً باختلاف تلاوينها، هي مَنْ يعوّل عليها، عبر مساهمتها المعروفة في الانتفاضة الشعبية العالمية في الانتصار لشعبنا وقضيته، في تصويب مواقف اليسار وحمله علىى مغادرة جيوب ثقافة الرجل الأبيض.

...........
يتوجب تطوير العلاقات مع هذا اليسار، باتجاه خطوات عملية على الصعيد الدولي، لتطوير إسناد ودعم شعبنا وحقوقه نحو مزيد من الإنجازات، وفي مقدمتها دفع هذا اليسار في دوله بتبني مطلب طرد دولة الإبادة، باعتبارها دولة إبادة بالذات من الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية.